فن أحيدوس: أوجه التشابه والاختلاف بين قبائل الأطلس المتوسط

ahidusإعــداد: محمـد بورمظــــان

                 I.  مقدمــــــة: تعريف كلمة أحيدوس:

أحيدوس مشتقة من الحدس أي الشعور الباطني للحالة النفسية لطرف آخر عن بعد، و عند الأمازيغ، عرفه الشاعر الباحث باسو جبور، و قسم الكلمة إلى شقين: ” أَحْ”  “إدوس” و الكلمة الأولى تعبير عن الصبر عند الوخز المفاجئ في أحد أعضاء الجسم، أما كلمة إدوس فمعناها في لغة الجنوب الشرقي عملية الرفس، و قد أرجع الباحث أصل هذه الكلمة المركبة إلى عمليات البناء التقليدي القديم الذي تعرف به المنطقة حيث يتم بناء القصور بطريقة اللوح بالاعتماد على رفس التربة المبللة مخلوطة بالتبن الذي يضم بعض الأشواك التي قد تصيب القدمين من خلال عملية الرفس. و قد نعثر على تعاريف أخرى لهذه الكلمة.

              II.  تمثلات فن أحيدوس:

لا أحد يجادل في أن تاريخ الأمازيغ تاريخ حربي بامتياز، فمنذ تواجدهم ببلاد تمازغا تعرضوا لعدة غزوات و محاولات للاحتلال قبل مجيئ الإسلام (حضارات ما قبل التاريخ) و في مواجهة  الفتوحات الإسلامية و خلال تعاقب كل الحضارات التي حكمت المنطقة ووصولا إلى مواجهة الاحتلال الفرنسي والإسباني. هذا التاريخ الطويل من الحروب زرع في ذاكرة هذا الشعب الأمازيغي قيم التضامن و التعاون و الصمود جعلته يبلورها على شكل رقصات جماعية تجسد المعركة و خططها وأدوار كل مقاتل في قالب فني يصعب فك رموزه لغير العارف في ميدان التاريخ و السوسيولوجيا.

           III.  معاني و دلالات بعض الحركات في فن أحيدوس:

كان شكل أداء رقصة أحيدوس قديما في كل ربوع البلاد يؤدى على شكل دائري مغلق و هذا يدل على خطط حماية مجالهم من كل غزو أجنبي أو حماية مواشيهم بالحواجز الشوكية خلال عمليات الترحال الدائمة خوفا من غزوات اللصوص أو الوحش…..و هذه الخاصية اشتركت فيها كل قبائل الأطلس من تازة إلى أزيلال.

أما الشكل الحالي الذي اتخذته رقصة أحيدوس و الذي أخذ شكل هلال فلم يظهر سوى في منتصف  القرن العشرين أي خلال فترة الاستعمار الفرنسي وبعده. و السبب في ذلك أن طبيعة هذا الاستعمار الحديث تختلف عن طبيعة الاستعمار الذي واجهوه قديما و الحروب القبلية التي اصطدموا فيها قبل دخول المستعمر الأوروبي، و كان بديهيا أن تتغير الخطط الحربية و بالتالي تغيير متمثلاتها في القالب الفني عند ممارسيها. فما يسمى ب”الريف” عند قبائل آيت وراين نسبة إلى الشكل الهلالي لتلال مقدمة جبال الريف التي نطل عليها أينما اعتلينا جبلا من جبال آيت وراين و الشكل الهلالي لأحيدوس عند آيت وراين راجع إلى خطة حصار العدو، حيث يهاجمون العدو جماعة من الخلف في اتجاه سفوح الجبال التي تشكل النصف الآخر من حاجز الحصار. أما في باقي مناطق الأطلس المتوسط، فإن شكل أحيدوس يكاد يكون على شكل خط أفقي ذلك أن القبائل الأمازيغية هناك، كانت في غالب الأحيان تنهج خطة الاصطفاف ضد العدو و على شكل حواجز بين جبلين.

