فريد آيت لحسن.. رحيل “شاشا”.. الحالم الريفي الشجاع يعود لبلاد الريف

   13579020_1022849104495891_2132842619_n

كتب الكاتب الداغستاني المشهور رسول حمزاتوف عند مدخل بيته الكلمة التالية: ” أيها المسافر إذا لم تدخل بيتي الذي تمر عليه في طريقك فليسقط الثلج والرعد على رأسك“، وفي حالة صديقنا شاشا فقد انطبع على سلوك مغاير تماما، مفاده : ”أيها الريفي الحر إذا مررت على أمستردام ولم تمر على بيتي فلن أسامحك”.

البارحة صباحا، كنت عند شاشا رفقة الصديق جمال الكتابي، لقاء مؤثر وصادم ذكرني بشريط من زيارات مماثلة كان أبطالها ريفيين من نوع خاص، أواخر أكتوبر من سنة 2003، كنت رفقة سيدة فاضلة من عائلة الرئيس في زيارة خاطفة للكاتب الريفي محمد شكري الذي كان يرقد بإحدى مصحات المغرب النافع يصارع المرض اللعين، وبعد ثلاثة سنوات وبالضبط ماي 2006 كنا رفقة العقيد الهاشمي الطود وصديقين آخرين في زيارة عند الدكتور عمر الخطابي وهو يصارع المرض، ترى لماذا يرحل من نعزهم؟!

في حوار مطول وللأسف لم يكتمل، لي مع العزيز شاشا يقول “… في راس الماء، نواحي الناظور، وفي 15 غشت 1955 تركت رحم أمي مهاجرا إلى هذا العالم، ترعرعت بين أحضان أسرة فقيرة. من خلاله اكتشفت مرارة الانسان وحلاوته والفرق الطبقي ربما لا زلت أحمل غضب هذه المرحلة، التي وشمت في ذهني عذابات الفقراء وطموحاتهم. بعد الابتدائي رحلت إلى الناظور لمتابعة الدراسة الثانوية، هناك أعطيت لي الفرصة لاكتشف موهبتي في الغناء والمسرح وتمردي على الظلم ولكن وللأسف بعد مدة أصبح إسمي في اللوحة السوداء لأني رفضت أن أغني على الحسن الثاني. بعد طردي من ثانوية الريف محمد أمزيان، اشتغلت كبحار وفي وقت قصير أصبحت ثانية في اللائحة السوداء لكوني أقف بجانب البحارة وأُحرضهم على الوقوف ضد الاستغلال. في 1977 تركت رحم الريف متوجها إلى هولندا، هذه البلاد الرائعة التي استقبلتني رغم تخلفي…”image001

إذن، في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وعلى أطراف بلدة “قابو ياوا” الريفية رأى الريفي النبيل شاشا المعروف وسط أصدقائه ب اشيليس، النور وغيره من جيل الخمسينيات، حملته طفولته البريئة أن يكون شاهدا على زمن الانكسارات المتكررة وهو طفلا صغيرا، لم تغربه وتجرده المآسي المتكررة لبلاد الريف من عناده الريفي العميق، ولذلك كان لزاما، وليس صدفة، وهو ينهي عمره الثالث أن تأخذه أيام براءته الأولى إلى أحداث تاريخية لريف الخمسينيات –أحداث- سيفهم لاحقا مضامينها، وينخرط في فعل مقاومة ”ثقافة النسيان والتدجين” وكغيره من أبناء وبنات جيله، ارتمى  في شبابه المبكر في أحضان النص الأصفر والأحمر، وأخذه الفضول الطفولي إلى صداقة مباشرة مع النص المؤسس والكتاب بشكل عام.

تعرف اشيليس على قيم وفكر اليسار قبل أن يتعرف على اليساريين، وتعرف على ماركس وانطونيو غرامشي ولاحقا الألماني مارتن هايديغر وصولا الى ملهم أفكاره الأول فريدريش نيتشه قبل أن يتعرف على الحزب اليساري الملهم بأفكار هؤلاء الرواد، وهكذا سعى باكرا الى الوقوف عند القلق الوجودي وسيتعرف لاحقا على مفهومي ”الوجود الأصيل” و”الوجود الزائف” حسب مارتن هايدغر، هذا القلق نفسه سيأخذه الى نظرية أو فلسفة البراكسيس، أي فلسفة الممارسة مستلهما غرامشي ومتكئا على مفهومي المثقف العضوي والمجتمع المدني، فلسفة تدعو للتحرر المطلق من الأيديولوجيا وتسعى للنفاذ الى خصوصيات الواقع الاجتماعي وتناقضاته. محطة ستقوده في سبعينيات القرن الماضي وفي عمر مبكر إلى البحث عن ”الجماعة” أو ما أسميه القبيلة اليسارية.

وإذا كانت فترة السبعينيات هي فترة اليسار بامتياز، فان اشيلس كان وظل يساريا داخل ذاك اليسار نفسه، لم تسعفه لا منشورات دار التقدم ولا الفارابي ولا دار الطليعة ولا غيرها من اشفاء أسئلته المقلقة، أسئلة إعادته المربع الأول ومقامه الزكي. كما قلت أعلاه ففلسفة البراكسيس قادت صديقنا إلى البحث عن الية حزبية للمارسة والفعل وسط ”الجماهير” ذاك المفهوم السحري الساطع والمتداول عند الطيف السياسي وشباب تلك المرحلة، هذا الانخراط سيجلب له متاعب متعددة جراء انخراطه المبكر في نضالات حركة التلاميذ بثانوية الثائر الريفي محمد أمزيان بالناظور وما رافقها من ملاحقات ومتابعات في صفوف جيل تلك الفترة، أحداث ستقوده لاحقا للاختيار الصعب، اختيار الهجرة نحو فضاءات اوسع للحرية والكرامة الانسانية.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، سيجد الريفي القادم من الريف الشرقي، نفسه وسط  قبيلة ما سمي  ب ”اليسارالجديد”، يسار يأتمر عبر تراتبية حزبية ضيقة، ترى في الانسان أداة وظيفية للوصول الى ”ديكتاورية البروليتاريا” وقوامها برامج مهترئة مستنسخة تحيل الى أحلام كبيرة وتغفل أسئلة مؤجلة، هنا يتذكر جل أصدقاءه من الجيل الأول كيف بدأ نفور اشيليس يكبر وتكبر معه أسئلة حارقة قادته لاحقا الى القطيعة مع القبيلة اليسارية من جهة والبحث عن منافذ جديدة لسؤال الذات الريفية من جهة أخرى.

يقول الراوي الريفي: “..يحق لنل كريفيين أن نسجل وباعتزاز أن أشيليس شاشا كان من الأوائل الذين استطاعوا ملامسة خصوصيات الأدب الريفي بالشتات وتم تدوينه ونشره وأجهر بقضيته، في زمن كان الجهر بقضية الريف ثقافيا وسياسيا يحارب من المخزن والقبيلة اليسارية…” انتهى كلام الراوي.

أنتج اشيليس عبر الكتابة والموسيقى الكثير من المؤلفات النادرة وحمله العناد الريفي إلى الاغتراب ثانية في زمن السلطان الجديد، اغتراب رأى فيه خلاصا وانتصارا لقيم واختيارات جيل العشرينيات، قيم الحرية واللاتصالح مع الاستبداد.

السبت المقبل سيعود الريفي النبيل إلى تراب الوطن رفقة أكثر من 20 مؤلفا، نادرا ما أنتج كاتبا ريفيا بالشتات مثله.

للصديق اشيلس وبمناسبة عودتك للريف أهمس في أذنك ونيابة عن كل من يعزك ..

سلاما عليك أيها الريفي الأصيل الذي عبر عن رأيه بدون قيود.

لاهاي في 30-6-2016

فريد آيث لحسن

 

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *