لايختلف اثنان في أن ثورة الجزائر ضد المستعمر الفرنسي كانت بدعم شعوب شمال افريقيا ” المغرب تونس موريتانيا أزواد إقليم فزان الليبي ” أما المشرق العربي فقد استثمر فيها وسرق إنجازاتها وأصبحت جزء من صراع محاوره يستخدمها جمال عبدالناصر ضد الأنظمة الملكية ومنها المغرب والسنوسية الليبية .
وبعد مليون ونصف شهيد أغلبهم من المتطوعين من شعوب جوار الجزاىر تولى الحكم نظام مغرور كافأ المتطوعين بالجحود مثال ذلك ما حدث في حرب الرمال بين الجزاىر والمغرب تسليم قادة ثورة أزواد عام 1963 رموز المعسكر الاستقلالي الازوادي الذين كانوا يجمعون المال والرجال لتحرير الجزاىر ما بين 1954-1960 و تم بيعهم من أجل تمرير وساطة رئيس مالي موديبو كيتا لوقف تلك الحرب الحدودية وكذلك إساءة الحكم الجزاىري معاملة الرئيس الموريتاني المؤسس المختار ولد داده ورميه في الحضن المغربي حتى دخل حرب الصحراء ضد البوليساريو نكاية بالموقف الجزاىري الذي يندى له الجبين خجلا .
لقد تنكر نظام جبهة التحرير العسكري للهوية الأمازيغية واستخف بكل ما يرمز لإصالة المغرب الكبير ذو المرجعية الحضارية الأندلسية وبالغ في تبعية المشرق العربي وقدم نفط بلد المليون ونصف شهيد لشركة توتال وسمح بالتجارب النووية في الجنوب ارض المجاهدين الحقيقين مقابل أدوار دبلوماسية فاشلة أكبر من مستواه مثل اتفاقية الجزاىر بين شاه ايران وصدام حسين ناىب الرىيس العراقي 1975 والتي تقضي بتخلي الامة العربية عن شط العرب للفرس مقابل قمع الكرد المسلمين العجم بحجة تحييد أو استمالة إيران الفارسية في الحرب ضد إسرائيل وحقيقة الأمر أن سونتراك الجزاىرية للنفط تدور في فلك توتال الفرنسية التي تتحكم بقواعد اللعبة الفارسية و تستثمر في حقول عبدان بالاحواز العربية المحتلة وان شط العرب كان المعبر الأهم لتصديره للخارج .
وبعد سقوط الشاه رضى بهلوي نتيجة ثورة شعبية داخلية ودعم توتال الفرنسية وصول الخميني لحكم إيران عام 1979 وبناء نظام ولاية الفقيه ألغى صدام حسين الاتفاقية المذلة وقامت حرب عراقية إيرانية طوال ثماني سنوات للتصدى للاطماع الفارسية بعد فشل وساطة الانتهازية الجزائرية وتشكل محور عربي داعم للتوسع الفارسي الصفوي في المشرق العربي ويضم القوى والتيارات المنافسة لحزب البعث على قيادة المشهد العربي بعد رحيل جمال عبدالناصر ويشمل ” سوريا الاسد وليبيا القذافي وجزائر جبهة التحرير وجيشها ” .
وأصبح للمحور الفارسي ادوات عربية على شكل تنظيمات فلسطينية ومليشيات لبنانية شيعية وارغم التدخل السوري في لبنان بعض المسيحيين على الانضمام له للقضاء على خصومهم داخل المعسكر المسيحي وأصبحوا يروجون للاطماع الفارسية على انها خلاص الأمة العربية من الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من بلاد الشام مثل استنجاد بعض أمراء الطوائف بالمرابطين ضد الاسبان في الاندلس الذي انتهى بمقتل المعتمد بن عباد على يد يوسف بن تاشفين الذي طلب نجدة جيشه لإنقاذه من الفرنجة .
