فرنسا تحاول استعمار ليبيا من جديد..

بقلم: أحمد الدغرني

جمعت رئاسة الجمهورية الفرنسية مؤتمرا حول ليبيا في باريس، يوم 29 ماي 2018، حول ماسمته بمحاولة إيجاد مخرج للأزمة السياسية التي حصلت في ليبيا منذ سنة 2011، أي بعدسقوط نظام معمر القذافي، حضره فايز السراج الذي يلقب برئيس الوزراء، والضابط العسكري خليفة حفتر، وأكويلا صالح الذي يسمي نفسه رئيس البرلمان، الذي يعيش في طبرق، وخالد المشري الذي يرأس مايسمى بمجلس الدولة، وبحضور مندوب الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، بحضور حوالي عشرين شخصا مدعوين من طرف فرنسا، من بينهم بوريطة عن المغرب، وأحمد أويحيا عن الجزائر.

وهذا الإجتماع لم يسفر عن نتائج ملموسة، واكتفت فرنسا بإذاعة ما سمته “communiqué politique” لم يوقعه المشاركون في ذلك اللقاء، وبذلك فهو بلاغ غير ملزم للحاضرين، ولكنه مع ذلك يستحق الإنتباه، والدراسة لمعرفة أبعاده السياسية الخطيرة على شمال افريقيا والساحل، ونختصر ملابساته في أمور هامة نذكرها كما يلي:

أولا: أنه وقع في بلاد فرنسا، وبمبادرة منها، في ظرفية متابعة رئيس الجمهوريةالفرنسية السابق ساركوزي من طرف القضاء بأنه تلقى مبالغ مالية ضخمة من معمر الكدافي،تبلغ قيمتهاحوالي 55000000 أورو، كمقابل لدعم حملته الإنتخابية لرئاسة الجمهورية الفرنسية، وإطلاق سراح أحد أقارب القذافي المسجون بفرنسا حينئذ بسبب إسقاط طائرة، وحصول القذافي على استقباله بفرنسا استقبال الأباطرة العظام، وبناء خيمته قرب La TourEiffel بباريس لتهديد معارضيه السياسيين المنفيين الى فرنسا…..وكان من المفروض أن تلتزم فرنسا برد هذه الأموال الى الشعب الليبي، خاصة بعدما صرح كثير من المقربين من معمر القذافي أن المبالغ نقلت في حقائب نقدا الى رئيس الجمهورية السابق، وحتى لا تعتبر ليبيا المستقبل موردا لتمويل انتخابات رؤساء فرنسا مستقبلا..

ثانيا: إن العشرين شخصا الذين استدعتهم فرنسا للمؤتمر وسمُّوهم “شهود” لم يتم اختيارهم من طرف الشعب الليبي، ولم تعلن لائحتهم الكاملة بواسطة وسائل الإعلام، وحتى يتأكد الليبيون وأصدقاؤهم الحقيقيون من كونهم ليسوا مجرد عملاء لفرنسا وجواسيسهم بشمال افريقيا والساحل..

ثالثا: إن الشخصيات الأربعة (السراج، وخفتر، وكويلا، والمشري) لايمثلون وحدهم القوى الحقيقية في الساحة الليبية الداخلية، وتريد فرنسا أن تحصر التمثيلية في هؤلاء، ليصبحوا كما فعلت في مالي، وأزاواد، وبوركينافاسو، وكثيرا من الدول الإفريقية التي تحتلها بقواتها المسلحة..

رابعا: إن المؤتمر انعقد من أجل مصالح فرنسا، وليس من أجل الشعب الليبي، ومصلحتها الأساسية تتجلى صراحة في ما أكده الرئيس Macron وهو حصر تمثيلية الشعب الليبي في هؤلاء الأربعة، قصد الاعتماد عليهم في المستقبل بعد إجراء انتخابات مفبركة في دجنبر 2018 تجري بدون أحزاب، وبدون دستور متوافق عليه…

خامسا: إن الأزمة السياسية في ليبيا هي أزمة التمثيلية التي كانت قد نشأت من منع وجود الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية في عهد الديكتاتورية، وحاول الليبيون منذ سنة 2011 صياغة نظام تمثيلية سياسية جديدة في المرحلة الانتقالية تنبني على ركيزتين:

1- تمثيلية الجهات، وتمثيلية مكونات التعددية الشعبية مثل مجلس التوبو، ومجلس الأمازيغ، ومجلس الطوارق، والطوائف الدينية كالإباضيين، وتنظيمات الإسلام السياسي المعتدل والمتطرف، وهذا النوع يمثل جذور الشعب وعقائده، ولم تعتبره فرنسا التي استدعت ممثلي المكون القومي العربي المدعوم خاصة من عسكر مصر وبعض دول الخليج، وأتباع المذهب السني وحده، ممايجعل، مؤتمرها بعيدا عن الواقع الشعبي في ليبيا.

2- الأحزاب: وقد تأسس في ليبيا حوالي 130حزبا سياسيا، لم تعمل الدول التي تدعي أنها ديموقراطية على تنمية التعدد الحزبي، وهي في نظامها السياسي تعتمد على الأحزاب وتنمي في ليبيا تمثيلية مخالفة للنظام الديموقراطي في دول الإتحاد الأوربي، وتحاول فرض اتفاق الصخيرات الذي لم يشارك فيه الأمازيغ، والإباضيين، والتوبو، والطوارق، والتنظيمات الإسلامية المتطرفة…وبالتالي يظهر أن فرنسا لاتعترف الا بهؤلاء الذين جمعتهم، وانتهت بالفشل.

سادسا: إن ليبيا تعرف حاليا أنظمة داخلية متقدمة عن جميع أقاليم شمال افريقيا والساحل، من ناحية تطبيق نوع من الحكم الديموقراطي المحلي القوي لدى أمازيغ ليبيا خاصة في زوارا، ونفوسة، وجادو وغيرها، ويوجد بها حكم ذاتي للتوبو، والطوارق، وتوجد أحلاف وجبهات بين الإسلاميين وغيرهم، وليس هناك غلبة وقهر عنصري متمكن، وهناك تسيير شعبي لثروة البترول التي لم تسيطر عليها دولة مركزية وحدها، وتوجد ممارسة الإسلام الإباضي والمذاهب الأخرى، وهي نموذج يستعصي على هيمنة الدول الأجنبية، ولا يقبل سيطرة مركزية داخلية لعملاء الشرق والغرب، وتحاول فرنسا وعملاؤها افشال هذه التجربة.

وعلى شباب شمال افريقيا والساحل أن يستوعبوا تجربة ليبيا الجديدة وهي بلد يفرض فيها الشعب ارادته بتجربة قوية لاتقهر، استمرت بدون ضحايا كثيرين منذ سنة 2011.

الرباط: 30 ماي 2018

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *