شيوع ظاهرة التخوين وسط نخبة من المناضلين يكاد يتحول إلى سمة فكرية مجتمعية بالغة الخطورة، تستخدم فيها أساليب محرمة في التعامل مع الخصوم من كافة التيارات والاتجاهات السياسية.
فلم تعد قاصرة على رأي وتقديرات قوى حاكمة ومؤيديها ضد معارضيهم أو العكس، بل أيضا أضحت شائعة أو سلاحا لدى بعض المناضلين في التراشق بينهم، ما جعل للكارثية خصوصية نادرة من الفضائحية !
لقد قامت الانتفاضات في بعض المناطق وهي تقوم على شعارات مركزية أهمها الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة ومكافحة الفساد (نموذج حراك الريف )، فكنا قد استبشرنا بأن يكون المشهد السياسي في المستقبل قائما على رقيّ تلك الشعارات، فبعد بضع أشهر من اختطاف أغلب نشطاء هذا الحراك المجتمعي ، تغيرت آليات الخطاب لدى البعض ممن ادعى أنه حمل مشعل الانتفاضة ، من سلاح خطابي مبني على المقارعة الفكرية إلى سلاح التخوين وتبادل الاتهامات، وهذا ما يؤكد أن المخيال السياسي يحتوي عللا كثيرة ويستبطن خطابا أنانيا وغير ديمقراطي !
إن خطورة شيوع هذا النوع من التوجهات يكمن في أنه قد يضرب السلم المجتمعي، حيث تتحول العلاقات بين الأفراد من علاقات إنسانية تحكمها قيم المودة والتراحم إلى علاقات تبنى على الريبة والشك والهواجس.
فالحل الوحيد لتجاوز المعضلة هو أن نؤمن بالاختلاف.
فالاختلاف هو تباين في وجهات النظر في قضية ما، ولا يُفترض أن يوصل إلى القطيعة والعداء والتهجمات الجارحة بين المختلفين، والأهم يُمنع منعًا باتا القذف بتهمة الخيانة، لأن التهمة تضر المجتمع بأكمله، ولا تقتصر على فردين !
إنّ أفضل طريقة للتعامل مع الاختلاف هي الحوار والإصغاء، من المهم جدًا الاستماع للرأي المختلف والوقوف على ما وراء الكلمات المجردة؛ حيث أن هذا يساعد على فهم أفكار الرأي الآخر، وحينها قد يولد العطف وتقدير قيمة وجهات النظر على الرغم من بقاء الاختلاف، وليس من المهم الوصول إلى اتفاق على وجهات النظر بل المهم فهم وجهات النظر المختلفة !