وتم تزويد طهران بصواريخ طويلة الأمد لضرب بغداد مثل قصف مدرسة بلاط الشهداء وقتل اطفال العراق عام 1984 بسلاح النظام الجنرالاتي الجزاىري وحافظ الأسد وعاثت مليشيا المشروع الفارسي فسادا في لبنان بحجة أنها مقاومة وممانعة للاحتلال الصهيوني وكلما اجتاحت اسراىيل بيروت يترك محور الممانعة الفارسي وحلفائه العرب لبنان وشعبه لمصيرهم ويطلقون شعارات وعنتريات وتضامن مع الممانعة .
وبعد سقوط حكم حزب البعث بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003 بسبب الغزو الأمريكي بكوا دموع التماسيح على عراق تم تقديمه على طبق من ذهب للحقد الفارسي الذي لم ينس هزائم يوم ذي قار والقادسية يذبحون شعبه ويقتصون منه على الهزائم الفارسية وآخرها تحرير الفاو والشلامجة وجزر مجنون على يد الحرس الجمهوري العراقي بقيادة اللواء إياد فتحي الراوي واللواء ماهر عبدالرشيد قائد الفيلق السابع العراقي وتجرع الخميني السم وقبوله قرار مجلس الأمن 598 الذي اذل كبرياء الفرس وان جميع كوارث العراق والمشرق العربي أساسها الوساطة الانتهازية الجزاىرية الفاشلة عام 1975 لمنح الفرس موطئ قدم في شط العرب مقابل التكالب على ثورة ونضال الشعب الكردي المسلم السني الأعجمي واليوم تنتقم إيران الفارسية من شعب الرافدين العربي .
وفي غرب أفريقيا وقفت الجزائر بقوة ضد حق الطوارق في تقرير المصير بحجة منع قيام كيان أمازيغي بين المنطقة العربية وافريقيا جنوب الصحراء وصنعت معسكر اندماجي بقيادة اياد اغ غالي واستخدموه لسحق الاستقلاليين في كيدال من اتباع زيد اغ الطاهر القائد العسكري لثورة 63 كما استعملتوه في الاستهداف الأمني لاستقلالي ولاية تمبكتو اتباع الأمير محمد علي الأنصاري وتمزيق المجتمع الطوارقي وصناعة أمر واقع داخلي وإقليمي معادي لتقرير مصير الطوارق في مالي .
وقد تسببت الجزاىر في تفتيت الاتحاد المغاربي وتقسيم دوله بحيث وقف القذافي والجزائر ضد المغرب وتأرجح الموقف التونسي لإرضاء القوتين الكبيرتين مغاربيا بينما فرض الوضع الداخلي على موريتانيا مقاربة الحياد الإيجابي الذي يجعلها على مسافة واحدة من الطرفين المغربي والجزائري وفق ما يشبه استاتيكو متعارف عليه مغاربيا ” توازن الرعب بين الخصمين الرباط والجزائر ” .
وخلال العقدين الماضيين فقدت الجزاىر الكثير من أدوارها الإقليمية بسبب ازدواجية المعايير فأصبحت حركات التحرر الكردية والأمازيغية وعرب الاحواز والتيارات الإسلامية وجالياتهم في الدول الغربية ضد الدبلوماسية الجزاىرية ويصوتون ضد الأحزاب الأوروبية المتعاونة معها مثال ذلك هزائم الحزب الاشتراكي الفرنسي بقيادة ميتران وهولاند المقرب من الجنرال توفيق الذي يكاد يتلاشى من المشهد الفرنسي بسبب دعم حليفته الجزاىر المشروع الفارسي وعنصريتها ضد الأمازيغ والكرد والطوارق .
وفي المقابل تعارض التيارات القومية والإسلامية في الوطن العربي الخيارات الجزاىرية المشرقية منها و المغاربية فالعمود الفقري للقوميين العرب هو التيار البعثي الذي لم ينس ولن يغفر للجزاىر دعمها المشروع الفارسي وتحالفها مع إيران ودعمها تدخلاتها الإقليمية في المنطقة العربية كما يقف الإخوان المسلمون ضد الجزاىر بسبب إلغاء الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للانقاذ بقيادة عباسي مدني وأصبح حلفاء الجزاىر يدفعون ثمن تصدي التيارات القومية العربية والإسلامية والأمازيغ والكرد لنفوذها .
واليوم وبعد الربيع العربي زادت خساىر الجزاىر في جوارها فالتنافس في مالي اصبح بين فرنسا والصين وروسيا وأغلب هؤلاء يدعمون اللواء خليفة حفتر المناهض للجزاىر في الساحة الليبية وقد دخلت إسرائيل الداعمة للموقف المغربي بسبب وجود جالية يهودية مغربية كبيرة داخلها الساحة الأفريقية كعضو مراقب بالاتحاد الأفريقي و تحاول أن تكون بيضة القبان المرجحة لكفة هذه أو تلك من القوى الكبرى المتصارعة على الكعكة الاقليمية وهو ما قد يزيد من عزلة الجزاىر ويضعف موقفها وكانت الجزاىر منذ سنوات الاستقلال الأولى في الستينات قد قامت بطرد جميع اليهود فيها بمن فيهم أحفاد من بايع ودعم الأمير عبدالقادر الجزاىري و من كانوا يمولون الثورة بأموالهم فأصبحوا معارضين في الخارج لنظام جبهة التحرير الذي طردهم وحرمهم من جنسية بلدهم التي منحها النظام لبعض القوميين المصريين والسوريين بدل من يهود الجزاىر الموجودين منذ آلاف السنين بحجة أن الوافدين من المشرق العربي دعموا الثورة ثقافيا وغنوا لها .
وتعتبر محاولات الجزاىر دفن قضية الطوارق أزواد وتصويرها على أنها ارهاب وتمرد وتهريب وفرض معسكرها الاندماجي بقيادة اياد اغا غالي اكبر أخطاء سياستها الخارجية إلى جانب تحالفها مع المشروع الفارسي كل هذه الأخطاء هبطت بالجزاىر ودبلوماسيتها إلى الحضيض وجعلتها الحلقة الأضعف في صراع القوى الكبرى في افريقيا لأنها لا تحظى بدعم اي لوبي في عواصم صنع القرار الغربي بينما تدعم روسيا وفرنسا والصين أعداء الجزاىر في ليبيا بقيادة اللواء خليفة حفتر .
وقد بدأت بعض القوى المحركة للسياسة الخارجية الغربية تتحدث عن الاعتراف بجمهورية القبائل الأمازيغية وهذا يعتبر قمة فشل السياسة الخارجية الجزاىرية ونهاية مطاف فشل الوساطات الانتهازية في ملفات بعضها اكبر من حجمها كاتفاق الجزاىر بين العراق وايران عام 1975 وبعضها وساطات لظلم ذوي القربي مثل شمال مالي لمنع تقرير مصير الطوارق لذلك لم يعد للجزاىر أي مستقبل ولا حاضر دبلوماسي سوى بيع وهم الانتصار للعروبة والممانعة ضد الهيمنة الصهيونية الرجعية وقد تضطر لبيع جميع ملفات المنطقة لمن يضمن من القوى الكبرى بقاء نظام العسكر وجبهة التحرير وحمايته من السقوط بعد هزات إقليمية وداخلية أطاحت بالكثير من قادتها الاقوياء امثال الجنرال توفيق والرئيس بوتفليقة كما يجري تدوير بعض مسؤولي حقب وساطاتها الفاشلة للواجهة كما يقول المثل الشامي ” اللي بيجرب المجرب عقله مخرب ” .
بقلم : أبوبكر الانصاري
خبير في الشؤون المغاربية