الحسين المجاهد أمنكور – صحفي سابق: في الذكرى العشرينية صحيفة «العالم الأمازيغي» النَّزوعُ المُواطِن
إن استحضار عشرينية جريدة «العالم الأمازيغي ⴰⵎⴰⴹⴰⵍ ⴰⵎⴰⵣⵉⵖ» يحيل الفكْر توّاً على سياق سيرورة النهوض بمكونات الهوية الثقافية المغربية، المتسمة بالوحدة في التنوع والتعدد، وكذا في صلب الانشغالات الفكرية والسياسية والاجتماعية للمثقفين والمفكرين والإعلاميين وغيرهم ممن يحملون ذات الهمّ من مختلف المواقع وبسائر الوسائل والوسائط. وحيث إن المكوّن الثقافي الأمازيغي، خلال العقود الأخيرة بات موضوع التفاتة نوعية، ما برِحَت تتنامى على نحو متفاوت ما بين القطاعات والمحافل، فإن من رافعات انتعاش تعابيره وتجلياته الأزلية والحديثة، أن يتوافر لمواكبته إعلامٌ وازنٌ في حجم التحديات والرهانات الآنية والمستقبلية التي تواجه هذه الثقافة. وفي هذا النطاق، يندرج دور الصحافة المهتمة كلياً أو جزئيا بالشأن الأمازيغي بمختلف أوجهه، بما في ذلك المنابر المسموعة والمرئية والمكتوبة والمتوسلة بأحدث الوسائط.
ومن ثم فإن التأريخ لنشأة الإعلام الأمازيغي، وخاصة منه المكتوب، مما يتعيّن انكباب البحث على جوانبه وإشكالياته، توثيقاً وتثميناً ونقدا.
ومن هذا المنظور، فإن صحيفة «العالم الأمازيغي» وهي من قلائل المنابر، المرصودة حصرا للأمازيغية، والتي تمكنت بصمودها من انتظام الإصدار في المشهد الإعلامي الأمازيغي بالمغرب، لتعتَبر بحقّ موردا متميّزا لمن يشاء الإحاطة بتطوّرات الشأن الأمازيغي خلال عقديْن. ولا غرو أن تكون من بين المنابر التي أمكنها ولوج مصافّ المقاولات الإعلامية المهنية، لتوفّرها على ما يلزم من الأركان والسمات في الصحيفة المكتوبة، وإن كان ذلك بمشاق على مستويات التمويل والموارد البشرية وتحمل أعباء مهنة المتاعب، ففي ظرفية لم تسعف العديد من الصحف والدوريات الأمازيغية من الاستمرار، كان من هم هذه الصحيفة، بالإضافة إلى نقل الخبر، والتحسيس بمكانة الأمازيغية ولسانها وكتابتها بحرفها الأصلي، وكذا من خلال تجويد أدائها في تغطية الحدث الثقافي والاجتماعي باللغتين الرسميتين وباللغة الأجنبية أحيانا، أنها تسدّ الفراغ المهول في مجال الرأي والتحليل والنقاش حول القضايا الفكرية والسياسية وغيرها مما يشغل بال المواطن المغربي بشأن قضايا ومواضيع الأمازيغية عامة. وقد لا يكون من المجازَفة القول باعتبار الأسلوب الصحفي الذي دأبت عليه هذه الجريدة مدرسةً لترسيخ واستعادة بعض ما تم إغفاله في محافل سائدة، من قيم ومفاهيم حول الثقافة الأمازيغية والهوية الوطنية المتعددة وحتمية الاعتراف بوزنها في المناخ الثقافي والاجتماعي للوطن. كما أنها أيضا مجال مفتوح للأقلام والمبادرات، الراسخة والفتية، التي كانت تُعوزها، فرصُ التعبير والمشاركة والانبِراء، سياسياَ وأدبياً وإبداعياً وخاصة في فترة نضوب وشُحّ الفضاء الإعلامي الناطق بالأمازيغية.
وإن كان من آمال يرجى تحقُّقها لمثل هذا النموذج الإعلامي العصامي – المُحترف، فهي تمكينه من البقاء والانتعاش والتطور، في هذا الزمن المثقل بإيجابيات وسلبيات التنافسية وبالتحديات الكبرى، المادية والمعنوية، وتحث ضغوط الهول التكنولوجي والرقمي الكاسح. ومما يدعو إلى بعض الارتياح، أن هذا المنبر وهو يحظى بثقة جمهوره، كان له من المصداقية ما بوّأه مقام شريك لبعض المؤسسات الداعمة، ولو على نُدرتها، من قبيل الوزارة الوصية على القطاع، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
والمأمول أن تأتي رياح المرحلة الموالية في تاريخ مأسسة الثقافة الأمازيغية بما يؤمن الاستدامة لهذه الصحيفة وكذا بمزيد من المنابر المماثلة، حتى يتحقّق فعليا للإعلام الوطني تكامل عناصره، وان تكون جميع الصحف مرآة للطابع التعدّدي للهوية الثقافية بسائر مكوناتها. ومن إيجابيات «العالم الأمازيغي» أن صرختها واستماتة القائمين عليها كانت دوما وما تزال تمتح من هذا النَّزوع المواطِن.