تزامنا مع الزيارة الرسمية التي يقوم بها رئيس الحكومة المغربية؛ عزيز أخنوش، إلى المملكة العربية السعودية. أصدر مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية “فتوى” يؤكد فيها أن “اللغة الأمازيغية التاريخية، هي لغة قديمة تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد”.
وأوضح المركز الذي يضم عددا من الباحثين والأكاديميين المختصين في اللغات، في الفتوى (765)، ردّا على سؤال “هل الأمازيغية لغة أم لهجة؟” أن “اللهجات الأمازيغية المَحكية اليوم في المغرب والجزائر وليبيا وتونس.. تفرعت عن اللغة الأمازيغية القديمة كما تفرعت اللهجات العربية المختلفة عن اللغة العربية الفصحى.
وقالت ذات “الفتوى” أن اللغة الأمازيغية هي لغة مثلها مثل اللغات الأخرى. وأكدت على أن الأمازيغية هو الاسم التاريخي والصحيح للغة “البربرية”.
و”يُسمَّى المتحدثون بالأمازيغية: الأمازيغ. والأمازيغُ: هم القوم المسمَّى خطأ “بالبربر”. و”يتأذَّى معظم الأمازيغ من تسميتهم بالبربر، وهو الاسم الذي أطلقه الرومان عليهم وورثه العرب، ويحبون أن يُدعوا: أمازيغ! وعليه فالواجب الشرعي يقتضي إهمال اسم (البربر) وعدم استعماله اقتداءً بما رواه الطبراني وأبو يعلى عن حنظلة – رضي الله عنه – (أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يُعجِبُه أن يُدعَى الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كُناه)”. يورد ذات المصدر.
وتساءل مهتمون عما إذا كان هذا الاعتراف والتعريف بأمازيغية شمال إفريقيا، صدفة، خاصة وأنه يتزامن مع زيارة رئيس الحكومة عزيز أخنوش الأمازيغي إلى المملكة السعودية!؟
في ما يلي نص “الفتوى”:
الفتوى (765): هل الأمازيغية لغة أم لهجة؟
هل الأمازيغية لغة أم لهجة؟
الفتوى (765):
يُطلَق اسم الأمازيغية اليوم للدلالة على شيئين متداخلين، هما:
1. اللغة الأمازيغية التاريخية: وهي لغة قديمة تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
2. اللهجات الأمازيغية المَحكية اليوم في المغرب والجزائر وليبيا وتونس، وقد تفرعت هذه اللهجات عن اللغة الأمازيغية القديمة كما تفرعت اللهجات العربية المختلفة عن اللغة العربية الفصحى.
إذن: اللغة الأمازيغية هي لغة مثلها مثل اللغات الأخرى. تنتمي اللغة الأمازيغية إلى أسرة اللغات الجزيرية (الحامية السامية/الأفروآسوية). تتكون أسرة (اللغات الجزيرية)، في الحقيقة، من أسرتين رئيستين:
1. أسرة اللغات الجزيرية الشرقية:
تتكون أسرة اللغات الجزيرية الشرقية من اللغات التالية: اللغة العربية البائدة (لغة جنوب الجزيرة العربية أو العربية الجنوبية، بالإضافة إلى الثمودية واللحيانية والصفوية) واللغة العربية الفصحى (أو العربية الشمالية -عربيتنا) واللغة الحبشية (الجعزية والأمهرية)، ومن الأكادية بلهجتيها البابلية والآشورية، ومن اللغات الأوغاريتية والآرامية واللغات الكنعانية (الفينيقية والمؤابية والعبرية) وكذلك الإبلية (على اختلاف بين علماء اللغات الجزيرية في تصنيفها). وهنالك لهجات كثيرة تفرعت عن اللغات الجزيرية المذكورة أعلاه.
2. أسرة اللغات الجزيرية الغربية:
تتكون أسرة اللغات الجزيرية الغربية من المصرية القديمة و(بنتها) القبطية، ومن اللغة الأمازيغية واللغة الكوشية (لغة محكية في مناطق في تشاد ومالي وما إليهما) وبعض اللهجات الأخرى.
وتتوزع اللغة الأمازيغية اليوم على اللهجات التالية:
• الجزائر: “الأمازيغية”، ويُتحدَّث بها في مناطق كثيرة في الجزائر. ومن أشهرها اللهجة الزّْواوِيَّة المحكية في منطقة تِيزِي وِزُّو التي شهدت نشاطًا حركيًّا كبيرًا لإحيائها.
• الصحراء : القبائلية، ويتحدث بها قبائل الطوارق المنتشرين في الصحراء ما بين المغرب والجزائر.
• المغرب: السوسية (تَسُوسِيت)، ويُتحدَّث بها في جنوب المغرب. الشِّلحة (تَشِلْحِيت)، ويُتحدَّث بها في جبال الأطلس. الريفية (تَرِيفِيت): ويُتحدث بها في شمال المغرب.
وثمة لهجات وأشكال لغوية أمازيغية مستعملة في تونس وليبيا بحاجة إلى درس لتحديد ماهيتها اللغوية بالضبط.
وفي الحقيقة لكلٍّ مِن هذه اللهجات اسم خاص بها (مثلاً: تريفيت للهجة الريفية)، إلا أن إطلاق اسم الأمازيغية على اللهجات أيضًا أوقع الناس في اللبس؛ لأن اللغة الأمازيغية بمثابة اللغة الأم التي عنها تفرعت اللهجات الأمازيغية المختلفة، ومنها لهجة (تريفيت) على سبيل المثال.
والقرابة اللغوية بين أسرتي اللغات الجزيرية الشرقية والغربية ثابتة علميـًّا، إلا أنها دون القرابة بين أسرة اللغات الجزيرية الشرقية فيما بينهما نسبةً، ذلك أن الجذور اللغوية للغات الجزيرية الشرقية ثلاثية (مثلاً: /أمن/) بينما هي ثنائية في اللغات الجزيرية الغربية (مثلاً /من/). ولرؤية القرابة بين الفرعين بالعين المجردة، خصوصًا لغير المتخصص، لا بد من رد الجذور الثلاثية إلى جذور ثنائية كما نلاحظ ذلك، على سبيل المثال، في الجذر الجزيري الشرقي (ورخ) الذي يقابله الجذر الجزيري الغربي (ور).
وبتطبيق هذا المنهج، أي رد الجذر الثلاثي إلى جذر ثنائي، على كلمة /أيور/ التي تعني بالأمازيغية “هلال”، نلاحظ أن هذه الكلمة الثنائية الأصل مشتقة من الجذر الجزيري الغربي الثنائي /ور/ الذي يجانسه في اللغات الجزيرية الشرقية تأثيليًّا الجذر الأصلي /ور/ الذي ثُلِّثَ بإضافة الخاء إليه ليصبح /وَرْ(خٌ)/. وهذا الأخير هو اسم “القمر” و”الشهر” في اللغة الجزيرية الأم كما هو معروف. والهلال منزلة من منازل القمر. إذن ولّد الجذر الجزيري الأصلي /ور/ في اللغات الجزيرية الغربية كلمات عديدة تدل كلها على معاني “القمر” و”الشهر” و”التاريخ”، وهذه كلها معانٍ متقاربة متصلة ببعضها اتصالاً منطقيًّا؛ لأن القوم كانوا يؤرخون على منازل القمر، فالتأريخ كان ولا يزال عند خلفهم على منازل القمر، والقمر هو “الشهر”؛ لأن دورته تكون في شهر واحد، و”التأريخ” محسوب عليهما. (قارن الأكادية /وَرْخُ/ وكذلك /أَرْخُ/ “قمر، شهر”؛ الحبشية /وَرْخ/ “قمر، شهر”؛ الأوغاريتية /يَرْخ/ “قمر، شهر”؛ العبرية: ירח = /يَرَح/ “قمر، شهر”؛ الفينيقية: /يَرَح/ “شهر” وأخيرًا السريانية: ܝܪܚܐ = /يَرحا/”شهر”).
وبالنظر إلى هذه الأمثلة نرى أن الواو الجزيرية الأصلية بقيت في الأكادية والعربية والحبشية /واو/، بينما أصبحت في العبرية والأوغاريتية والفينيقية والسريانية /ياء/. وهذه قاعدة مطردة؛ لأنها قانون صوتي مطرد أيضًا، إلا أن عجيب الاتفاق وقع بين العربية والأكادية (2900 قبل الميلاد)؛ حيث انقلبت الواو فيهما أيضًا ألفًا: /وَرَّخَ/ و/أرَّخَ/ في العربية، و/وَرْخُ/ و/أَرْخُ/ في الأكادية. وهذا كثير في اللغتين ومثله في العربية: /وَلَّف/ وهو الأصل و/أَلَّف/. وإذا أمعنا النظر في الجذر /ور/ وتأملنا فيه أكثر واسترسلنا في التأمل آخِذِين بعين الاعتبار القاعدة التأثيلية المطردة، وهي أن الجذور الجزيرية كانت ثنائية البناء ثم أُضيف إليها حرف ثالث لتحديد المعنى وتدقيقه، فإن النظر والتأمل يفضيان بنا إلى اكتشاف وجود جذور أخرى مشتقة منه تدل كلها على ألفاظ ومعان متقاربة مثل: 1. /ور/ + /أ/ = /أور/ وهو “النور/النار”، وكذلك “ضوء النهار” في اللغات الجزيرية، ومنه في العربية “أُوار” في قولنا: “أذكى أوار النقاش”، أي قدح زنده وألهبه حدة، و/أَوَّرَ/ “أشعل”… إلخ؛ ومنه في اللغات الجزيرية: (الأكادية: /أُورُ/ “نور، نهار”؛ الأوغاريتية: /أُور/ “نور، نهار”؛ الآرامية: ܐܘܪܐ = /أُورا/ وكذلك العبرية: אור = /أُور/ “نور، نهار”). و2. /ور/ + /ن/ = /نُور/ .. والقائمة طويلة فنكتفي بهذا القدر.
أقول قولي هذا وأذكر بأن الأمازيغية هو الاسم التاريخي والصحيح للغة البربرية. ويُسمَّى المتحدثون بالأمازيغية: الأمازيغ. والأمازيغُ: هم القوم المسمَّى خطأ بالبربر. ويتأذَّى معظم الأمازيغ من تسميتهم بالبربر، وهو الاسم الذي أطلقه الرومان عليهم وورثه العرب، ويحبون أن يُدعوا: أمازيغ! وعليه فالواجب الشرعي يقتضي إهمال اسم (البربر) وعدم استعماله اقتداءً بما رواه الطبراني وأبو يعلى عن حنظلة – رضي الله عنه – (أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يُعجِبُه أن يُدعَى الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كُناه).
ويُطلَق اسم الأمازيغية أيضًا على اللغة المعيارية التي وضعَ أسسَها المعهدُ الملكي للثقافة الأمازيغية في الرباط، المغرب، حيث يجتهد العاملون فيه لتطوير لغة أمازيغية معيارية مكوَّنة من اللهجات الأمازيغية الخالصة وترجمة النصوص الدينية (ومنها القرآن الكريم) والأدبية إليها لخلق سجل خطابي أدبي فيها يُعمَّم على المدارس وفي وسائل الإعلام.
اللجنة المعنية بالفتوى:
المجيب:
أ.د. عبدالرحمن السليمان
(عضو المجمع)
راجعه:
أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)
رئيس اللجنة:
أ.د. عبد العزيز بن علي الحربي
(رئيس المجمع