عياد ألحيان: هاجس الكتابة يسكنني منذ زمن بعيد.. وسعادتي تكمن في حين تفرغي للإبداع..

حاورته: حنان أبوتو* 

يستقي من لغته الأم أجمل العبارات ويمزج بقلمه بين الكلمات ليتحف قراءه بإبداعات تنبض بالحياة والحب أحيانا، وبالحنين، الشوق وهمِّ الاعتراف بهويته الأمازيغية في أحيان كثيرة أخرى. كتب في مواضيع عدة إلا أن أشعاره في الحب والغزل جعلت الكثيرين يلقبونه بقباني الأمازيغي، ما يراه اعترافا منهم بجمالية أشعاره.

أبدع في الشعر وله فيه عدة إصدارات منها: “ويس سا إكَنوان”، “تكَا تكَوري تيسليت إكَ أس إض إيميلشيل”، “أزاواكَ كَر تكَوريوين” وهو ديوان مشترك، ” أجنضيض ن تواركَيوين” ،”fragments émergents” و”سا إكَورا دار إليس ن تافوكت”.

كما أبدع في كتابة الرواية وله فيها عمل واحد عنونه ب “يان أوسكَاس كَ تزكَي” كما له إصدار في المسرح تحت عنوان” تاواركَيت ن أوفكَاركَان”. إلى جانب مجموعة من المقالات المنشورة في مجلات علمية وكتب مشتركة.

نال مجموعة من الجوائز والتكريمات آخرها جائزة المغرب للكتاب لسنة 2018 صنف الإبداع الأدبي الأمازيغي عن ديوان “سا إكَورا دار إليس ن تافوكت”.

هو أستاذ جامعي بشعبة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-جامعة ابن زهر أكادير. ابن قرية إسحنان بأشتوكن أيت باها، نتحدث هنا عن الكاتب الدكتور عياد ألحيان، الذي كان لنا معه الحوار التالي حيث قربنا أكثر من شخصه ومن رؤيته للكتاب والكتابة وعلاقته بها، خاصة الكتابة بالأمازيغية.

في بادئ الأمر هل يمكن أن يحدثنا عياد الكاتب عن عياد الإنسان؟

قد يبدو سؤالك سهلا في ظاهره لكنه في الواقع يحمل نوعا من التناقض، أعتقد أنه من المستحيل أن يتحدث الكاتب عن الإنسان الذي يسكنه إلا إذا كان ملهما له وموضوعا لإبداعاته، أو بمعنى آخر المبدع هو تلك الشخصية التي ترقد في الإنسان وعندما تستيقظ من سباتها فإنها تشتغل في خلوة تامة و انقطاع عن الناس في عالم افتراضي لا يقبل الحضور المادي للآخر. فبمجرد اقتحام منطق الغير ذلك المجال تحدث فيه خلخلة و تضبب فيه الرؤية ليعود المبدع إلى مرقده لفترة من الزمن.

بهذا لا يمكن للمبدع الذي يسكنني أن يتحدث عني ، لكني كإنسان يمكن أن أقول عن نفسي أنني أعشق البادية التي ولدت وترعرعت فيها، أعشق البساطة و أميل كثيرا إلى الإبتعاد عن الحياة العامة لكي يتسنى لي القيام بمزيد من القراءات والإبداعات… أحب كثيرا التجوال في حديقتي و التحدث في صمت مع أشجارها… أحب عملي و أبذل قصارى جهدي للقيام بواجبي. وأشعر بالضجر حين أجد نفسي في دوامة من أعمال كثيرة مقرونة بجدولة زمنية، وسعادتي تكمن في حين تفرغي للإبداع.

يقال أن لكل مبدع طقوس تلهمه للإبداع، فما هي طقوس الكتابة لديك؟

في غالب الأحيان أكتب ليلا حين أحس بالسكون التام والخلوة، أوحين تواجدي بشاطئ خال واستمع إلى صخب الأمواج الهائجة أو إلى سكونها حين تهدأ.
إن الإحساس بالوحدة يرفع في نظري من رؤية المبدع لتستعلي و يستطيع بذلك الغوص في أغوار الأشياء و عمق الأشخاص.

لماذا و لمن يكتب عياد ألحيان؟

أكتب لسببين، أولهما: لكي ألبي رغبة دفينة و قديمة في الإبداع. فهاجس الكتابة يسكنني منذ زمن بعيد، و بين الفينة و الاخرى يُسائلني يذكرني و يعاقبني… و قد يدخل في سبات لكن يستمر في إرسال إشارات أنه كائن في. و السبب الثاني يكمن في أنني أرغب في المساهمة في بناء صرح الأدب الأمازيغي الحديث، و في خلق تراكم مهم للنهوض باللغة الامازيغية.
أما في ما يخص القراء فإني أسعى دائما من خلال طريقة كتابتي أن يصل إبداعي إلى عدد كبير من القراء باختلاف مستوياتهم و أّذواقهم . أحاول دائما إقحام المتلقي في نصوصي ليساهم في خلق الأحداث كما اسافر به عبر طريقة الحكي و قوة الصورة إلى عوالم يعيش فيها تجربة اكتشاف الذات بتحفيز مشاعره.

يلقبك القراء بقباني الأمازيغي، فأغلب كتاباتك خاصة الشعرية منها محورها المرأة و موضوعها الغزل، لماذا اخترت أن تتميز في شعر الحب و الغزل؟

ربما رأى بعض القراء و النقاد أن هناك تشابه بين شعري وشعر نزار قباني فأطلقوا علي نزار الأمازيغ لكوني اكتب في موضوع المرأة و العشق والغزل، لكني أود ان أقول أن لكل شاعر خصوصياته، فنزار قباني الذي يعد من أكبر عمالقة الشعر العربي الحديث، له تجربتة الفريدة في الحياة و في الإبداع و تلقيبي بقباني الأمازيغي يمكن اعتباره اعترافا صريحا بجمالية شعري الذي يصل حين قراءتهم له إلى أعماق قلوبهم و يولد لديهم مشاعر مختلفة.

من المعروف أن الأدب لا يمكن أن ينفصل عن كاتبه بشكل مطلق، فهل لتجاربك الخاصة انعكاس على كتاباتك؟

أكيد، ليس هناك أدب في نظري منقطع عن التجربة الخاصة للكاتب، لكن ليس كل ما يبوح به الأديب هو من صميم تجربته الذاتية فقد يستلهم إبداعاته من تجارب الآخرين ما يمكن من استطلاع عوالم أخرى و استكشاف أعماقها.

في ديوانك الأخير “سا إكورا دار إليس ن تافوكت” « ⵙⴰ ⵉⴳⴳⵓⵔⴰ ⴷⴰⵔ ⵉⵍⵍⵉⵙ ⵏ ⵜⴰⴼⵓⴽⵜ» أُثارت الأبواب السبعة و ورود تنيرت في بعض الأبيات انتباه القراء و ذكرتهم بأسطورة حمو أونمير، فالشاعر في هذا الديوان هو حمو أونمير و محبوبته هي تنيرت، برأيك بماذا تخدم الأسطورة أو الأدب الشفوي عموما الأدب الحديث؟

حين كتبت هذا الديوان لم أكن أفكر في أسطورة حمو أونمير لأن الأبواب كانت في الأصل خمسة، فقررت إضافة بابين لتصبح سبعة لما يحمله هذا العدد من حمولة رمزية في ثقافتنا و كذا ثقافات العالم. لكن يمكنني القول أن هناك حضور لروح هذه الأسطورة الشفوية الأمازيغية في هذا الديوان. و مما لا شك فيه فإن توظيف الأدب الشفوي في الأدب المعاصر سيكون إغناء له، كما أن هذا التوظيف سيساهم في الحفاظ عليه و على سبيل الذكر نجد مثلا توظيفا للأمثال الشعبية عند محمد أكوناض، وفي إبداعات محمد اوسوس نجد توظيف العبارات المكسكوكة و كذا الحكايات القديمة… و تبقى الحكمة في كيفية توظيف هذا الأدب الشفوي للرقي بالأدب الحديث كي يؤدي رسالته السامية.

أنت من كتاب الرواية الأمازيغية أيضا، فهل برأيك يمكن أن نقول أن الرواية الأمازيغية بلغت مستوى و جودة الرواية في اللغات الأخرى؟

تعتبر الرواية من الأجناس الأإدبية الأساسية في الأدب الحديث و تكمن أهميتها في النهوض باللغة الأمازيغية وكذا بإحياء كلمات كانت في طريقها للإتقراض، و توظيف الكلمات المستحدثة، كما تكمن كذلك في خلق لغة أدبية فصية تحمل أبعادا جمالية عدة. و باعتبار الرواية الأمازيغية و ليدة الأمس لازالت في مرحلة وضع الأسس المثينة لبناء روائي جيد و هادف، فبالرغم من حداثتها، عرفت الرواية الأمازيغية تطورا ملموسا و كيف لا و نحن نرى اليوم تجارب رائدة وناجحة.

من من الأدباء يلهم أسلوبك الأدبي ؟

إن لتكويني في اللغة و الأدب الفرنسي دورا مهما في ثأتري بتجارب بعض الكتاب منهم كيوم أبولينير و روبير ديسنوص، إنني أومن أن الناس بالرغم من تباعدهم في الزمان و المكان قد يمرون بنفس التجارب، غير أن الفرق بينهم يكمن في أن بعضهم يستطيع تحويل تلك التجارب إلى إبداعات تجسدها بشكل فني.

هل لتمكنك في مجال اللسانيات الأمازيغية دور في نجاح إبداعاتك؟

ليس من المفروض على الكاتب أن يتمكن من اللسانيات لكي يبدع، أن يتمكن من اللغة كتركيب و معجم نعم، أما اللسانيات فهي علم قائم بذاته لا يدخل في علاقة جدلية مع النص الأدبي، لكن يمكن توظيفه في فهم النص الأدبي، هذا من الجانب النظري. أما في الواقع فإن الإطلاع على بعض العلوم كاللسانيات، السيميائية و الأسلوبية و غيرها قد يساعد في إبداع نصوص أدبية تحمل بناءا ذو معنى عميق و جمالية تعبيرية.

الإبداع في أي مجال يقيمه متلقيه و نقاده، لكن الإبداعات الأدبية الأمازيغية ما زالت تفتقر للقراءات النقدية، ما السبب في رأيك؟

لقد كان الهاجس الأول للكتاب الرواد هو ما أسموه بالإنتقال من الأدب الشفوي إلى المكتوب و خلق تراكم أدبي مهم. فمنذ بداية السبعينات عرف الأدب الأمازيغي المعاصر دينامية ازدادت قوتها في بداية الالفية الثالثة التي عرفت تحولات مهمة بخصوص الأمازيغية. اليوم بلغنا تراكما لا بأس به – وإن كان هناك تفاوت بين الأجناس بهيمنة النصوص الشعرية – لهذا أصبح من الضروري الشروع في النقد الأدبي. لقد حضرت شخصيا عدة لقاءات أدبية عبر فيها المبدعون على الحاجة الماسة إلى نقد أدبي بناء ليبرز خصائص هذا الأدب المعاصر. لكن لا يمكن أن ننكر أن هناك مساهمات نقدية قام بها مجموعة من الكتاب والمهتمين، و ستعرف السنوات المقبلة إصدار عدة مقالات نقدية مهمة من شأنها أن تؤنس لمدرسة نقدية رائدة في هذا المجال.

فزت بجائزة المغرب للكتاب لهذه السنة ضمن صنف الإبداع الأدبي الأمازيغي بديوان سا إكورا دار إليس ن تافوكت، ماذا تعني لك هذه الجائزة و ماذا تعني لك الجوائز و التكريمات؟

الفوز بجائزة المغرب للكتاب أعتبره تشريفا و تكريما لشخصي و اعترافا بالقيمة الأدبية لديواني الشعري كما أراه تشجيعا للمضي قدما في مسار الإبداع لإغناء الأدب الأمازيغي المعاصر والمساهمة في النهوض و التعريف به. ولست أكتب من أجل الجوائز و التكريمات بل للتعبير عن ذات مفكرة وعن ما يدور في دواخلي من أحاسيس و أفكار وأسئلة تؤرقني أحيانا و تدفعني لتجسيدها عبر الإبداع الأدبي.

في كلمة واحدة بماذا تعرف التالي:

  • الأمازيغية: الأم
  • الحب : الحياة
  • الأدب: الجمالية
  • عياد ألحيان: ⴰⵍⵉⵍⵉ الحر

ما هي المشاريع الأدبية المقبلة لعياد ألحيان؟

مستقبلا سأعمل على إصدار ديوانين و ربما قد أعتزل الشعر لكي اتفرغ للرواية، كما سأعمل على إصدار أبحاث مختلفة في الترجمة و الأدب.

كلمة أخيرة منك و نرجوا أن تكون عبارة عن أبيات شعرية.

Tayri inu
Tgit tacwwalt
G igr n twargiwin
Tḥṛct tgt tamazzalt
Tasit afulki ɣ tiddi
Ar tsiggilt ɣ igr ann
Imndi s ugudi
Fkn am s tumrt
Iswingimn tiwizi
Ad mggrn imadaɣn
S usmmawd n tɣufiwin.
sa iggura dar illis n tafukt

* خريجة معهد التطبيقات الخاص بأكادير- تخصص الصحافة، و طالبة باحثة- ماستر اللغة و الثقافة الأمازيغية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر

شاهد أيضاً

الحسن زهور: النقد الأمازيغي ما يزال في طور التأسيس ويأخذ طريقه نحو الإنتاج والكتابة

من الجنوب الشرقي للمملكة، إلى جامعة القاضي عياض بمراكش حيث نال شهادة الإجازة في الأدب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *