قال جلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي الاخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ما يلي :
(المغرب مستهدف ، لانه دولة عريقة ، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا ، فضلا عن تاريخها الامازيغي الطويل.)
هذه المقولة العميقة ، وقع بشانها اختلاف فكري في فهم مضمون فكرتها الاساسية ، بسبب وقوع الاكتفاء بربط الهوية الامازيغية بالدولة المغربية القديمة فقط ، أي بالدول التي كانت قائمة قبل اعتناق المغاربة للاسلام ، من دون ربطها كذلك ، بنفس الدولة المغربية الوسطى ، والحديثة ، أي المتواجدة تحديدا في فترة اثنى عشر قرنا الاخيرة ، ذلك ان هذا الاختلاف جعل البعض يعتقد ان المقولة استثنت دولة 12 قرن الاخيرة من حملها للصفة الامازيغية ، ما يشكل حسب نظرها تراجع نظامنا الرسمي عن مشروع التصالح مع الذات والتاريخ الامازيغيين ، وتشبته بالتالي بايديولوجية الفكرالعربي ، الراسخة في الاذهان.
في حين ان البعض الاخر استبشر بالخطاب ، لما ينم عنه ، من اقرار مؤسستنا الملكية بوجود دولة عريقة لدى المغارية ، في فترة ما قبل الاسلام ، هذا الاقرار الفريد ، الذي لم يحدث قط مثله ، من قبل ، لاعتقاد الجميع تقريبا بانتفاء وجود اية دولة في المغرب ، في هذه الفترة ، والاعتقاد كذلك بان المغارية خلالها كانوا يحيون حياة بدائية ، يسكنون فيها الكهوف ، ويلبسون الصوف ، ويحلقون الرؤوس.
وفي تقديري فان التأويل الاول للخطاب لم يكن مقنعا ، ومريحا معرفيا ، لعلة ان عدم ربط لفظة ” الامازيغي ” بالدولة المغربية القائمة خلال فترة 12 قرن الاخيرة ، لا ينهض دليلا حاسما على نفي الهوية الامازيغية ، عن هذه الدولة .
كما ان التأويل الثاني بدوره غير مقنع ايضا ، لانه – والحال انه ثبت ربط لفظة الامازيغي بالدولة المغربية القديمة فقط – فان ثبوت الاقرار الرسمي بوجود الدولة ، في المغرب قبل الاسلام ، على الرغم مما فيه من فرادة ومن شجاعة ، لا يقوم حجة على اتصاف الدولة المغربية في فترة اثنى عشر قرن الاخيرة ، بالهوية الامازيغية ، نظرا لعدم تقديم هذا التأويل أي تعليل على هذا الاتصاف.
ومن الأكيد ان هذا الاختلاف لم ينشأ – كما قال الفيلسوف ديكارت – عن كون اصحاب الرأي الاول ، أعقل من أصحاب الرأي الثاني ، أو العكس ، بل نشأ لرؤية كل واحد منهما مقولة الخطاب ، من زاوية جزئية مختلفة ، احدهما ركز نظره فقط ، على الدولة المغربية الوسطى ، والحديثة ، الغيرالمقرونة بلفظ الامازيغي ، والاخر ركزه على الدولة المغربية القديمة ، المقرونة بهذا اللفظ.
وهكذا فانه أمام ثبوت خفاء جوهر فكرة المقولة ، لعدم ظهوره بشكل مباشر وتلقائي ، بدليل ما رأيناه من الاختلاف في ادراك مضمونه ، فان المطلوب في نظري ، لكشف حقيقته ، هو النظر الى المقولة ، ككل ، مركب ، ثم القيام بتحليل هذا الكل وتقسيمه ، لرده الى أجزائه البسيطة ، وبعد الاحاطة بجميع هذه الاجزاء ، نقوم حينئد بتركيبها تركيبا منطقيا ، لنصل به في النهاية الى جوهر المقولة الواضح والمتميز.
اذن ، يمكن القول ان الوحدة الكلية المركبة للمقولة ، هي كالآتي :
( المغرب ، دولة عريقة ، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا ، فضلا عن تاريخها الامازيغي الطويل.)
