أكد رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، على أن الأمازيغ تعرضوا تاريخيا للإقصاء السياسي، ولم يشاركوا يوما كفاعلين سياسيين، “وإنما يتم استغلالهم فقط كمرتزقة للسياسة لصالح إديولوجيات تتنافى مع مصالح شعبهم”، وأضاف راخا في ندوة حول موضوع “تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب، بين التصور الرسمي للدولة وتصور الحركة الأمازيغية”، نظمها منتدى أغسطين في إطار ملتقى صدى المجتمع الذي نظمه بدار الثقافة بالحسيمة أيام 28، 29، 30 أبريل 2016، أضاف أن إيمازيغن حاضرين بقوة على جميع المستويات الاقتصادية، العسكرية، “لكنهم لا يحسنون استغلال ذلك لخدمة مصالحهم السياسية”.
وأبرز الراخا ثلاثة أوجه للفعل الأمازيغي بالمغرب، انطلاقا من دراسة لمصطفى القادري تحت عنوان “الأمازيغ والدولة المغربية”، التي أبانت على أن الدولة المغربية الحديثة، انبنت على ثلاث فئات من إمازيغن، بدأ بأمازيغ العسكر، الذين تم من خلالهم تأسيس الجيش المغربي، ثم أمازيغ المال، الذين يمتلكون أغلب الشركات المسيرة للاقتصاد الوطني، أما أمازيغ السياسة فأوضح الراخا أن “توظيف إمازيغن سياسيا”، بدأ مع حزب الحركة الشعبية، عندما أراد الحسن الثاني تكسير شوكة حزب الاستقلال، الذي كان يسعى لإقامة نظام الحزب الوحيد بالمغرب، وبدأ حينها الحركة الشعبية بتحريض المناطق الأمازيغية، خاصة منطقة الريف التي أدت الثمن غاليا سنوات 58-59.
وأضاف الراخا أن نفس الأمر حدث في فترة المعارضة الاشتراكية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما استغل هؤلاء القوميون العروبيون مناطق أمازيغية في ضرب المؤسسة الملكية، ضاربا في ذلك مثل مناطق كلميمة والجنوب الشرقي التي لا زالت تؤدي إلى الآن ثمن معركة ليست بمعركتها.
أما الآن، يسترسل راخا، فقد ظهر حزب جديد يحاول تكرار نفس التجربة في استغلال إيمازيغن سياسيا، وهو حزب البام الذي هندسه وزير سابق في الداخلية، على أنقاض بقايا أحزاب الحركة الشعبية وبعض الأحزاب الاشتراكية القومية، وحسب الراخا فقد لعب حزب الأصالة والمعاصرة دورا كبيرا في إخماد الحراك الشعبي بالمغرب خلال ثورات الربيع الديمقراطي بشمال إفريقيا، خاصة مدينة الحسيمة التي عرفت خروج أكبر عدد من المتظاهرين (30 ألف محتج خرجوا للشارع)، ثورة سرعان ما تم إخمادها بإحراق خمسة من أفضل شبابها، لا زال يلفهم الصمت والتجاهل إلى الآن.
وقال الراخا بأن الحزب الذي تسيره الأجهزة المخابراتية وتجار المخدرات، مشيرا إلى البام، لا يمكنه أبدا أن يخدم مصالح الأمازيغية، ولا الشعب الأمازيغي، مبديا تخوفه من أن تكون مبادرة “حزب تامونت” فخا لإبراز الفشل السياسي الأمازيغي، وتوجيههم إلى منفذ وحيد هو البام، كما أثار الراخا قضية تدخل عدد من الأطراف لإجهاض فكرة التنظيم السياسي في مؤتمر بوزنيقة، بعدما خلص إلى ذلك لقاء 2001 بالناظور، يضيف الراخا متحسرا “لقد ضيعنا الكثير من الوقت”.