لنعد الآن إلى تركيبة هذه الكتيبة المحاربة /الريف. هي مجموعة مقاتلة لكل واحد دورها أما لباسها فهو موحد باستثناء المخبر/(شامبيط) الذي يتميز بلباس يميزه بعض الشيء عن المجموعة، و يسمى في الأطلس المتوسط (أعلام)، وعند آيت وراين (أَمْنْدَاهْ) أي سائق المجموعة. و لفهم دوره الاستخباراتي أكثر يجب الانتباه إلى أن حركاته في اتجاه قارعي الدفوف هي التي تتحكم في تغيير حركة كل المجموعة أي تغيير الخطة الحربية وفقا لمستجدات المعركة. هناك وجه اختلاف يميز بين أحيدوس عند قبائل آيت وراين و مرموشة و بقية قبائل الأطلس و يتمثل في أن كل المشاركين في أحيدوس بالأطلس المتوسط يقرعون الدفوف جماعة أما آيت وراين و مرموشة فيقتصر القرع على اثنين أو ثلاثة من الرجال يتموقعون أمام المجموعة المتصافة و يعبرون ساحة الحفل/ المعركة مشيا وأحيانا جريا حيث يعتبرون بمثابة منسقين بين أمنداه/الضابط وبقية أعضاء المجموعة/الجنود.

و من أوجه الاختلاف أيضا الأشعار التي ترددها المجموعة خلال عملية الرقص. ففي الأطلس المتوسط تؤدى رقصة أحيدوس بترديد بيت شعري، نصف المجموعة يردد شطرا و النصف الآخر يردد النصف الثاني أما عند آيت وراين فيتم ترديد عبارة (أَهَا يَوَا هَهَاوَا) فعند التأمل في طرق المقاومة عند قبائل الأطلس فنجد أن المعركة مصحوبة بحرب كلامية بالسب و الشتم أما عند آيت وراين فالمعركة تكون مصحوبة بإطلاق الصياح المختلف و إثارة الفوضى وسط القبيلة لتحريض أكبر عدد ممكن من المقاتلين للمشاركة. و لا تنبري القبيلة  الأمازيغية للاحتفاء بالنصر في المعركة أي الفصل الأخير من رقصة فن أحيدوس إلا عند الانتقال إلى رقصة تاشطاوانت و هي رقصة سريعة  وخفيفة عند قبائل الأطلس المتوسط مصحوبة بترديد عبارات(إيه أوا إيه أوا…).

أما عند آيت وراين فتعتبر كلمة “أَعَسْتُو” إيدانا بالانتقال من خطة حربية إلى أخرى أي من حركة في الرقص إلى أخرى، لتكون رقصة “تَاحْرِّدَالْتْ”/ العرجاء هي رقصة الاحتفاء بالنصر لدى القبيلة و تكون بالاعتماد في الوقوف على رجل واحدة و طي أخرى مرفوعة شيئا ما عن الأرض و هي بمثابة إهانة للعدو المنكسر الذي لا يقوى على المواجهة و لو كان العدو واقفا على رجل واحدة، متبوعة برقصة ” أليْ ث هوا” أي إصعد و انزل و معناها الحربي التمشيط الأخير لساحة المعركة.

الخاتمــــــــة:

يبقى فن أحيدوس أكبر مرجع لفك رموز ما عاشته القبائل الأمازيغية من حروب مع كل دخيل حاول الاستيلاء على مجالها و تغيير بنيتها و مقوماتها الأصلية. لذلك يجب الحفاظ عليه و حمايته من فقدان خصوصياته و التصدي لكل من يحاول تشويهه حماية للذاكرة الجماعية للأمازيغ وحفاظا على هويتهم، لذلك يكون من الأجدر للطلبة و الباحثين توجيه و تعميق أبحاثهم في هذا الميدان خدمة للهوية و الثقافة الأمازيغية.

   محمد بورمظان

 باحث في التاريخ والتراث

ملاحظة:

ألقيت هذه المداخلة في إطار فعاليات الدورة الثالثة للفنون الشعبية المنظم من طرف جمعية ” إسافن” بجماعة تادارت إقليم جرسيف يوم 11/09/2015.

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *