غدامس الأمازيغية مدينة “للتراث العربي” لعام 2016!!!

a
بقلم: شعبان يونس الثائب

  وسط جدل كبير ونقاش حاد على صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك بين مؤيد ومعارض تم  خلال الفترة الماضية اختيار مدينة غدامس الليبية كمدينة  للتراث العربي للعام 2016، بعد فوزها بالترتيب الأول في الاستفتاء الذي أجراه الاتحاد العربي للإعلاميين على موقعه الالكتروني والذي تنافست فيه العديد من المدن أبرزها صنعاء اليمنية والفسطاط المصرية وسمراء العراقية .

المؤيدون لهذا الاختيار يمكن تقسيمهم حسب رؤيتهم ونظرتهم لهذا الترشيح وحسب الغرض من مشاركتهم في الاستفتاء، فمنهم من شارك فيه وصوت لمدينة غدامس عن حسن نية باعتبار أنها مدينة ليبية، اجتمع  حولها كل الليبيين على مختلف أطيافهم  في وقت تمر فيه ليبيا بظروف صعبة والناس في أمس الحاجة لشئ يجمعهم ويوحد صفهم ويدخل البهجة والفرحة على قلوبهم، فوجدوا في هذا الترشيح ودعمهم له مبتغاهم وهؤلاء لهم عذرهم إلي حد ما، ومنهم من شارك عن جهل وعدم دراية وإلمام بأبسط أبجديات التاريخ والثقافة الليبية وهؤلاء لهم عذرهم أيضا ولو بدرجة أقل، أما الذين لا عذر لهم ويجب التصدي لهم والرد على تطاولهم  وتعديهم على التاريخ ومحاولتهم اللعب على الجغرافيا، فهم الذين شاركوا في الاستفتاء ودعموا الترشيح تحدياً في المعارضين أصلا للزج  بالمدينة في هذه المتاهة ومحاولة إلباسها ثوب غير ثوبها، رغم علمهم بأن ترشيحها ودعمها للحصول على هذا اللقب هو ترشيح مخالف للشروط، لأن وبكل بساطة ليست مدينة عربية ولا تراثها عربي، وأغلب هؤلاء من المحسوبين على النخبة المثقفة من الكتاب والمدونين والناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي، ومن المعارضين لكل ما هو أمازيغي، والرافضين للتعدد والتنوع الثقافي والمصرين على عروبة ليبيا وأنها ارض كل العرب وكل ما فيها وعلى أرضها قد أصبح عربي بالتقادم، الذين لازالوا متشبعين بالفكر الإقصائي الاستبدادي ومتشبثين بعقلية وترهات من  كان يرى أن شكسبير اسمه الصحيح هو الشيخ زبير، وأوباما هو بوعمامة، والأمازيغ هم عرب أقحاح سموا ب”البربر” لأن هجرتهم من  اليمن إلى شمال افريقيا كانت بالبر، ولهذا سموا ب’البر بر’، وأنهم قد انقرضوا منذ ألف وأربعمائة سنة ولم يعد لهم وجود سوى في كتب التاريخ، وحتى صفحتهم في هذه الكتب يجب أن تطوى إلى الأبد وأن أي أم ترضع ابنها الثقافة واللغة الأمازيغية هي في الواقع ترضعه السم الممزوج بالخيانة والعمالة والرجعية.

وباعتباري ضد هذه التوجهات وضد الإقصاء والتهميش ومن الطرف المعارض للزج بمدينة أمازيغية في مسابقة للمدن العربية، فإنني أراه أبعد ما يكون عن الصواب واستمراراً لمسلسل الاعتداء الممنهج على الثقافة الليبية الأصيلة ونسبتها لغير محيطها الذي يجب أن تكون فيه، واعتبره تشويه للتاريخ والجغرافيا وسرقة ثقافيه في وضح النهار وهي من أسوء أنواع السرقات .

فمدينة غدامس  لمن لا يعرفها هي مدينة ليبية قديمه قدم التاريخ ووجودها سبق وصول العرب إليها .. وثقافتها وهويتها ليبية أصيلة مستمدة من هذه الأرض الطيبة، وليست قادمة إليها من الخارج وجذورها راسخة فيها، وتراثها الغني والمتنوع لا يقبل إلا أن يبقى كما هو تراث ليبي متميز، لا ينتسب ولا ينسب إلا لليبيا ، وهو مختلف اختلافاً كلياً وكبيراً عن التراث العربي سوى من ناحية مفرداته أو من ناحية لغة هذه المفردات، وسكانها هم أمازيغ تعود أصولهم إلى قبيلتي وازيت ووليد المنحدرتان من قبائل زناتة الأمازيغية ولسان أغلبهم لازال أمازيغي، وجغرافية المدينة وتاريخها تؤكد هذه الحقيقة وإنكارها من البعض لا يعني عدم وجودها، وأهل غدامس من أكثر المجتمعات الأمازيغية محافظة على عادتهم وتقاليدهم التي لا زالت تمارس في جميع أمور حياتهم وتعاملاتهم اليومية ولم تتأثر كثيرا بالحياة العصرية، وكل من لديه شك في هذا الكلام عليه القيام بجولة في شوارعها التي سيجد أن جميعها تقريبا تحمل أسماء أمازيغية، والتأمل في عادات وتقاليد وأزياء ناسها المختلفة تماما عن العادات والتقاليد والأزياء القادمة إلينا من الخارج، وأعتقد أننا وفي هذا الوقت أصبحنا في أمس الحاجة لإعادة الاعتبار لثقافتنا والعودة لهويتنا التي هي أعرق وأقدم وأكثر تنوعا من الثقافات التي يحاول البعض الانتساب إليها، على حساب ثقافته وهويته الأصلية .

ختاما .. وكمتابع للشأن الأمازيغي ومهتم بتراثنا الغني والمتنوع، أدعوا جميع المهتمين من الأفراد والمنظمات الرسمية والغير رسمية إلى ضرورة التحرك لحماية ما تبقى من الثقافة الأمازيغية بمختلف جوانبها من الطمس والسرقة والتزوير، ودعوتي هذه ليست  تحاملا على الثقافة العربية أو أنني ضد التراث العربي الذي أحترمه وأقدره كتراث إنساني بقدر ما هو دعوة للمتحمسين لهذا الترشيح من أبناء وطني وشركائي فيه وللمنظمين لهذا الاستفتاء والمشرفين عليه من الاتحاد العربي للإعلامين  لمراجعة أنفسهم،  ورجاء لي منهم بأن يحترموا ثقافات غيرهم والتوقف على نسبة ما ليس لهم إليهم، وكما أن اختيار مدينة غدامس الأمازيغية كمدينة للتراث العربي لعام 2016 هو إساءة للمدن التاريخية العربية العريقة أكثر مما هو إساءة لمدينة غدامس، فان نسبة ما ليس لهم إليهم هو إساءة لهم قبل غيرهم .

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *