في الجزائر.. هل يفهم التلميذ الأمازيغي العربية؟

في حوار صحافي قديم، يروي الفنان الأمازيغي المغتال، معطوب لوناس، أنه كان يتمنى إتمام دراسته، لكنه فشل، بسبب سياسة “إعادة تصميم الهوية الجزائرية” خلال مرحلة الستينيات، مباشرة عقب استقلال البلاد عن فرنسا (يوليو 1962).

وقال معطوب في الحوار الذي أجراه معه المنشط القبائلي المعروف “بـلعيد ثاقراولا” “كنت أتمنى أن أكمل دراستي، لكن سياسة التعريب منعتني من تحقيق حلمي، لأنني قررت المغادرة لما أحسست أنني لم أعد أفهم أي شيء”.

يشتكي الكثير من الجزائريين من سياسة التعريب التي فرضت على المنظومة التربوية سنوات الستينيات، من طرف حزب جبهة التحرير الوطني، الذي انفرد بحكم الجزائر لعقود.

وفي إطار سياسة ما عرف وقتها بإعادة المجتمع الجزائري لأصالته، عمدت الجزائر، على عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، إلى توظيف أساتذة من المشرق العربي، على غرار فلسطين ،مصر، الأردن والعراق.

تبني مبكر

وفرض أول دستور جزائري في عهد الرئيس أحمد بن بلة، سنة 1963، اللغة العربية الكلاسيكية، لغة وطنية، رسمية ووحيدة. كما أقر ذلك من بعده هواري بومدين ثم الشاذلي بن جديد وكل الرؤساء اللاحقين، حتى أقرت في الدستور الأخير الأمازيغية لغة وطنية ثانية إلى جانب العربية، بعد سنين من اعتمادها لغة وطنية فقط.

ويرفض اسماعيل مليشي، وهو أربعيني من قرية إغزر عباس بأعلي ولاية بجاية، أن يعيش أبناؤه ما عاشه هو في صغره، عندما بدأ مشواره الدراسي.

التنوع لفض النزاعات

عملية التعريب #بالجزائر أطلقها أحمد بن بله والذي رفع شعار “التعريب ضروري ولا اشتراكية بدون تعريب ولا مستقبل لهذا البلد إلا في العروبة”

وفي حديث لــ “أصوات مغاربية”، يروي اسماعيل كيف صدم عند دخوله الابتدائية في أول يوم له بالمدرسة سنة 1980.

“أحسست أنني نقلت إلى عالم آخر عندما بدأت المعلمة بالحديث بالعربية الكلاسيكية، لم أفهم شيئا” ثم يردف “لن أنسى كيف بكيت بحرقة، ظننت أنني في بلاد أخرى بعيدا عن أمي”.

“لسنا عربا”

ويروي اسماعيل، أنه عاش شرخا نفسيا وعقليا، إذ كان عليه أن يتقن لغة لم يتحدث بها قط.

“في بيتنا كنا نتحدث بالأمازيغية، وأبي كان يتحدث ويقرأ ويشتغل بالفرنسية، فمن أين لي أن أتحدث بالعربية؟” يتساءل المتحدث.

يؤكد اسماعيل أيضا أنه فضّل تسجيل ابنيه الاثنين في مدرسة خاصة، حتى يتمكنا من تعلم الفرنسية التي يتقنها جيدا هو وزوجته.

“لا مناص من تعلم لغات أخرى، نحن لسنا عرب وإسلامنا لا يحتم علينا أن نكون كذلك، أما مقتضيات العصر فتحتم علينا تعلم ألسنة العلم لا الشعر”، يختم اسماعيل حديثه.

“القبائل أفضل المعربين”

أحمد خالد رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، يؤكد على أن سياسة التعريب التي انتهجتها الجزائر، أتت أكلها، ونجحت في منطقة القبائل أكثر من أي مكان آخر.

وفي حديثه لــ “أصوات مغاربية”، كشف المتحدث، أن نتائج شهادة البكالوريا تؤكد تبني سكان منطقة القبائل للتعريب على مستوى كبير.

“تيزي وزو تتصدر قائمة الولايات التي تشهد نجاح أكبر عدد من الطلاب في شهادة الباكالوريا”.

