بإمكانات ذاتية، وطموح يعانق السماء، تحاول الشابة المغربية فتيحة آيت الزويت بعث حياة جديدة في زي “تَاحْرُويْت” الأمازيغي، والتعريف به بوصفه إبداعا تراثيا يعكس الحس الفني والجمالي الذي يميز نساء الواحات.
و”تاحرويت” لباس أمازيغي خاص بمنطقة الجنوب الشرقي للمملكة، وهو عبارة عن ثوب أسود اللون مطرز بزخارف ورموز بألوان متنوعة، ترمز إلى الهوية الثقافية لنساء الواحات.
تقول فتيحة للجزيرة نت إن تاحرويت ليس مجرد لباس فقط، بل هو لوحة فنية تبدعها أيدي نساء المنطقة، ويودعن فيها ذاكرتهن وهويتهن وانتماءهن.
ومن الرموز التي تزين تاحرويت “تازرزيت” أي الخلالة، وهي قطعة من الحلي ذات رمزية في التراث الأمازيغي، والخميسة أي يد فاطمة، وحرف “ياز” (حرف الزاي باللغة العربية)، الذي يرمز لأبجدية تيفيناغ، إضافة إلى نقوش وزخارف أخرى جعلت من الرمز محورها الفني، حيث تتناغم الألوان والخطوط والأشكال الهندسية داخل نسق متوازن.
نساء السجاد
بدأت علاقة فتيحة بالصناعة التقليدية عندما شاهدت فيلما وثائقيا عن “نساء السجاد”، وهن يقضين أسابيع وشهورا في صناعة الزرابي، فيأخذها منهن وسطاء بأثمان لا تليق بجهدهن وعرقهن وإبداعهن.
اختارت ابنة الصويرة دخول أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، لتسير على ركب نساء السجاد وتقوي مهارات أمثالهن في كل ربوع البلاد، وخلال ثلاث سنوات من التعليم الأكاديمي والعملي على يد أمهر الحرفيين في شعبة النسيج، أتيحت لفتيحة فرصة اكتشاف عوالم الصناعة التقليدية عن كثب باحتكاكها المباشر بنساء حرفيات في قرى الأطلس المتوسط والكبير.
رسائل مشفرة
في سنة التخرج، زارت هذه الأمازيغية المنحدرة من قبيلة حاحا (وسط غرب) قصر الخربات بنواحي الراشيدية (الجنوب الشرقي)، وهناك اكتشفت تاحرويت في ورشة تختص في التطريز الأمازيغي، حيث عشقت هذا الزي وما يحيل إليه من معان ورسائل، فتولدت في ذهنها فكرة نقل تلك الرسائل المشفرة عبر تصاميم تقليدية أخرى.
تتذكر فتيحة أن سائحة زارت المنطقة للمرة الثانية، واستغربت عرض المنتجات التقليدية نفسها التي وجدتها في زيارتها السابقة، فزاد يقينها بأن التراث ليعيش وينتشر ويستمر في جذب الناس، ينبغي أن يتجدد دون أن يفقد روحه.
وهكذا أشرفت فتيحة خلال مقامها في الجنوب الشرقي على تعليم النساء المحليات من أجل تجويد عملهن وصناعة منتجات تستلهم من تاحرويت أفكارا لتصاميم جديدة ومبتكرة تغري السياح والزبائن.
تصاميم تراثية
وثقت فتيحة بحلمها، وتمسكت به أكثر بعد التخرج، يحدوها إصرار وعزم كبيران لتحقيقه، وسكنتها روح تاحرويت؛ فأطلقت هذا الاسم على مشروعها، في محاولة منها لبعث روح جديدة في لباس نساء الواحات، والحفاظ عليه باعتباره مرآة للهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، ونقل هذه الثقافة للجميع.
وبدأت الخطوات الأولى لمشروعها في الدار البيضاء، بإمكانات بسيطة، وبالعمل داخل البيوت، فعملت على تصاميم جديدة مستلهمة من إرث المنطقة وتاريخها ومن الرموز والزخارف التي تميز تاحرويت، فصنعت حقائب ووسائد وفواصل كتب ولوحات حائط وغيرها.
تعاونت فتيحة في تنفيذ مشروعها مع ربات بيوت يشتغلن في التطريز، وأشرفت على تدريبهن وتحفيزهن لتنفيذ التصاميم الجديدة.
خديجة واحدة من هؤلاء النساء، وتقول للجزيرة نت إنها تمتهن التطريز منذ سنوات بأنواعه الرباطي والفاسي، بعدما تعلمته ممن سبقوها في هذه الحرفة، لكنها اليوم أضافت لمهاراتها تطريزات أمازيغية وتصاميم لم تعمل عليها سابقا.
وانغمست خديجة في المشروع الجديد بكل جهدها وقوتها، وآمنت بأن التجديد والابتكار في العمل سينعكس عليها بالنفع، وسيزيد مداخيلها وارتباطها بهذه المهنة.
تكوين النساء
وتقوم فتيحة آيت الزويت بتسويق منتجات “تاحرويت” في معارض الصناعة التقليدية بمختلف المدن، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبفضل الأخيرة تقول الشابة “وصلنا إلى زبائن كثر من مختلف مناطق المملكة، وأصبح اسم “تاحرويت” رائجا من خلال تصاميمنا”.
وإضافة إلى التعريف بهذا الموروث الثقافي الأمازيغي وجعله في متناول جميع المهتمين بالصناعة التقليدية، تعمل هذه الشابة على خلق أثر اجتماعي لمشروعها، لذلك تواصل تكوين النساء ودفعهن للإبداع والابتكار في عملهن، وعدم الاكتفاء بما تعلمنه من تقنيات وتصاميم الأمهات والجدات.
وبخطى حثيثة، تمضي فتيحة وفريقها نحو تطوير مشروعها وتوسيعه، وهدفها التالي الاشتغال على الديكور الداخلي للمنازل، وذلك من خلال إبداع تصاميم جديدة توظف زخارف تاحرويت في صناعة كل ما يحتاجه البيت المغربي، سواء تعلق الأمر بمنتجات مطرزة أو الخشب أو الزليج.
المصدر : الجزيرة