إذا لم نميز بين الإبتكار والإبداع فلن نصنع فنا، في منحاه الأدبي والمعرفي، وليس الفن البشري سوى خلقا خالصا من أي محاكاة صرفة للغير، هذا الخلق الذي ينبغي تقييمه بكل مسافة ضرورية عن كل ما يسمى بالامتداد ذي النفحة الدينية او الطبيعة الميتافيزيقية، فما الانتظارية إلا اتكالية تبرر جبروت القدرية بمثابة جبرية تناقض حريةالإختيار وبذلك فالابتكار ضرورة لتحقيق التميز والإختلاف، وتلك غاية الفن، وقد يتقاطع الهدف هنا مع الفلسفة.
غير أن الوسيلة مختلفة باختلاف الأسئلة، فالفن قد يصف العالم وقد يعمل على تغييره، وكذلك الفلسفة، ويحتل التجريد والتجريب دورا مهما في بلوغ مشاريع أجوبة. ويظل الابتكار أفضل من الإنتظار، خاصة إذا كان هذا الأخير دون تحقيق الهدف، أي الإنتظار من أجل الإنتظار، إحالة على النص المسرحي لبيكيث الكاتب الإيرلندي، واليوم هل نعيش ابتكارا في مشهدنا الوطني؟
قبل ملامسة مشروع بيان حول الوضع سنحاول ان ندردش معا حول معنى “إعادة إكتشاف العجلة”، فكثير منا وخاصة بالنسبة لبعض الوافدين على السياسة كصبي يدخل المسيد لأول مرة، يحفظ عن ظهر قلب “تبث يدا ابي لهب ..” دون ان يفهم معناها، وكالفتيان يكتشفون علامة بلوغهم، كما المسؤولين الجدد، وهم يتربعون على مناصبهم الجديدة في مرافق قائمة الذات، الذين لا يحترمون التراكم، بالدارجة: “يمسحون كل شيء بليكة”؛ فيجرون تغييرات جذرية فيما هو قائم او منجز، رغم المجهودات المبذولة والمصاريف المنفقة على مشاريع التأسيس والإنشاء، وبذلك تكون العودة إلى مربع الصفر أو نقطة البداية كمن يحاول إعادة إكتشاف العجلة لأول مرة في التاريخ، والحال أنه بذلك يجهض التراكم.
وفي ذلك هدر للطاقات وللزمن، وهذا لا يحصل فقط مع الأميين الذين لا يقرؤون او يطلعون على التجارب البشرية السابقة، ولكن يتم حتى مع المثقفين الذين يتجاهلون عن قصد خطورة النفي المطلق لتجارب من سبقوهم، فليس من العبث والإبتذال أن نُصِر أثناء تشخيصنا للوضع على التمييز فيما بين ما هو ثابت وبين ما هو متحول، وقد تعلمنا من فقهائنا وأساتذتنا المناضلين والمجربين أن الخلق لم يكن من عدم، على الأقل لدى بني البشر مثلنا، وكما قال لافوازيي: “لا شيء يضيع ولا شيء يخلق، وكل شيء يتحول”، من هنا أتساءل عن سبب عودة نزعة العدمية وتقهقر ثقافة التثمين، وأرجح الأمر، في آخر التحليل، إلى أن قصورنا في مراكمة تمثلنا لمفهوم العدالة والتي لا تعني فقط الإنصاف ولكن ايضا وبالأساس الإعتراف، الذي علينا الوعي بأهميته وجدوى ممارسته، فلا حديث عن نسق ما دون الإقرار بالبنيات المشكلة له، وبالتالي لا يمكن تصور بنية فريدة تتجاهل نظيرتها لمواجهة أعطاب تشوب النسق المؤلف لجميع البنيات، والتي تبدو جامدة أو تابثة والحال أنها متحولة، وإن ببطء شديد، وحتى لا أدعي ابتكار فكر جديد.
أحيل إلى ما راكمه الفكر الإنساني في مجال القوانين المنظمة للصراع الإنساني أو الطبقي حتى، والذي أستلهم من الطبيعة، وتأسس وتراكم على أساس جدلية التحول أو التكيف، والقطيعة او الإستمرارية، و تحول الكم إلى كيف، والنفي والإزاحة، وإلا فما نحن سوى بصدد تكرار الماضي في جانبه السلبي، ما دمنا نحاول إعادة إكتشاف العجلة، وبعلة التناوب الذي ليس تداولا البتة، وبذلك وبنفس القدر لن نرهن حياتنا الأولى المفترضة للأخرى الإفتراضية.