ويؤكد المصدر نفسه، على أن الولاية ذاتها تحتل المرتبة الأولى وطنيا للمرة التاسعة، وهو حسبه، دليل دامغ على نجاح التعريب بالجزائر، وعلى الفهم الجيد للطلاب من الأمازيغ للغة العربية.

التعريب بالجزائر.. المعضلة تراوح مكانها

وفي سياق تحليله، يضيف أحمد خالد “مفتشو التعليم المكلفون بالاستقصاء على مستوى تحصيل اللغة العربية، يقولون إن أبناء القبائل يتحدثون العربية أحسن من الآخرين”

ويجتهد المتحدث في تأكيد ما يذهب إليه بالقول “الأولياء بمنطقة القبائل يحضرون أبناءهم للمدرسة بتلقينهم اللغة العربية الفصحى، وهو ما جعلهم يتفوقون على طلاب الولايات الأخرى”.

وإذ تعترف رئيسة جمعية “ثاذيانت أنغ”، نجمة بهلولي، بأن الهدف من سياسة التعريب لم يكن القضاء على الأمازيغية، بقدر ما كان مواجهة بقايا الاستعمار الفرنسي (لغته)، ترى بأنها قضت على أحلام الكثير من الطلاب الأمازيغ، خصوصا أولئك الذين كانوا ينوون مواصلة الدراسة في التخصصات الإنسانية.

وتؤكد المتحدثة ذاتها، أنها تعرف الكثير من الأصدقاء ممن كان بإمكانهم الذهاب بعيدا في دراستهم، إلا أنهم “فشلوا بسبب عدم مقدرتهم على التحدث والتعبير بالعربية الفصحى، لأن اللغة المتداولة بمنطقة القبائل هي الفرنسية والأمازيغية”.

أما الباحث في اللسانيات مغريس جابر فيرى بأن إتقان لغة التحصيل، شرط أساسي لضمان نجاح المتلقي للرسالة العلمية.

ويؤكد المتحدث، على أن “تطابق العملية التلقينية مع المحيط الثقافي الذي نشأ فيه المتعلم، من أكثر العوامل المساعدة والمسهلة لعملية استقبال المعلومات وتخزينها”

ويذهب المصدر نفسه، إلى أن تلقين التلميذ باللغة التي يفهمها ابتداء، هي المقرر لنجاحه فيما بعد.

“آخام نتموسني” (دار العلم)

في سنة 2010، بادر أحمد عمريوي، وهو أحد الناشطي القبائل المغتربين بألمانيا، بفتح مدرسة مجانية بالقرية التي ينحدر منها بولاية تيزي وزو، وأعطاها إسم “آخام نتموسني” أو ما يقابلها بالعربية (دار العلم)، وكان الهدف منها، حسبه، “فتح المجال للتعليم عن طريق اللغة الأمازيغية ولغات حية أخرى”.

وفي حديث صحافي سابق، أكد المعني أنه قرر فتح المدرسة لمّا رأى نتائج التطرف والجهل بادية في وجوه أبناء قريته.

“انتابتني غيرة لما رأيته من تدني مستواهم، فقررت أن أساعدهم”.

وإذ يفتخر بنجاح تجربته، ندد أحمد عمريوي بقرار غلق مدرسته من طرف السلطات، “لأنها لا تتطابق مع الشروط المتعارف عليها وطنيا”.

ويرى بعض الأمازيغ، أن محاولة تعريب أبناء منطقة القبائل تدخل في إطار طمس شخصيتهم، وإذ يبادر بعضهم بإيجاد حلول موازية، يفضل كثير، تسجيل أبنائهم في مدارس خاصة، والتي تتيح الدراسة باللغة الفرنسية والإنجليزية “ضمانا لهم لمستقبل أفضل” على حد تعبير الناشطة الأمازيغية نجمة بهلولي.

 المصدر: أصوات مغاربية

اقرأ أيضا

“المشاركة المغربية في حرب تحرير الجزائر” محور مائدة مستديرة بالناظور

بمناسبة تخليد الذكرى 69 لعيد الاستقلال المغرب ومرور 70 سنة على اندلاع حرب التحرير الجزائرية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *