عبد الوافي الكريمي فنان ريفي أمازيغي أصيل وعصامي، من مواليد دوار إصوفيين بالضبط “إكفاس”. عمل مع مجموعة من الفنانين والفرق موسيقية، كفردوس تازيري، أمواج، نجيب أمازيغ، فرقة تيفيور ثم فرقة أكراف. وأنتج في مسيرته الفنية أغاني أغنت الريبرتوار الموسيقي الريفي، أغاني تعبر عن حب الريف، الأرض، الهوية والإنسان.
في هذا الحوار يحدثنا عن بداياته الموسيقية، والصعوبات التي تخللتها، وعن واقع الموسيقى الريفية، ويؤكد على أن “الأغنية الريفية الملتزمة غير مرغوب فيها في الساحة الفنية المغربية ووسائل الإعلام”، مردفا على أنه “لكي تبدع وتستمر وتشق الطريق لا بد من التضحية، لأن الإبداع يولد من رحم المعاناة”.
الأغنية الريفية الأمازيغية الملتزمة غير مرغوب فيها في الساحة الفنية المغربية
بداية نرحب بكم الفنان عبدالوافي الكريمي على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، هلا أعطيتمونا بطاقة تعريفية عن شخصكم؟
عبد الوافي الكريمي فنان ريفي أمازيغي أصيل وعصامي، من مواليد 1977 بدوار إصوفيين بالضبط «إگفاس»، درست المرحلة الابتدائية في نفس المدشر، وبعد ذلك انتقلت لآيث بوعياش لمتابعة دراستي بإعدادية عقبة بن نافع، ثم سنة 1994 إلى ثانوية إمزورن، إلى حدود 1996 حيث توقفت عن الدراسة لضيق ذات اليد.
يقال إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، متى وكيف كانت خطواتكم الأولى في عالم الموسيقى الأمازيغية؟
مشواري الفني كانت بدايته سنة 1994 بمساعدة وتشجيع الأستاذ والفنان والشاعر الكبير حسن الفارسي (ثيدرين) الذي كان يقطن جاري آنذاك بحي «بوغرمان» بآيث بوعياش. كما لا أنسى كذلك أستاذ مادة الرياضيات بإعدادية عقبة بن نافع عبد الكريم الهادي،والذي كان أيضا من بين مسانديي في مسيرتي الفنية.
ما هي الصعوبات التي واجهتكم في بداية مشواركم، وكيف تغلبتم عليها؟
الصعوبات التي واجهتها في مشواري الفني تكمن في العامل المادي والنظرة الدونية للفن من طرف المقربين والمحيط الذي كنت أعيش فيه، لكن الصبر والعزيمة كانا سلاحي للاستمرار وتحقيق ما كنت أحلم به في مشواري الغنائي، لقد تألمت بشدة وواجهت صعوبات كثيرة طوال مسيرتي، ولولا إيماني القوي وإصراري ما حققت حلمي، لكي تبدع وتستمر وتشق الطريق لا بد من التضحية فالإبداع يولد من رحم المعاناة.
الإبداع يولد من رحم المعاناة وشق الطريق يحتاج للتضحية
يتمتع التراث الموسيقي الريفي والأمازيغي عموما بثراء موسيقي عظيم؟ ما الذي تأثر به عبدالوافي الكريمي؟
الموسيقى كانت تستهويني كثيرا، كما كانت موهبة العزف على آلات النفخ والعود والقيثار مغروسة لدي منذ الصغر حيث كنت أستمع إلى «ثاروا ن شيخ محند» و»الشيخ عيسى» وبعض فناني الريف وتأثرت كذلك بالموسيقى التي كان يعزفها أخي الأكبر على آلة العود، لذلك وجدت نفسي متأثرا بأنماط موسيقية تراثية ريفية أمازيغية، لكن في الموسيقى الخاصة بي أقوم بمزح الموسيقى العصرية بالريفية الأمازيغية التي تجدرت منها.
الفنان الموسيقي دائما ما يسعى إلى التعبير عما يخالج وجدانه من أفكار وأحاسيس عبر أغانيه ومقطوعاته الموسيقية. بالنسبة لكم ما الذي يستفز ملكة الإبداع لديكم؟
كل ما يخالج وجداني يخرج ليتحول عندئذ إلى موسيقى تعبر عن أحاسيسي ودواخلي، ثم أبدأ في إبداع كتابة الكلمات، التلحين ثم الغناء للتعبير عن أحاسيس النشوة.
