عادة “أفتال” بمنطقة آيت هاني

الباحثة: مريم اوزي

تقع منطقة ايت هاني في نفوذ دائرة أسول، عمالة إقليم تنغير، التي أبدع معمارها بناة على سفح جبل بادو الذي شهد معركة حقيقية غيبها الإعلام من الدرجة الأولى والباحثين من الدرجة الثانية.

منطقة آيت هاني التي قلت دائما عنها ولا زلت بأنها منطقة التنوع الثقافي بامتياز وملتقى مختلف القبائل الأمازيغية( ايت مرغاد، ايت حديدو، الشرفا، إكرامن)، هذه القبائل التي تلتقي في نقطة واحدة وهي أنها منسية ولم تنل نصيبها من الإعلام الوطني بشتى أنواعه، رغم أن المنطقة تتوفر على مؤهلات ودينامية ثقافية تستحق التوثيق والدراسة.

إن الزائر لمنطقة ايت هاني يرى أن التنوع الثقافي الذي تزخر به المنطقة هو نتاج تنوع الحضارات التي مرت في هذه المنطقة، حيث إن كل لباس أو تقليد هو بالأحرى موروث من حضارة ماضية، باعتبار الثقافة صناعة وموروثا إنسانيا، والأمر الذي لا جدال فيه هو أن الحضارة والثقافة كلاهما انعكاس بشري لمجموعة من الأنشطة التي يتفاعل معها الإنسان.

إذ لا يستقيم أن يمر شهر مارس دون أن تعد النساء الكسكس تحضيرا لفترة الصيف التي تكون فيها النساء منشغلات بمهام الحصاد وغيرها، حتى أصبح أفتال يعكس ثقافة وهوية المنطقة ككل..

يتميز أفتال بمنطقة أيت هاني بمجموعة من الخصائص تتجاوز كونه طبقا للأكل فقط، بل هو عادة تصاحبها طقوس ممزوجة بالشعر والغناء الأمازيغيين المتجذرين في الثقافة والتراث الأمازيغيين.

ـ أفتال المفهوم والدلالة:

أفتال عادة تعرف بها منطقة ايت هاني وبعض من مناطق الجنوب الشرقي، في كل شهر مارس إلى غاية أبريل من كل سنة تجتمع النساء في كل بيت لمساعدة بعضهن البعض في إعداد الكسكس أو ما يصطلح عليه بالأمازيغية” أفتال” (سكسو ن تمازيرت)، وتمر هذه العادة وفق طقوس وهي:

ــ أن تكون المرأة التي سيجتمعن عندها الأخريات لمساعدتها جاهزة لأفتال، وتجهز الطحين المختلط المكون من الشعير( تيمزين)و الذرى و القمح( إردن).

ــ أن تكون المرأة قد هيأت فضاء( أحانو/ لعلو) لذلك.

ــ تمر عادة أفتال في جو من الغناء ترديد الأشعار( إزلان) بين النساء، حتى في هذه العادة يحضر أحيدوس بين طرف يغني وآخر يردد أو يتعاتبن بالأشعار.

ــ ترافق هذه العادة إعداد كل ما لذ وطاب للنساء اللواتي يساعدن في أفتال، ففي الصباح مثلا يتم إعداد فطور مكون من تارواشت وأودي(السمن)،

وتبدأ النساء في المهمة، وعند أخد قسط من الراحة يقدم لهن أغروم ن تكوري(خبز الشحمة) مع تثمين هذه اللحظة بأشعار وأهازيج، فهي لحظة للتسلية ونسيان الهموم والمشاكل والتفويج عن النفس.

أفتال ليست بعادة جديدة بل هي متجذرة في الثقافة الأمازيغية عامة وعند منطقة ايت هاني بصفة خاصة، فهي ليست مجرد عادة بل هي ذاكرة تاريخ كامل وثقافة متفردة امتدت لقرون، حيث كانت تقام قديما حسب الروايات الشفهية أمام ساحة المسجد أو “إمي ن إغرم”، كلما حلت مناسبة عند بيت من القبيلة سواء في الأعراس أو الأعياد أو الختان وغيرها.

هذا التحول من إمي ن إغرم إلى داخل البيوت راجع إلى الثقافة نفسها باعتبارها على حد قول الباحث الأنثروبولوجي لحسن آيت الفقيه في كتابه(إملشيل بين جدلية الانغلاق والانفتاح):” كيان قابل للتحول والتطور والمراجعة والتجديد، لكن ينبغي العمل على الحفاظ على ثقافة كل قبيلة، دون تقديم أي مبرر لزوالها تحت ضغط التحولات السوسيو اقتصادية التي تلحق الوسط القروي”.

وبالتالي فكل قبيلة مسؤولة على إحياء موروثها الثقافي وكذا التأريخ له، بوصفه مكونا من مكونات تراثها الشعبي المغربي الأصيل.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

تعليق واحد

  1. جميل. مزيدا من التألق والعطاء للطالبة الباحة مريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *