مرة أخرى لن أطلب من الحقوقيين أن يكونوا حراسا للمعبد وكهنوت تمجيد الذاكرة الماضوية ، بقدر ما ألتمس منهم إفراز مادة اليقظة والمقاومة ، فالعقل الأمني والنقل الايديولوجي شراكة ، يشتغلان بجدية من أجل مأسسة النسيان وطي صفحة الماضي خارج معايير الانتصاف.
فلا غرابة أن يشغلوا بال الرأي العام بجرائم الشرف ومواضيع الإرث المحفوفة بالتمثلات والكوابح الدينية وفضائح الجنس وأدب الأكل وثقافة اللباس وجدوى العودة إلى السلف الصالح وتمجيد الأساطير ، خصوصا خلال أشهر « الخريف » ، فصل الاختطافات والاغتيالات والانتهاكات الجسيمة بامتياز ، على عهد سنوات الجمر ، فحذار من ذر الرماد في العيون ، فمن كبد الرماد تنهض عنقاء تكرار مآسي الماضي.
لقد أجلنا مواعيد كثيرة منها إثارة المسؤوليات الفردية ، ولكن لم نؤجل مطلب الحقيقة و حربنا الطويلة الأمد ضد مؤشرات تكرار مآسي الماضي الذي لا يريدونه أن يمضي ، غير أن ما يؤسف له هو أن بعض محللي المرحلة سيفحموننا ومعهم صانعو الأمل المزيف بمصطلح ” العشرية الثالثة من العهد الجديد للالفية الثالثة ” ، والحال أن أغلب الأعطاب الماضوية لم تخضع لتجريب إرادة القطيعة ، وتكرار مآسي الماضي سيتطاوس من جديد ، في ظلال تردد العقل الأمني في العلاقة مع الحكامة الأمنية والتي يعتبر تحرير الأرشيف الأمني مدخلا لتفعيل مقتضياتها .