أتقن القائمون على دراما إسبانية اسمها: “المغرب.. حب في زمن الحرب” صناعة عمل يخترق القلب بسلاسة، ليتعاطف المشاهد مع جنود وضباط إسبان، ومع حبيباتهم من الممرضات الإسبانيات، اللواتي تركن هناء العيش في مدريد، ليلتحقن بمدينة مليلية المحتلة لإنشاء مستشفى ميداني، برعاية من الملكة الإسبانية.
ففي 13 حلقة، يعيش المشاهد داخل مستشفى، في مدينة مليلية المحتلة، في شمال المغرب.
ويتلقى المشفى بشكل شبه يومي، جرحى حرب الإخضاع للاستعمار الإسباني، ضد منطقة الريف المغربي.
وبتقنية تنويم المشاهد، تقوم الحبكة الدرامية التلفزيونية الرئيسية، على نسج لقصص 3 ممرضات رئيسيات، في معاناتهن الشخصية مع الحب، فيما هن ملائكة نزلت مهنيا من السماء، لرفع الألم عن الجنود المصابين، فالحب يصبح عملة ذهبية في زمن الحروب.
فالطبيب العسكري الرئيسي في المستشفى يغادر إراديا وبشجاعة شخصية، قصة حبه لابنة كبير المسؤولين الطبيين العسكريين، ليقع في غرام شقراء إسبانية أخرى، تسللت إلى القطار بدون تذكرة، وقدمت الى مدينة مليلية المحتلة، للبحث عن شقيقها وحبيبها الغارقان في أتون حرب الريف.
وتتشابك الأحداث، فيتابع المشاهد الخيوط، مع موسيقى تصويرية ناعمة، فيمسي متعاطفا مع الممرضات الإسبانيات، في معاناتهن العاطفية، في مواجهة ضباط الجيش الإسباني في حرب الريف.
وبعد هذا التقديم الدرامي العام، وبخلفية المشاهد المغربي، والصحافي المهني، وابن مدينة الحسيمة، وابن عائلة شاركت بفخر في حرب الريف ضد الاستعمار الإسباني، لا بد من إظهار ما دسه المسلسل الناجح دراميا، من عسل في سم زعاف.
حرص المسلسل على استعمال حرب الريف في المشهد الخلفي للعمل الدرامي، ففي لحظة يتساءل المشاهد لماذا يقوم هؤلاء المتمردون الريفيون، بتنغيص حياة ممرضات، في مستشفى ميداني، في مدينة مليلية المحتلة؟
فعلى لسان أبطال المسلسل، يظهر محمد بن عبد الكريم الخطابي، باعتباره مجرم حرب، ومتمردا متوحشا، ولا بد من قتله.
ويختلق المسلسل قصة درامية لجرح بن عبد الكريم، “أسد الريف” كما لقب تاريخيا، واختطاف رجاله لطبيب إسباني وحبيبته، لإخراج رصاصة من كتف بن عبد الكريم؛ وحسب معلوماتي فهذا خطأ تاريخي فادح، ويبقى للدراما الحق في تخيل أي شيء، بطبيعة الحال.
وخطورة المسلسل تكمن في ترويج ممنهج ومقصود للأكاذيب، مع أوصاف تقطر حقدا على مرحلة من تاريخ مقاومة المغاربة للغزو الاستعماري الإسباني، ما يعني أن الإسبان لا تزال الريف عقدتهم، خاصة وسط الهزائم التاريخية التي أنجزها بنجاح المقاومون المغاربة في الريف ضد الجيش الإسباني، خاصة في معركة أنوال البطولية.
كما أن بث السلسلة في شبكة نيتفليكس العالمية، يعني تسويقا عالميا لرؤية إسبانية لجزء من التاريخ المغربي؛ وهذا ما أصفه بالسلاح الناعم الفتاك.
وفي المسلسل التاريخي، محاولة لتبييض وجه إسبانيا الاستعمارية بشخصية المغربي العربي، الذي يقع في حب ممرضة إسبانية، فيذهب المخرج بعيدا في إظهار نبل الشخصية الإسبانية، أي الممرضة، التي تضحي بعائلتها الثرية وبخطيبها المدريدي، لتعود إلى مليلية المحتلة، معلنة أمام الجميع أنها اختارت العربي حبيبا وزوجا من أجل المستقبل، رغم معارضة من الجميع.
ويذهب المسلسل بعيدا في الكذب الدرامي الممنهج، لما يصور قصفا بالقنابل لمستشفى، وهو ما تنفيه المصادر التاريخية، لأن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان يعشق مدينة مليلية المحتلة إسبانيا.
واستعمل المخرج بدهاء تقنية الصنعة التلفزيونية ليوهم المشاهد المتابع أن إسبانيا دولة جاءت لتنشر الحضارة وتقيم المشافي الطبية في المغرب، فيما المتوحشون المغاربة يحاربون المملكة الإسبانية؛ هذه لعمري صورة تنم عن قمة الفكر الاستعماري الإسباني عبر العالم، والذي أباد في أمريكا اللاتينية حضارتي الإنكا والأستيك، ناهبا خيرات الأراضي في العالم الجديد.
وبالعودة إلى حرب الريف، يزعم مسلسل “المغرب.. حب في زمن الحرب” أن تواجد إسبانيا في مدينة مليلية هو أمر طبيعي، وأن حروب الاسترداد التاريخية يجب أن تتواصل في المغرب؛ رسالتان من بين أخريات مرت في صمت، في مشاهد درامية صورت جميع الشخوص المغربية الريفية في وضع سلبي، باستثناء شخصية العربي، المساعد في المستشفى العسكري في مدينة مليلية المحتلة.
أعتقد أن حروب القرن الحادي والعشرين الناعمة عبر التلفزيون والدراما والسينما، تحتاج إلى انتباه مغربي، لأن التاريخ ملعب مفتوح أمام الجميع، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، وسيبقى التاريخ عقدة إسبانية بامتياز.
ويظل محمد بن عبد الكريم الخطابي، بطلا من التاريخ المغربي، ورمزا عالميا للتحرر ضد القوى الاستعمارية، ورجلا كتب صفحات من مجد في الريف المغربي، فبن عبد الكريم أول من قاد حركة تحرر ضد القوى الاستعمارية العالمية في بدايات القرن العشرين.
وكتابتي عن هذا المسلسل، تفاعل إيجابي مع عمل درامي أرفع له القبعة احتراما، ولكنني أحتج بقوة، وبصوت عالي، على تدليس التاريخ، وتقديم إسبانيا الاستعمارية باعتبارها الخير كله، وتقديم المغاربة في الريف المغربي باعتبارهم الشر المطلق.
أزعجني المسلسل كثيرا، رغم متعة ما قدمه، لأنني مشاهد واعي، ومواطن مغربي أنتمي إلى قضايا وطني.
فإسبانيا حسمت حرب الريف باستعمال الغازات الكيميائية المحرمة عالميا، في أول حرب كيماوية ضد المدنيين، لاستكمال الغزو الاستعماري في ريف المغرب، وضرب المقاومة الشرعية، وتنفيذ إبادة جماعية غير مسبوقة ضد المدنيين العزل.
عادل الزبيري