غياب الأمازيغية في الأجهزة الإدارية والتربوية.. واستمرار سياسة “عين ميكة” من طرف الحكومة الحالية

بقلم: سليمان العبدلاوي*

إن المتتبع للشأن الأمازيغي أو بالأحرى القضية الأمازيغية في شقها اللغوي في مراكش “المغرب”، سيسجل غيابا ممنهجا للغة الأمازيغية من داخل الأجهزة الإدارية والتربوية للدولة. وعموما، يبقى حضور اللغة الأمازيغية، خاصة في المجال التربوي، ضئيلا جدا رغم أن دستور 2011 ينص وبالحرف على أن الأمازيغية رصيد مشترك لكل المغاربة بدون استثناء على اعتبار أنهم أمازيغ يسكنون أرضا أمازيغية.

إن الوثيقة الدستورية “الممنوحة” هي التي تعطي الطابع القانوني للحكومة من أجل الشروع في العمل على جعل الأمازيغية لغة رسمية للشعب المغربي . ومن حق هذا الشعب أن يتعلم ويدرس بلغته الأم ” اللغة الأمازيغية ” ، حتى يتسنى لنا أن نتجاوز ذالك الشرخ اللغوي والإقصاء الممنهج في فترة ما قبل 2011 والذي مازال مستمرا إلى حدود الأن.

إن الحكومة الحالية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية في شخص سعدالدين العثماني كرئيس لها . هذه الحكومة مطالبة بالعمل على جعل اللغة الأمازيغية مادة أساسية في المدارس حتى يتسنى للطفل المغربي أن يدرس لغته الأم كما يدرس الطفل الإنجليزي باللغة الإنجليزية ، والطفل الفرنسي باللغة الفرنسية ، والطفل الإسباني باللغة الإسبانية الخ . فتكون بذالك قد ساهمت بدورها في ترسيخ ضرورة وأهمية اللغة الأم كمدخل ومعيار حيوي وأساسي للمصالحة مع الذات ” الهوية الأمازيغية ” وبناء عهد جديد يكون فيه الشعب المغربي الأمازيغي شعب بهويته الحقيقية ولغته الأم كباقي الشعوب الأخرى . إلا أن ما يحدث في المدارس العمومية ” خاصة بالدريوش ” من خرق سافر للوثيقة الدستورية وذالك بإرغام أساتذة اللغة الأمازيغية القيام بتدريس مواد أخرى وضرب الأمازيغية عرض الحائط ، هو فعل لا تربوي من الدرجة الأولى كما أنه سلب للطفل المغربي حق من الحقوق ألا وهو تعلم اللغة الأمازيغية. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن عقلية القطيعة مع كل ما هو أمازيغي ما زالت مستمرة بمباركة الحكومة الحالية . بالإضافة إلى ذالك ،إن الأخطاء الفادحة في الكتابة باللغة الأمازيغية ” تيفيناغ ” على اللافتات التربوية للمؤسسات التعليمية ، يدعو للشك والقلق على الوضع الحالي للأمازيغية ومستقبلها . خاصة استمرار الحكومة والوزارات الوصية على هذا القطاع في نهج سياسية ” عين ميكة ” على هذه الخروقات .

إن اللغة الرسمية لكل بلد تتجسد في الواقع المعاش، بين أفراد المجتمع في تواصلهم اليومي ، فإذا ذهبنا إلى فرنسا على سبيل المثال( أو أي دولة أخرى )؛ سنجد اللغة الفرنسية في التعليم والصحة، والطرقات ” علامات التشوير الطرقي “، والمؤسسات البنكية، والإدارة العمومية، والوثائق الرسمية ، والبلاغات ، والإعلانات التجارية ، … الخ وهذا ينطبق ، منطقيا ، على جميع بلدان العالم . في المغرب فقط تجد اللغة العربية والفرنسية في جميع مجالات الحياة اليومية لأفراد المجتمع في علاقتهم بالجهاز الإداري والتربوي للدولة . وعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ لا زالت الوثائق الإدارية ” الحالة المدنية ، الشهادات الشخصية للأفراد ، بطاقة التعريف الوطنية ، الشهادات المدرسية والجامعية ، وكذالك مطالبة معتقلي حراك الريف بالتحدث باللغة العربية من داخل المحاكم…” تحرر باللغة العربية والفرنسية فقط في غياب فضيع للغة الأمازيغية رغم كل ما يصفونه (بالمجهودات الجبارة ) من أجل النهوض باللغة الأمازيغية ، وهنا قد يتساءل متسائل عن هذه الوضعية التي ، أكيد ، أفرزها دستور 2011 ؛ هل هي استراتيجية ممنهجة من أجل الترويج لوهم المصالحة مع الذات والهوية أم هي ورقة مخزنية ” رابح – رابح ” من أجل امتصاص غضب الشارع وترويج أكذوبة ” ها حنا غاديين شويا بشويا ” من أجل التعجيل بموت الأمازيغية ؟

إن المنطق يستدعي من الحكومة الحالية العمل على تعميم اللغة الأمازيغية في جميع المجالات من داخل البلد كما هو الحال مع العربية والفرنسية ” التعليم ، الصحة ، الأجهزة الإدارية، الإعلام، الحياة العامة للشعب الأمازيغي ” . ذالك أن اللغة هي الضامن الجوهري والأساسي لاستمرارية هوية الجماعية ، كما أن اللغة هي التي تعبر عن التمايز الثقافي والخصوصيات التي يتفرد بها كل شعب ما . إن التعليم هو الذي يضمن ويسهل عملية تلقين الأطفال المغاربة اللغة الأمازيغية وإعادة بث الروح في الهوية الوطنية للشعب المراكشي ” المغربي” وضمان استمراريتها المستديمة ونقلها إلى الأجيال اللاحقة . وقد ذكر عبدالسلام الخلفي في كتابه ” اللغة الأم وسلطة المأسسة . مبحث في الوضعية اللغوية والثقافية بالمغرب ” ( فإن المدرسة تحولت إلى جهاز للقمع الرمزي ، وللقطيعة الجذرية مع الهوية العميقة للمغاربيين ، وبذالك تحولت العلاقة التكاملية التي تجمع بين اللغتين إلى علاقة “صراع” مصطنع ووجودي تُذبح فيه الأمازيغية قربانا على باب هيكل ” القومية العربية “… وقد وجد الطفل الأمازيغي نفسه ، نتيجة لهذه السياسة اللسانية اليعقوبية ، مقذوفا به في متاهات البحث عن هوية أخرى).

إن “الجهود المبذولة” من طرف الحكومة المغربية لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب الأمازيغي الذي يسعى إلى تكريس تصالح حقيقي مع ذاته وهويته وذالك ما عبر عنه الأمازيغ في أشكال نضالية تاريخية توجت بانتشار واسع للوعي بالقضية الأمازيغية في شقها اللغوي والهوياتي والتاريخي . إذا هي فرصة حقيقية لا تعوض، تُمنح للحكومة من أجل المبادرة للوقوف إلى جانب الشعب وتجسيد مبدأ ” الحكومة في خدمة الشعب ” وكذا الإستفادة من أخطاء الماضي الذي نهج سياسة القطيعة مع الهوية الأمازيغية واستيراد ما يسمى “بالهوية العربية ” التي لا تمث الشعب المغربي بأي صلة لا تاريخيا ولا جغرافيا ولا هوياتيا…

*طالب باحث بجامعة محمد الأول بوجدة

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

تعليق واحد

  1. مغناطيس الثراء

    ‏اللغة الأمازيغية تجسّد العقل والفكر والروح وتاريخ الأمازيغية. إهمال اللغة والثقافة الأمازيغية والإنسان الأمازيغي إهانة للعقل الأمازيغي وظلم.
    ‏إضافة الى هذا أنا أرى بأن إهمال اللغة الأمازيغية وإتلاف كلماتها والصيام عن الكتابة بها ومواصلة غيابها في الأجهزة التربوية والإدارية هي جرائم يرتكبها الناطقون بالأمازيغية بشراكة مع الحكومة أو الدولة بصفة عامة.

    تحياتي صديقي سليمان. واصل الكتابة بالتوفيق لك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *