إعداد: ابراهيم إشوي
سنحاول في هذا التحقيق أن نكشف الستار عن موضوع يحاول الكل تجنب الحديت عنه، كما سنسعى جاهدين إلى ذكر الأسباب التي كانت وراء كل هذا.
تعد الدعارة من الظواهر الاجتماعية التي يحاول البعض تجنب طرحها للنقاش أو كموضوع للبحت والتحليل، فما علاقة هذه الآفة بمجتمع أمازيغي محافظ؟ وهل الدعارة بالأطلس لها علاقة بالأوضاع المتوترة بين السلطة المركزية والقبائل المتمردة؟ وهل كان للاستعمار الفرنسي دور في ذلك؟
نرصد لكم في هذا التحقيق قصة مجتمع متمرد ألصقت فيه الدعارة عنوة، وذلك لتشويه سمعته، ذنبه الوحيد أنه رفض الخضوع والخنوع لأي حكم خارجي سواء كان مركزيا أو أجنبيا.
يتحدث المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان، ويقول بأن السلطان المغربي كان يضع مختلف قبائل الأطلس المتوسط في درجة واحدة مع الكفار، وهذا راجع إلى امتناع القبائل عن تقديم الزكاة والأعشار للمخزن، ويرفضون تقديم البيعة له وبالتالي وجب قتالهم وجهادهم. هذا ما سيتكرر قبل توقيع معاهدة الحماية بقليل، حيت قال المقري ناقلا عن السلطان بأنهم “سيستعينون بالكفار على الفجار”.
وفي محاولة للتأريخ للأزمة فقد جاء في كتاب الاستقصاء بأن ثورة قبائل الأطلس المتوسط كانت منذ القدم في علاقة توتر وتشنج مع السلطة، ولعل ثورة سنة 1667، والتي استمرت حتى 1690، لخير دليل على طبيعة العلاقة بين المخزن والأطلس، حيت تم استقدام جيوش عبيد البخاري لإخماد الثورة.
قد تكون هذه الأدلة التاريخية كافية لتبيان ما كانت عليه الأوضاع بهذا المجال، لكن ما علاقة التمرد بالدعارة كظاهرة اجتماعية؟
لم تتلق الدعارة نصيبها المفترض من الدرسات والتحقيق بكونها ظاهرة تستحق البحث، وذلك على اعتبار أن كل من ينبش في هذا الحقل أو يشتغل عليه ميدانيا، يتهم بأنه ذو علاقة بالدعارة، ولأن الدين حرم هذه “العاهة” والقانون يدينها، وأعراف المجتمع تتحفظ عليها، بل وتنبذها، فمن البديهي أن يكون الموضوع طابوها غير قابل للنقاش.
قد يتفق الجميع كما لامسنا ذللك من خلال مقابلتنا في الميدان مع أزيد من عشرة مومسات، اكتفينا بذكر شهادة ثلاثة منهن.
حنان، كوثر، وسمية… بأسماء مستعارة أكدن لنا بأن الدوافع التي تكون وراء امتهان الدعارة تختلف بين ارامل ومطلقات وضحايا الاغتصاب وفقدان العذرية، أو الهروب من المنزل وذلك نتيجة تنشئة اجتماعية مبنية على تربية خاطئة تفضل الإبن على البنت، وتعتبر البنت مصدرا لجلب العار على العائلة.
قد يعتقد القارئ لهذا التحقيق أننا أغفلنا الإجابة عن الأسباب التي كانت وراء هذه الظاهرة، لكن بعد التحقيق من الفرضية والتأكد من تحليل المفاهيم ستتضح الإجابة، فالدعارة هي ممارسة البغاء مقابل أجر مادي، وتنقسم الي قسمين:
الدعارة السرية: والتي تمارس في الخفاء وفي مختلف الأماكن وتتوفر على عنصر الابتعاد عن الأنظار.
الدعارة الرسمية: تحاول السلطة التحكم فيها وتوفير أماكن ومراكز خاصة بها وتوظفها وفق أغراضها.
وباستحضار المجال المدروس، أي الأطلس المتوسط، فإننا أمام دعارة رسمية متحكم فيها جاءت بمجيئ الاستعمار، وبقيت بعد رحيل هذا الأخير، حيث تم اختيار أماكن معلومة بوضع بورديلات خاصة بمومسات بمجموعة من المناطق الاسترايجية التي شهدت مقاومة شارسة. فالإدارة الفرنسية كانت هي الراعية الرسمية للبغاء، وهي من صنعت الدعارة بالأطلس وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
- التزايد الكبير للفيالق العسكرية بالمنطقة، الأمر الذي يزيد من نسبة الطلب على الخدمات الجنسية.