أما الناشط الأمازيغي سمير المرابط، فقد كانت مداخلته حول موضوع، “الحركة الأمازيغية وسؤال التنظيم السياسي”، أعاد خلالها طرح سؤال ما العمل؟ والذي يستدعي بالضرورة من الأستاذ سمير المرابط، جرد كرونولوجية سؤال التنظيم السياسي، إضافة إلى تقديم إجابة عن سؤال التنظيم السياسي بين الضرورة التاريخية وواقع الحركة الأمازيغية.
وأكد سمير المرابط على أن هيمنة المخزن كانت واضحة على نقاشات سؤال التنظيم السياسي الأمازيغي مطلع الألفية الثالثة، قصد توجيه نضالات الحركة الأمازيغية، وقال المرابط بأن بيان فاتح مارس شكل قفزة نوعية في مسار الحركة الأمازيغية، حيث أفرز ظهور عدد من الأوراق والتصورات، وأضاف المرابط “كان من الأجدر ألا نذهب لبيت محمد شفيق بعد القمع الذي تعرضنا له على يد جاره حسني بنسليمان خلال مؤتمر بوزنيقة الأول” مؤكدا “كان علينا اختيار مكان عمومي لمناقشة قضية عمومية”.
وأضاف المرابط أن قياديا في حزب الأصالة والمعاصرة إلى جانب أمازيغيين عن المدرسة المولوية، كانو يحاولون قرصنة النقاش السياسي الأمازيغي، وقال أنه كانت هناك إجابتين حول دخول الأمازيغية مرحلة النضال السياسي، تتجليان في حزب سياسي أمازيغي، أو حركة سياسية، قبل أن تتم قرصنتهما معا من طرف أجهزة المخابرات المغربية، مدعومة بالنخبة المولوية.
وتساءل المرابط عما إذا كان الأمازيغ فعلا ممثلين سياسيا في المشهد السياسي المغربي، وقال بأن “القصر نفسه له تخوف من عدم تمثيل إيمازيغن في المشهد الحزبي”، وذلك يضيف المرابط رغم محاولات توجيه النضال الأمازيغي التي تسعى لها الدولة عن طريق تسخير أذيالها المتمثلة في الذراع الأمازيغي لحزب البام، والذراع الأمازيغي للعسكر، إضافة إلى النخب النافذة على المستوى الاقتصادي، كل هذا يأكد المرابط “يأتي في ظل غياب تصور استراتيجي للتعامل مع مستجدات القضية الأمازيغية، لدى مناضلي الحركة الأمازيغية، مضيفا “دائما نحاول التعبير عن قوة الحركة الأمازيغية في الشارع، لكن لا نستطيع أن نعبر بوضوح عن مطالبنا السياسية”.
وكإجابة عن سؤال ما العمل يرى المرابط أنه لابد من التحرر أولا من سيناريوهات المخزن القائمة على التوجيه والاحتواء، وضرب الصدى الجماهيري والجامعة، إضافة إلى الاشتغال حول الأسئلة والشروط السياسية، من قبيل إثارة نقاش الفيدرالية وتكسير الهيمنة المركزية، بهدف تحديد العلاقة مع المركز وتحقيق توزيع عادل للثروة.
ومن جانبه تناول فؤاد أوشن، الباحث في العلوم السياسية بجامعة الرباط، سؤال مأسسة الأمازيغية بالمغرب، تناول من خلاله الظروف والسياق الذي جاءت فيه دسترة الأمازيغية، ثم تحدث عن طبيعة هذه الدسترة، إلى جانب إثارته النقاش حول آفاق ومستقبل هذه الدسترة التي قال بأن شكل دسترتها يوحي بأنها مرحلية جاءت لإسكات الصوت الأمازيغي في لحظة معينة.
