لن نلوم المحتجين من أجل فتح المساجد ليلا.
اولا: لأن الدستور يكفل حق ممارسة الشعائر الدينية بحرية، واي تحييد لهذه الحرية او تقليص لها من طرف السلطة التنفيذية، يجب أن يكون مبررا بنص قانوني وبسجال دستوري وسياسي. لأن الأمر يتعلق بشرع مرتبط بعقيدة، عقيدة لا تقف فقط عند الدين بل هي عقيدة تشرع للدولة سلطتها العميقة.
ثانيا: لأن التواصل الحكومي أخفق كثيرا في تبرير تنزيل هذا القرار. لا يتكلم وزير الصحة مع المواطنين شأنه شأن وزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية ويظل رئيس الحكومة في توحد تواصلي مقلق وغير مفهوم. وعندما يتقلص هامش التواصل يكبر هامش التأويل الذي يجر معه سوء الفهم. المحتجون ربما أساؤوا الفهم ولكن الحكومة أساءت التقدير، تقدير كيفية تدبير الحجر الصحي الشامل خلال شهر تعبد وعبادة موسومة بالميل لممارستها جماعيا ومجتمعيا.
ثالثا: لأن المؤسسات والمنظمات الوسيطة بين المواطن والدولة (مجالس علمية دينية، أحزاب، جمعيات، وسائل إعلام…) غابت عن فرض مناقشة قرار الحكومة وتصويبه وربما تقويمه. وغابت ايضا عن ممارسة دور تحسيس وتوعية المواطن ب “جدوى” كذا قرار وفق معطيات وبائية مستجدة “محتملة”. غياب الوسيط يجعل ردود أفعال المواطنين خامة وعشوائية وربما فريسة لاستغلالات متطرفة : صلوات جماعية عشوائية غير مهيكلة وجنحية.. خروج جماعي جانح ليافعين ووقوع تصادمات مأسوفة بينهم وبين رجال الأمن… تعليقات فيسبوكية ذهبت لحد “تكفير الدولة”.. بل هناك تعليقات ذهبت لحدود ربط قرار الحجر الشامل بالتطبيع مع إسرائيل واستهداف “صرح الإسلام” بالدولة المغربية. وحدود تطرف ردود الأفعال غير محدودة وربما سنرى تطرفا في الرأي والمواقف من الجانبين.
رابعا: كثر الحديث عن الوقع الاقتصادي السلبي لحجر شامل برمضان. وقع على التجارة والخدمات ووقع ثقيل على القطاع الاقتصادي الثالث الذي يساهم بأكثر من 20% من الناتج الوطني الخام. لكن، لا مؤسسة قدمت مقايسة لهذا الوقع السلبي ولا مؤسسة اقترحت بدائل اقتصادية مواكبة لقرار الحجر. كما لو ان تدبير كورونا يتم بثلاثة رؤوس: رأس تفكر في الوباء واللقاحات من وجهة نظر صحية.. ورأس تفكر في التباعد والانضباط والحجر من وجهة نظر شبه عسكرية.. ورأس تفكر في كيفية محاربة الوباء من دون محاربة التجارة والاقتصاد والدخل من وجهة نظر اقتصادية.. المشكل هو انها وجهات نظر غير متكاملة وغير متقاطعة ويحس المواطن ان الكفة دوما تميل لوجهة النظر شبه العسكرية التي تحظر التجوال وتحرك المواطنين بدون سند طبي يفسر وبدون سند اقتصادي يدعم التوازن الاقتصادي للأسر والمواطن. تبقى “عسكرة” تدبير الجائحة احد الحلول قصيرة المدى، غير العقلانية التي تستند فقط على منطق “عضلات الدولة” واستقواءها التقليدي على الرعايا.
مع الأسف، فالشرطة وقوى التدخل، عندما لا تجد من يبرر تدخلها وبائيا وسياسيا، تضطر مرغمة للكلام وتبرير تدخلاتها بنفسها او عن طريق وسطاء مأجورين. ولكن الطامة الكبرى انها جهاز لايجيد الكلام اصلا، لأنه لا يجيد الانصات، ويسقط في تبرير حركاته باتهام “الحركات الاحتجاجية” على أنها حركات داعشية تابعة “لأجندات خارجية”. مع الأسف ان تدخل هنا صحافة “يسارية راديكالية” لتصفي حسابا سياسيا لها مع الإسلام السياسي وتقبل ان تلعب دور “بوق” للشرطة وتسارع في تبرير شططها عن طريق “دعوشة” انتفاضات عشوائية لمطالبين بفتح مساجد..
ماذا ضاع في النهاية؟ ضاع هنا فهم مطالب بسيطة لمواطنين بسطاء وضاع التجاوب معها. تجاهلها هو ما ينذر باستغلالها، تكبيرا وتصغيرا، من طرف جهات بنوايا متضاربة. وهذا ما يقع دوما مع الأسف عندما تضيع الدول مفاتيح تعايشها مع المواطنين بكل فئاتهم.
لا ادافع طبعا عن عشوائية الاحتجاج، بل اتهم تنصل المؤسسات من ادوارها. أما ربط احتاجات مواطنين بتنظيمات إرهابية فهول كلام قليل أدلة وقليل تربية.