- تفضيل وطلب المومسات المحليات ورغبة الزبون الاروبي ممارسة الجنس معهن.
- استهداف شرف القبائل وجلب العار إليهم انتقاما من مقاومتهم.
فهل كانت النساء الأطلسيات يمتهن الدعارة أو يستجبن لها؟
كتب أحد الجنود الفرنسيين في مذكراته وقال “لما كنا نقوم بعملية التمشيط ومداهمة القرى بالأطلس، كان كل مرة يحز في قلبي ويشعرني بالخجل من نفسي ردة فعل النساء الأمازيغيات، حيت كن يهرولن ويهربن بسرعة البرق نحو إسطبلات الحيوانات عند رؤيتنا ويقمن فورا بتلطيخ أجسادهن بالروث وفضلات الحيوانات، لكي نشمئز منهن عند محاولة اغتصابهن ولا نقربهن بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعت منهن، حقا الصورة لن تغادر ذهني ما دمت حيا، وتجعلني أكن احتراما لهؤلاء النساء اللائي يقمن بالسباحة في الروث من أجل شرفهن” انتهى قول الجندي الفرنسي.
وتؤكد الباحثة المختصة في الدعارة الاستعمارية “كريستيل تارو” بأن البعد الإديولوجي الكولونيالي حاضر بقوة في بغاء البورديلات، وأن الاستعمار الفرنسي هو من رسم الدعارة وأعطاها الطابع المرخص.
كما لا ننسى كذلك معطى آخر وهو أن كل مومس تمتهن حرفة الدعارة تحاول دوما الهجرة خارج قبيلتها أو مدينتها، وهذا ما أكدناه من أحد البورديلات المتبقية بالأطلس (ب.ب)، فجل من قمنا باستجوابهن من مدن كبرى وبعيدة عن المنطفة.
هذا ما قادنا إلى التأكد بأن الأطلسيات لا يمكن أن يمتهن بيع الهوى في مناطقهن، حيث وقفنا في بحثنا هذا على أنه يتم استقدام فتيات، ينتمين لمدن مختلفة، من طرف شبكات ترعاها الوسيطة “القوادة” أو الباطرونة كما يسطلح عليها، بمباركة من السلطة التي ترعى وتنظم الفضاء وفق ضرائب مؤداة.
من جهة أخرى فقد برز وعي في صفوف الشباب والساكنة للتصدي لهذه الظاهرة الدخيلة ولعل القضاء على الأوكار الرسمية بمدينة “زاوية الشيخ” سنة 2012 لخير دليل.
نستنتج مما سبق أن قبائل الأطلس المتوسط تمردت عن السلطة فنتج عن هذا التمرد الاستعانة بنظام الحماية، ومجيء فرنسا لم يكن مرغوبا فيه وتمت مواجهتها ببسالة وشجاعة في القتال، وقد اعتمدت في استكمال سيطرتها على القبائل بالتخطيط لأوكار الدعارة، للتفويج عن جنودها والنيل من شرف هذه القبائل ومحاولة إلهائها وتمتيعها بالجنس ومحاولة نسيان المقاومة.
بعد خروج الاستعمار حافظت الدولة المعاصرة على نفس الخريطة خوفا من إعادة التاريخ، كما أن هناك من تحدث كذلك عن تبني الدولة بعد الاستقلال لسياسة سميت بـ”les trois F” أي الفتيات، القمح والمهرجانات، بمعنى توفير المتعة والأكل ثم الإلهاء حتى سوق لبلاد الأطلس أنها بلاد النشاط.
نستشف من خلال النبش في هذا الموضوع أن البورديلات لصيقة الثكنات العسكرية، وباعتبار بلاد الأطلس تتوفر على نصيب كبير من الثكنات، فمن البديهي أن تتوفر على هذه الأوكار التي تغذيها، دون أن ننسى استحضار الأسبباب غير الظاهرة، التي ارتبطت بالطبيعة التمردية لهذه القبائل كما ذكرنا من قبل.
تحية سي بيهي دمت متألقا مقال يستحق القراءة