ضفة أخرى عنيفة

يونس وانعيمي

تتبعت السجال القديم-الراهن حول عقوبة الإعدام داخل المنظومة الجنائية المغربية، والآراء المتأرجحة بين الرافض لها والداعي لتثبيتها وتشديدها. وهو سجال حمى وطيسه مؤخرا (ويسكن بيننا من يتقن البندير والنار) بعد اختطاف واغتصاب وقتل الطفل عدنان، رحمه الله، وهو الحدث المأساوي الذي حرك الرأي العام المغربي بشكل ملفت.

لكن الملفت للنظر اكثر هو تعرض الاستاذ أحمد عصيد، وهو ناشط حقوقي من مناضلي الحركة الأمازيغية بالمغرب، لسيل من الانتقادات التي زاغ بعضها عن إطار السجال ليدخل في اطار التشهير وتشويه السمعة والتهديد بالسحل والقتل. الغريب ان هذه التهديدات الممنهجة طالت قيادات حزبية محلية لبعض التيارات السياسية الحداثية.

اولا، وانطلاقا من منطق دولة القانون والمؤسسات الذي نسعى له جميعا، فإن أي تهديد وتشهير وتعنيف رمزي بسبب الرأي والتعبير، هي اصلا أفعال جنائية مشمولة بالمتابعة.. وذلك كيفما كان السياق، حتى ولو كان صاحب الرأي المستهدف بالقتل قد خرج هو ايضا عن منطوق الدستور الذي يجمعنا جميعا. والأستاذ عصيد، هو فاعل ثقافي وسياسي وحقوقي، معروف بآراءه ومنسجم مع اطارها المرجعي منذ عقود، ومعروف عليه انفتاحه الاستثنائي لمناقشة آراءه ولا يرفض طلبا في استضافته للمشاركة بمختلف منابر وانشطة النقاش الخاص والعام، ونشط كثيرا من الناحية التواصلية. وبالتالي، فمن يختلف معه، له ألف فرصة للتعبير حضاريا وديمقراطيا ومؤسساتيا عن رأيه الأحد والمنتقد، مادام سي عصيد قد عبر مرارا على استعداده للمبارزة والمقارعة الفكرية وليس الجسدية العنيف التي لا يقبلها اي إطار مدني متحضر. فلا مبرر اطلاقا لتنظيم حملة ضده.

ثانيا، وللذين يرغبون في فهم اشكالية تطبيق عقوبة الإعدام بالمغرب، فهناك العديد من الورقات العلمية والقانونية والفقهية الرصينة، كل ورقة بحسب منهاجها، قد تطرقت بإسهاب لطرفي الإشكالية.. ورقات تبرز غايات ومرامي “التفكيك المتدرج والسياقي” للاعدام داخل المنظومة الجنائية المغربية، التي وضعت لتتنفس بنفس المجتمع وترتوي بالرغبة السياسية في التطوير وفق معايير حقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب واقرها إجماعا بدستوره.. وبالتالي، فعلى من يريد ضحد آراء ذ. عصيد أن يدخل داخل إطار النقاش المنهجي الحقوقي القانوني وليس خارجه.. ولا داعي اطلاقا بربط آراء الرجل بشيء من قبيل “اجندات صهيونيية او علمانية او تمزيغية او…” لان كل ذلك لا أثر له في اطروحة الرجل ولا تخدم تلك الاتهامات سوى تأجيج حوار “مصومل somalisee” والرجوع بالنقاش العمومي لسالف عهده حيث كان الترهيب الايديولوجي العملة الموحدة بين كل التيارات الفكرية.

ثالثا، لم المس نفس حجم حماسة سي عصيد لدى فريق الضفة الأخرى، اي التيار المحافظ. لم يخرج فقهاء ولا سياسيون محافظون بشكل تواصلي مكثف وممنهج وعقلاني ما عذا “ذباب إلكتروني” اعتاد “التقلاز من تحت الجلباب” .. مثلا لم المس حماسة منظري التيار السلفي والإسلامي ولم يخرج أصحابنا من العدالة والتنمية.. وكيف سيخرجون وهم الذين تركوا السيدة آمنة ماء العينين تتعرض للسحل والتعنيف الرمز وهي التي كانت تمارس حقوقها الشخصية في السفر واللباس… لم يساهم هؤلاء في مؤازرة كل من سقط منهم في وزر الحرية الفردية وكلنا يتذكر العزل القاسي والتعنيف للسيد باحماد والسيدة النجاري من حركة الإصلاح والتوحيد… هذا التيار تراجع عن المساهمة في الضحد التشريعي والقانوني والحقوقي لكلام الرجل، واستقر ربما في مستوى التهييج غير المباشر لأن له حساب فكري مع سي عصيد.
لم المس سوى معالم “ضفة أخرى” هجينة، همجية، عنيفة، متربصة بحرية الرأي كيفما كان.. حكموا سريعا على أن الرجل “علماني” ومتى كانت العلمانية وصما واتهاما؟؟؟ وحكموا على الرجل بالمنظر الأمازيغي الفوضوي ونسوا ان الدستور معترف بالأمازيغية لأن ثلثا المغاربة امازيغ وهو لا يناقش الامازيغية الا لأن لها طابع دستوري صرف.. وربطوه بأجندة صهيونية متربصة، ولكن والله لم المس اي دليل مادي على ذللك، لأنه كثيرا ما اعتبر نفسه من الامازسغيين الإصلاحيين المؤسساتيين .. بل واعادوا للواجهة، في تسجيلات رذيئة الشكل والمضمون امرأة، اظنها حمقاء، وهي مليكة مزان تعيد الحديث عن حياة الرجل الخاصة وتشهر بها وتتهمه باغتصاب قاصرات، وانا والله لم أعلم أن السيد عصيد متابع قضائيا بكذا تهم.. ربما على هذه السيدة ان تتم متابعتها بالتشهير..

اخيرا، عقوبة الإعدام هي جزء من كل.. نعم احزننا موت عدنان… نعم نحس بالرعب ان حصل ما حصل لفلذات كبدنا.. نعم اغتصاب وقتل الأطفال في تصاعد.. لكن الإعدام سيبقى رهينا بنظج وجاهزية منظومة جنائية شاملة، وسيبقى تعديله سليل نقاش حقوقي موضوعي وليس عاطفي، وعقلاني وليس إيديولوجي، ولم يعمل سي عصيد سوى على توضيح وجهة نظره في الموضوع

يونس وانعيمي

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *