أكد الأستاذ والباحث الأمازيغي، أحمد عصيد، أن “المجتمع الأمازيغي لم يتوقف عن إبداع أشكال تنم عن ديمقراطية مميزة ومبكرة” مشيرا إلى أن”الطرق إلى الحداثة تختلف، والدروب الموصلة إلى الديمقراطية تتباين حسب الموروث الثقافي لكل دولة، وخير التجارب الحداثية وأنجحها تلك التي تنطلق من فهم علمي للثقافة المحلية”.
وأكد أحمد عصيد، خلال تأطيره ندوة حقوقية، بايت أورير، يوم السبت 02 مارس، أنه “لا يخفى على أحد من المشتغلين بالثقافة والفكر، ما كان لمفهوم الثقافة من أهمية وحساسية، هذه الأهمية التي تزايدت مع تطور المعارف والعلوم الإنسانية، خاصة بعد تصاعد الحركات الهوياتية في جميع بقاع العالم، وظهور فكرة الأمن الثقافي”.
وأضاف عصيد في معرض مداخلته بندوة :”الأمازيغية وقيم الانتقال إلى الديمقراطية” التي أشرف على تنظيمها، فرع منظمة تاماينوت بأيت أورير، إن “مفهوم الديمقراطية يبقى مفهوما سياسيا، ونظريا تضاربت بشأنه التعاريف، بل اختلفت طرق أجرأته وتنزيله تبعا لاختلاف الثقافات”. و”لنا نحن أن نتساءل عن إمكانية بناء نموذجنا الديمقراطي بالاعتماد على ثقافتنا، لكن هل في ثقافتنا الأمازيغية من القيم ما يمكن استثماره لبناء دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟” يتساءل المتحدث.
قبل أن يعود ويؤكد أن “لا أحد ينكر عراقة الثقافة الأمازيغية وإسهامها الحضاري منذ القدم، فهي واحدة من الثقافات المهمة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكانت في احتكاك وتفاعل دائم ومستمر مع الحضارات الكبرى الإفريقية واليونانية والفرعونية”. يورد عصيد.
وأشار الباحث الأمازيغي إلى أن ” التراث الثقافي الأمازيغي يحتاج لبدل مزيد من الجهود العلمية الأكاديمية اللازمة، والوقوف عند المنظور الثقافي الأنثربولوجي الأمازيغي للإنسان والدولة والمجتمع”، موضحا أنه من ” خلال المعلومات والأفكار المستقاة من أعمال المؤرخين والأنتروبولوجين والسوسيولوجين المشتغلين بدراسة المجتمع الأمازيغي، خلصت إلى وجود أرضية من القيم الثقافية التي تصلح للاستثمار والاعتماد عليها في إرساء النموذج الديمقراطي الحداثي المنبثق من تجاربنا التاريخية والاجتماعية. ومن هذا النسيج القيمي المتعدد، القيم المرتبطة بشكل وثيق بالديمقراطية”.
وقال أحمد عصيد في معرض مداخلته، إن “الدارس للمجتمع الأمازيغي سيلاحظ ميل الإنسان فيه إلى تطبيق القانون، حيث سيج الأمازيغ أنفسهم بقوانين عرفية نظمت جميع جوانب الحياة، والميل لتطبيق القانون والخضوع لمقتضياته يعد لبنة الديمقراطية وقيمة ثقافية مشتركة، تقوم بإحلال النظام محل الفوضى والقضاء العادل مكان الوحشية و القانون بدلا من العنف ..”.
وبخصوص احترام الحق في الحياة، أكد الفاعل الأمازيغي أن “المظاهر الثقافية الأمازيغية التي تقف دليلا ساطعا على الاحترام الكبير الذي يكنه الأمازيغ لحق الحياة، كثيرة، سواء في الأمثال الشعبية أو القصص أو الأشعار، و القوانين العرفية تؤكد ذلك بجلاء إذ لا نجد مطلقا في تشريعات “إزرفان” عقوبة الإعدام بل حدد المشرع الأمازيغي النفي ( ازواگ) كأقصى عقوبة في حق مرتكب جريمة القتل، كما تخلو القوانين العرفية الأمازيغية من الإكراه البدني”.
وفيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، قال عصيد :”بالعودة إلى تاريخ الأمازيغ القديم منه والوسيط والحديث، نجد المرأة قد حظيت بمكانة لائقة، فقد صنف الأنتروبولوجيون المجتمع الأمازيغي ضمن المجتمعات الأميسية، وتمكنت فيها المرأة من الوصول إلى أعلى المراتب المدنية والسياسية والعسكرية، منهن من أصبحن ملكات، ومنهن من لعب دورا سياسيا رياديا. كما أعطى القانون العرفي الأمازيغي المرأة الحق في التطليق وأعطاها حق الكد والسعاية”.
وأشار أحمد عصيد إلى الفصل بين السلط في المجتمع الأمازيغي “سمة أساسية للمجتمع فالقبائل تقوم بانتخابات سنوية، فينتخب أمغار وهو أعلى سلطة سياسية، أما السلطة الدينية فيمثلها إگرامن، ينتخب ممثل للسلطة العسكرية، هذه التنظيمات الاجتماعية والثقافية سمحت بتوزيع السلط الثلاث وتمنع ظهور حاكم مستبد وطاغية”.
وأكد أحمد عصيد في ختام مداخلته، أن الهدف من هذه “المقدمة المتواضعة الإحاطة الشاملة بالقيم الأمازيغية وعلاقتها بالديمقراطية”، هو فتح النقاش حول إمكانية بناء المشروع الديمقراطي المغربي “بالاتكاء على قيمنا الثقافية والحضارية المرتبطة بالإنسان والأرض، هذه القيم التي بنيت على أساس علماني إنساني غير تيولوجي لاهوتي تقوم على التعايش والتعاون والتضامن”. يورد المتحدث.
*منتصر إثري