تم الإعلان عن إطلاق مركز البحوث والمحفوظات حول اليهودية في شمال المغرب خلال ملتقى دولي حول الذاكرة و تاريخ اليهود بشمال المملكة، نظم بطنجة بين 19 و 21 من شتنبر الجاري.
وتشمل مهام المركز إجراء دراسات علمية، بشراكة مع جامعة عبد المالك السعدي، وبتعاون مع باحثين مغاربة ودوليين بارزين، للتعريف بالجماعة اليهودية وتقديمها بشكل أفضل إلى أوسع جمهور، في المغرب والخارج، من المقيمين أو الزوار، ومن جميع الأديان مجتمعة.
ويدار مركز الأبحاث والمحفوظات حول اليهودية في شمال المغرب من طرف لجنة تضم شخصيات من بلجيكا وفرنسا وإسبانيا والبرازيل وإسرائيل والولايات المتحدة والمغرب، حيث يعد وجها من أوجه مبادرات الجماعة اليهودية بالمغرب، بقيادة الجماعة اليهودية بطنجة ومؤسسة دونا وحاييم بنشيمول.
وسيكون مكتب الجماعة اليهودية بطنجة هو المقر الرئيسي للمركز، وسيضم مكتبة ومكان إقامة مخصصين للباحثين.
وقال رئيس الجماعة اليهودية بطنجة، سيرج بيرديغو، إن “المركز سيخصص أساسا للدراسة والأبحاث حول اليهودية بشمال المغرب، ولاسيما العادات والتاريخ واللغة “، مبرزا أن المؤسسة سيكون من مهامها جمع وصون وتشجيع الثقافة المشتركة، ليس فقط ليهود المغرب، بل لكل الأندلسيين.
وتابع السيد بيرديغو، في تصريح للصحافة، أن هذا المركز يتماشى والرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس للحفاظ على الهوية المتعددة للمغرب، والعناية السامية التي ما فتئ جلالته يحف بها الشأن الديني عموما، وأماكن العبادات على وجه الخصوص، منوها بأن المركز سيمكن من إعطاء وهج جديد لهذه الثقافة.
وقال “نرغب اليوم في تسليط الضوء على هذه الثقافة وتمكين أكبر قدر من الناس، بالمغرب والعالم، من الاستفادة منها”، مشددا على أن هذا اللقاء الذي شهد مشاركة حوالي 30 خبيرا، 18 من بينهم بشكل حضوري و 12 آخرين عبر تقنية المناظرة الرقمية، كان مناسبة لبحث الوسائل الضرورية من أجل تحقيق الأهداف المسطرة.
من جهته أكد رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، أن اللقاء عرف مشاركة مؤرخين ومهتمين بذاكرة يهود شمال المغرب، حيث كان الهدف هو إنشاء مركز يهتم بخصوصيات وثقافة يهود شمال المملكة، لاسيما بتطوان وأصيلة والعرائش وطنجة، مذكرا بأنه من خصوصيات الطائفة اليهودية التي كانت بالمنطقة دورها المهم اقتصاديا وثقافيا وهجرتها منذ القرن التاسع عشر الى عدد من الدول، خاصة نحو بلدان أمريكا اللاتينية.
وتابع أن هذه المبادرة ستغني ذاكرة وتاريخ المغرب كما تعبر عن قوة العلاقة بين الجاليات المغربية، مسلمة ويهودية، بأرض الوطن، عدا عن كونها تأتي في سياق الاهتمام المتزايد بالمغرب على عدة مستويات بتاريخ وذاكرة الشعب المغربي بمختلف مكوناته، مبرزا أن هذا المركز بطنجة سيقوم بجمع الأرشيف من عدة دول إلى جانب تنظيم أنشطة ثقافية وفكرية تتماشى وأهدافه.
من جانبه، أشار مدير أرشيف المغرب، جامع بيضا، إلى أن هذا اللقاء الدولي مناسبة لالتئام عدد من الخبراء في الأرشيف من المغرب وأوروبا وأمريكا، حضوريا وعن بعد، بغرض تأسيس مركز للأرشيف متعلق باليهود المغاربة، وخاصة منهم يهود شمال المغرب، موضحا أن المركز سيطلق منصة رقمية ستعنى بجمع وإتاحة هذا الأرشيف للعموم.
وأبرز أن دواعي هذا المركز والأرشيف المراد إحداثه ليست بحثية بشكل صرف، بل يرتقب أن تكون لها تداعيات تنموية على شمال المغرب، لكونه سيكون محط أنظار الباحثين عبر العالم، من خلال مساهماتهم وشبكات علاقاتهم التي ستمكن من جمع خزان من المعطيات العلمية والتراثية، معتبرا أن هذا الأمر من شأنه “تكريس مكانة المغرب، الذي عرف بانفتاحه على العالم واحتفائه بتنوعه فيما يتعلق باللغات والديانات و الحريات، الشيء الذي كرسه دستور 2011 الذي ركز في ديباجته على تعددية روافد الهوية المغربية”.
بدوره، اعتبر الفيلسوف باروخ غارثون أن إحداث مركز البحوث والمحفوظات يروم تسليط الضوء على الذاكرة المشتركة بين المسلمين واليهود المغاربة على مدى قرون، والتي تشكل مثالا للتعايش ولتقاسم ذكريات مفعمة بالأمل بالنسبة للعالم.
وقال إن “هذه الأرواح المنتشرة في العالم لم تغادر المغرب أبدا، بل هي مرتبطة بهذا البلد”، داعيا أعضاء الجماعة اليهودية عبر العالم إلى المساهمة في حفظ هذه الذاكرة، من خلال الذكريات والوثائق والأشياء التي تحمل شذرات من أرواحهم.
أما رئيس مركز الثقافة اليهودية المغربية ببروكسيل، بول دحان، فيرى أن هذا المركز جاء لتلبية طلب العديد من المغاربة، بمن فيهم من أصول يهودية، لاقتفاء جذورهم بالمغرب، وهو يروم تعزيز وحفظ هذه الثقافة المشتركة.
يذكر أن مجلس الجماعة اليهودية في المغرب ومركز الثقافة اليهودية المغربية (بروكسل) والدكتور أفياد مورينو من جامعة بير شيفا، نظموا من 19 إلى 21 شتنبر ملتقى دوليا حول الذاكرة وتاريخ اليهود بشمال المملكة، خصص لتحديد مهام مركز البحوث والمحفوظات حول اليهودية في شمال المغرب (CJNM).
وشارك في الملتقى متحدثون ومؤرخون وأكاديميون وعلماء وباحثون مختصون في الديانة اليهودية والهجرة، وأعضاء الجماعة اليهودية بالمغرب والخارج، كما شكل فرصة لزيارة أماكن تاريخية في كل من مدن طنجة وأصيلة والعرائش، والتي تشهد على تاريخ عمره ألف سنة لأحفاد اليهود من سكان الأندلس في هذه المنطقة، والذين هاجر الكثير منهم إلى أمريكا اللاتينية على مر القرون.
يذكر أن الملتقى انعقد بعد أيام قليلة من افتتاح المعبد المرمم “الصايغ”، وافتتاح متحف “بيت يهودا” بمدينة طنجة، بهدف إعادة تأهيل الثقافة اليهودية المغربية، والحفاظ على هذا المكون من ذاكرة المنطقة الشمالية.