حينما يغيب الرجال أو يغيبون عمدا يصبح الصمت سيدا يحكم أفعال و أقوال الرويبدة ممن كانوا سببا في امعان نفيهم في دهاليز السجون و في مجهول القبور.
عندما يغيب الرجال عن صدارة مشهد الدفاع عن حق المظلومين، تستفز إنسانية الجاثمين قعودا في قارعة الطريق لسنوات ويتفرجون على المشهد الغارق في ظلمة الظلم و القتل و التنكيل، لكنهم حينها ومن غشاوة قلوبهم الغارقة في القبلية و التمييز يعتبرون الجلاد قاضيا و المظلوم مجرما يحق فيه الرجم و شتى أنواع العذاب.
عندما نرى الرجال يغيبون نستغرب لحراك يقال أنه من الشعب لم يلتفت لجلال مصابهم وعذابهم في السجون إلى يوم أعلن نعيهم، ونعي الإنسانية في قلوب من خرجوا بالأمس وتشدقوا بالوطنية وحملوا في بواطنهم غلا قديما لعلم ثقافي هوياتي ولشعب يقاسمهم المعاناة أكثر مما حملوا نفس الحقد لنظام عمق الشرخ و أغرق البلاد و العباد في مستنقع الفساد و الاستبداد.
كيف لم يسمع ولم يناصر المتشدقون بالتغيير عن معاناة أهل مزاب وعسكرة أرضهم وسجن أبنائهم في دهاليز السجون، وهم من يحملون أعلام فلسطين ويتبجحون بنصرتها، ونفس ما يقع فيها وأكثر يتعاظم بقربهم لكن أذانهم تصطنع صممها المعتاد تجاه صراخهم.
استيقظتم أخيرا وحنت قلوبكم بعد فوات الأوان، ومنكم من لازال على دينه في عبادة أصنام جاهليته وفرح لجلال هول المصاب، فقد نادى المنادي أن فخار فارق الحياة.
فهنيئا لمن أطاع إنسانيته أخيرا، وعلم أن الاغتيال لا يكون من نصيب الظالمين بل لأنصار القضايا العادلة عبر التاريخ، هنيئا لمن اكتشف الخدعة وأزال الغشاوة عن عينيه وقلبه ولو إلى حين، ولا يفرحن أصحاب دين الجاهلية القديم، ففخار أصبح فخرا لكل حرة وحر في وطن الأحرار، وطن لم يعترف يوما بحدودكم وأحكامكم بالموت اللعين، فمن موتكم المترصد فينا تنبعث الحياة للحرية و الكرامة في وطننا العظيم، ويبقى شهداؤنا أحياء في قلوبنا وأكثر حياة منكم أنتم الحاضرون بيننا بأجسادكم وبإنسانيتكم المفقودة والغارقة في موت أبدي منذ أمد طويل.