وأكد أوشن على أن لحظة الدسترة لم تكن ديمقراطية، وكان الفاعل السياسي حينها مجبرا ومتخوفا من الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب إلى جانب عدد من بلدان شمال إفريقيا آنذاك، فكان لابد للقصر أن يقدم حلولا، لكنها كانت ترقيعية على مقاس النظام السياسي، ومنه فلا يمكن الحصول على دستور ديمقراطي.
وعن طبيعة الدسترة، استنتج أوشن من خلال النص الدستوري وطريقة الصياغة، أن هنالك حاجة في نفس واضعي الدستور، تسعى إلى الإبقاء على الهيمنة العروبية رغم الإقرار برسمية الأمازيغية، وقال أن طول العبارات والقواعد القانونية التي نصت على رسمية الأمازيغية، من شأنه أن يأخذ تأويلات قد تنعكس سلبا على وضعية الأمازيغية مستقبلا.
وقسم أوشن نضالات الحركة الأمازيغية إلى ثلاث تيارات، الأول جذري يرفض كل ما قدم للأمازيغية، ويرى أن الأولوية للديمقراطية، وهناك جانب إصلاحي يطالب بتفعيل ما تحقق للأمازيغية، إلى جانب تيار ثالث يرى مستقبل الأمازيغية في ظل النظام الملكي، وهو التيار الذي أسست له النخبة المولوية.
وخلص أوشن إلى ضرورة فرض تصور سياسي واضح على السلطة القائمة، يتناول القضية الأمازيغة في شموليتها، والمطالبة بالديمقراطية على جميع المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كما أكد على ضرورة مواجهة المؤسسات التي تسوق للمغرب دوليا على أنه دولة عربية، والتأكيد على علمانية الدولة.
أما السياسي الأمازيغي أحمد الدغرني فقد كانت مداخلته مناقضة تماما للنقاش الذي الرائج بالقاعة، فقد كان أكثر تفاؤلا وأكثر أملا في استشراق غد أفضل، وبدأ بنقده للمداخلات السابقة التي قال عنها بأنها سوداوية ولا تتعدى مناقشة الأخطاء، وسؤال ما العمل، في حين أنه يرى الدغرني، قد تحقق الكثير للقضية الأمازيغية، وقال بتعبير ابن تومرت “لقد خرجنا إليهم وانتصرنا”.
وأضاف الدغرني “يجب أن نتعلم أن نقول للناس ماذا قدمنا، وليس فقط أن ننتقد”، موضحا “منذ سبعينيات القرن الماضي ونحن نناقش في الندوات واللقاءات، لقد تجاوزنا هذه المرحلة، ووصلنا لمرحلة الخروج للانتفاض” وهو ما يحدث في سنة 2016 عندما خرج الآلاف في ذكرى أربعينية الشهيد الأمازيغي “عمر خالق”، وفي مراكش خلال مسيرة تاوادا ن إمازيغن، والرايات تعلو فوق السطوح”، إضافة إلى المحطة القادمة، وهي محطة استقبال المعتقل السياسي الأمازيغي “مصطفى أوسايا” يوم 22 ماي الجاري.
وأكد الدغرني على أن الحركة الأمازيغية على مشارف الدخول في عهد جديد، ودعا الحاضرين إلى الالتحاق بحزب “تامونت” الذي تأسس في هذه السنة باندماج عدد من الأحزاب وتذويب مختلف التصورات، والالتفاف حوله، حتى “نكون في مستوى عظمة تاريخنا ومواكبة تسارع الأحداث الأمازيغية”.
وقال الدغرني أن هناك مخططا لإبعاد قبائل الريف من “تامونت”، ما اعتبره الدغرني بمثابة أزمة وامتحان، متسائلا عما إذا كان سيلتحق به الذين استمروا في انتقاد مشروع حزبه لسنوات، مضيفا، أن “هناك ثلاث وجهات سياسية بالمغرب: وحدة عربية، وحدة إسلامية، وأخيرا وحدة أمازيغية التي هي “تامونت””.