فالمقصود ب : المغرب طبعا ، ليس هو الأرض الجامدة ، الغير العاقلة ، التي لا يمكنها طبيعيا ان تصنع ، أوتؤسس أية دولة ، وانما المقصود به هو شعب المغرب ، ككيان ، وكذات حرة ، مستقلة ، ومتميزة عن غيرها من الشعوب الاخرى.
ومن العجيب في الامر ، ان المقولة بعد ان تحدثت عن : المغرب ، بصيغة المفرد الواحد ، وليس بصيغة الجمع ، تأكيدا لفكرة وجوده ككيان مستقل ، فقد تحدثت عن دوله الكثيرة والمتعددة ، بصيغة المفرد كذلك ، حيث وحدتها جميعها في دولة واحدة مفردة ، لتأكيد وحدة لحمتها ، وكذا وحدة انتسابها الى المغرب العريق ، ثم الاهم من هذا تأكيد وحدة تاريخ هذه الدولة المغربية ، منذ انطلاقها من أعماق التاريخ القديم الطويل الامد ، لتمتد في فترة الاثنى عشر قرنا الاخيرة ، ثم لتستمر في الوجود بطبيعة الحال في آفاق المستقبل الى نهاية الكون.
هذا ، ومما يستفاذ من المقولة كذلك ، ان ذلك المغرب الذي صنع دولته القديمة ، المتصفة بهويته الامازيغية الاصلية ، هو نفسه الذي صنع الدولة الوسطى ، والحديثة في فترة اثني عشر قرنا الاخيرة ، من منطلق عدم ذكر المقولة ، وجود أي عنصر أجنبي كيفما كان ، يكون قد تقاسم مع الشعب المغربي أرض وطنه ، أو تقاسم معه تأسيس دوله وامبراطورياته الخاصة ، ما يعني ان المغرب كان ولا يزال ، هو المالك الوحيد لسياذته على وطنه ، ثم انه ايضا ، كان ولا يزال ، هو الفاعل الوحيد الاوحد ، في تقرير مصيره.
اذن ، بعد هذه الاحاطة بمختلف ألاجزاء البسيطة للمقولة ، ثم بعد تركيب هذه الاجزاء في قالب منطقي معقول ، نستنتج ما يلي:
ان عدم عدم قيام المقولة بربطها الدولة المغربية الوسطى والحديثة بلفظ : الامازبغي لا ينفي عن هذه الدولة هويتها الامازيغية ، طالما ثبت ان المغرب المشهود باصالته الامازيغية العريقة ، هو من صنع هذه الدولة ، من دون ان يثبت وجود أي عنصر أجنبي ، في أي لحظة من التاريخ ، تقاسم معه وطنه ، أو ايضا تقاسم معه حيازة أية دولة منشأة.
انه لما ثبت انتساب الدولة المغربية الى المغرب – الامازيغي الهوية – وذلك في جميع مراحل تاريخها ، القديم ، والاوسط ، والحديث ، فاننا ندرك بالبداهة ، وبالحس المنطقي السليم ، ان كل دوله وامبراطورياته بدون استثناء ، تتصف بدورها بهويته الامازيغية ، سواء وقع ذكرهذه الهوية بشكل صريح ، كما فعلت المقولة بالنسبة الى الدولة القديمة ، أو وقع بشكل ضمني ، كما فعلت بالنسبة للدولة الوسطى ، والحديثة.
لهذه الاسباب أعتبر الخطاب الملكي السامي المذكور ، يشكل تقدما كبيرا في الوعي بالذات المغربية ، أو بالاحرى الوعي بالذات الامازيغية ، على اعتبار أن الذاتين معا، لهما معنى واحد ، لا يفترقان الا في الاسم.
فالمغربي هو الامازيغي والعكس صحيح.
والحضارة المغربية هي الحضارة الامازيغية ، والعكس صحيح ايضا.
ثم ان الارض المغربية هي الارض الامازيغية ، وكذلك العكس صحيح.