متى أصدرتم أغنيتكم الأولى ومن كتبها ولحنها؟ وكيف كان تفاعل الجمهور معها؟
أول أغنية لحنتها كانت سنة 1994 تحت عنوان «ثرا ن دشار إنو» مع فرقة «إگُوراف» التي تأسست في نفس السنة السالفة الذكر وتتكون من أربعة أعضاء: سعيد بومديان ومحمد السعيدي وعبد المجيد الطلاگي وعبد الوافي الكريمي، الأغنية كانت من كلماتي وألحاني، لكن للأسف سبقني أحد أبناء بلدتي في تسجيلها حيث قام بتغيير الكلمات واكتفى باللحن فقط، بعد ذلك قمت بتلحين أغاني أخرى، ثم قمت بتسجيل أغنية «تِززوا» سنة 2007 لتليها تلتها أغاني أخرى في السنوات الأخيرة والتي تفاعل معها الجمهور بكثير وخاصة عشاق الأغنية الملتزمة.
عرف عنكم مشاركتكم مجموعة من الفرق الموسيقية المحلية عزفا وغناء، لتقرروا أخيرا التحليق منفردا، إلى ما يعزو ذلك؟
بالفعل اشتغلت مع مجموعة من الفرق المحلية، كان هذا من أجل خلق نوع من التواصل والاحتكاك بتجارب فنانين آخرين، فالفنان بحاجة إلى تطوير حسه الفني من خلال تراكم التجارب لخلق نمط موسيقي خاص به ومعروف به لدى الأوساط الفنية.
صدر لكم سنة 2020، ديو غنائي بعنوان (رالا بويا) رفقة الرابور التونسي حمادة، هلا حدثتمونا عن هذه الفكرة؟ وكيف كانت أجواء هذا التعاون الموسيقي؟
فكرة إصدار أغنية «رالا بويا» سنة 2020 مع الرابور الأمازيغي التونسي حمادة الزروي الإنسان الرائع، كانت فكرة الأخ والصديق الفنان مصطفى أغربان، وهو من بين مؤسسي فرقة «تمسنا» المستقر حاليا بالديار الإسبانية، الذي كان يتواصل مع الرابور التونسي وكانت تربطه علاقة صداقة بهذا الفنان، واقترح عليه فكرة الديو الغنائي معي، أعجبته الفكرة ثم بدأنا الحديث ومناقشة الموضوع عبر الواتساپ لاختيار اللحن والكلمات وكيفية التسجيل والتوزيع. وكانت الأجواء حماسية تسودها روح الموسيقى والاجتهاد، واستغرق هذا العمل الفني مدة سنة ونصف تقريبا، فكانت تجربة جديدة وأولى في مشواري الفني، حيث عبر كل من يتذوق الأغنية الملتزمة عن اعجابه بالديو الغنائي.
ما هي الأغنية التي كتبتها أو عزفتها الأقرب لكم، وربما كان لها الفضل بأن نالت إعجاب الكثيرين وزادت من شهرتكم أكثر؟
كل الأغاني التي كتبتها ولحنتها وعزفتها أقرب لي، الأغاني مثل أولادك من صلبك، فلا يمكنك أن تفرق بينهم، الفرق يبقى فقط في عامل السن، كذلك في الميدان الفني يمكنك أن تفرق بين الأغنية والأخرى فقط في الموضوع وزمن إصدارها.
كل أغانيي التي أصدرتها نالت إعجاب من يتذوق الأغنية الملتزمة التي زادت من شهرتي وأن أكون معروفا في الساحة الفنية.
ما هي الثيمات والأنماط الغنائية التي تشتغلون عليها؟
موسيقى ريفية عصرية مصاحبة بآلات موسيقية تقليدية ريفية كـ «أچون» وآلات عصرية ومزيج بين إيقاعات تقليدية وإيقاعات العالم، واستعمال وسائل إيقاع إفريقية أيضا.
أما من الناحية التيماتية فجل الأغاني التي أصدرتها تتضمن مواضيع اجتماعية والهوية والتاريخ، أترجم هذه المواضيع على أوتار قيثارتي وأغنيها.
برأيكم أيهما يعتبر أكثر تأثيرا على الجمهور، الكلمات أم اللحن؟
الآراء تتعدد وتختلف في هذه القضية، إذ لا يمكن أن تحسم بسهولة، فلكل رأي أسانيده وبراهينه وفكره الخاص، فكل أغنية ناجحة وراؤها عمل واجتهاد كاختيار كلمات في المستوى ولحن جميل وتوزيع موسيقي يليق بالأغنية، وطريقة الغناء كذلك، فالصوت والأداء يظهر جمال الكلمات واللحن، الاثنان يكمل بعضهما البعض، وهذه هي القواعد الأساسية التي تستند عليها الأغنية.
هل تعتقدون أن الموسيقى الأمازيغية الملتزمة لاتزال لها قدرة التأثير على المجتمع؟
لقد تغيرت النظرة إلى الأغنية الملتزمة وتأثيرها على الجمهور، أصبح الجسد عند تصوير الفيديو كليب هو المعيار لترويج الأغنية، وطغت الأغنية الفارغة من المضمون التي تستهلك بشكل لا يطاق لدرجة أصبحت تشوش على العقل الريفي وإبعاده عن القضايا التي تهمه بالأساس.
ولكي تعود الأغنية الملتزمة إلى مكانتها لابد من إعادة النظر في طريقة تسويقها وكيفية إيصالها إلى المستمع، هذا الذي تاه في وسط الأغاني الماجنة الفارغة من أي محتوى.
كيف تقيمون الحركة الموسيقية الأمازيغية بالريف بصفة خاصة، والمغرب بصفة عامة، وما هي التحديات التي تواجهها؟
تعمدت جهات معينة في إقصاء وإقبار الأغنية الريفية الملتزمة تاريخيا، باعتبار أن هذه الجهات عملت جاهدة على طمس الهوية الريفية بشكل عام، كما عملت على محاولة إسكات أصوات فناني الريف الذين استعملوا الفن كساحة نضال لإيصال رسالتهم إلى كل مسؤول، أُقصيت الأغنية الريفية من الساحة الفنية ووسائل الإعلام. وبالتالي انحسرت الأغنية الريفية الملتزمة في أمسيات ثقافية منظمة من طرف الطلاب بالجامعات في السنوات الماضية، ومنذ تاريخ النضال من أجل القضية الأمازيغية، وكذلك بعض الجمعيات بديار المهجر. كما أن غياب المعاهد والنقص الحقيقي إلى حد الغياب لفضاءات تضمن حرية ممارسة الفن، إضافة إلى العامل المادي لإنتاج وتسويق الأغنية الريفية وغياب الاستوديوهات لرفع من مستوى وجودة الأغنية الريفية، كما أنه ليس هناك من يعطي الأهمية التي تستحقها الأغنية الأمازيغية الريفية الجادة، حيث إن هناك اهتمام تجاري محض، أي التركيز على الربح على حساب المنتوج الرمزي للفنان فقط. الأغنية الريفية الملتزمة غير مرغوب فيها في الساحة الفنية المغربية ووسائل الإعلام، وهذا ما يكرس مشكلة خطيرة حيث يتم إقصاؤها على جميع المستويات والأغنية الملتزمة تعطي الصورة الحقيقية عن ثقافة أهل الريف.
ما هي انشغالاتكم الموسيقية التي تعملون عليها حاليا؟ وما هي خططكم المستقبلية في هذا المجال؟
حاليا أشتغل على أغنية جديدة سأصدرها في القريب إن شاء الله، تتحدث عن معاناة أبناء الريف المهجرين والغير المهجرين وانتقادا للواقع الذي نعيش فيه. أما خططي المستقبلية أود أن أتطرق إلى كل ما هو تراثي وترميمه بتوظيف آلات موسيقية عصرية وتقديمها للجمهور بحلة جديدة حداثية « كإزران ن الرايس» وألحان ريفية.
كلمة حرة…
أشكر كل طاقم جريدة «العالم الأمازيغي» على هذه الالتفاتة الجميلة واهتمامها بالفنان الأمازيغي وخاصة الفنان الريفي، وأشكر كل فناني الريف الذين ناضلوا وضحوا من أجل إيصال الأغنية الريفية الأمازيغية إلى مقام عالي، كما اشكر كل من أبدع واتقن وتجاوز الظروف الصعبة، الأغنية الملتزمة تحتاج للصبر والتضحية لكي تستمر كما قالوا أجدادنا بالريفية «زْعَفْ إتِجاد ارگاز»…
حاوره: خيرالدين الجامعي