في الذكرى 36 لـ”تافسوت ايمازيغن”.. الحركة الأمازيغية في مواجهة ديكتاتورية النظام الجزائري

12990907_215735922138363_1885541680135187824_n

إعداد: الباحث والإعلامي محمد بوداري

يخلد سكان القبايل، اليوم الاربعاء، ومعهم أمازيغ شمال افريقيا والدياسبورا الذكرى 36 لـ”تافسوت إيمازيغن” (الربيع الامازيغي) الذي انطلقت شرارته عقب قرار منع (تأجيل) محاضرة كان سيلقيها الاب الروحي للحركة الامازيغية، مولود معمري، يوم 10 مارس 1980 بجامعة تيزي وزو حول الشعر القبايلي القديم.. 

ويأتي تخليد الذكرى 36 لهذا الحدث التاريخي الهام، الذي يعد محطة فارقة في تاريخ الحركة الامازيغية بالجزائر وسائر بلدان تامزغا، في ظل حراك شعبي على كل الجبهات والأصعدة بموازاة انسداد الآفاق السياسية والاقتصادية أمام النظام الجزائري الذي يواصل لعب ورقة “رص الجبهة الداخلية” في مواجهة “أعداء” وهميين و”مناورات خارجية” متربصة بوحدة الجزائر..وهي اسطوانة مشروخة دأب النظام على العزف عليها ولم يعد الجزائريون بمختلف انتماءاتهم يثقون بها.. 

لقد كانت لأحداث الربيع الامازيغي سنة 1980 آثار قوية على مسار النضال الامازيغي، سواء داخل الجزائر او في دول الجوار وبلدان تواجد “الدياسبورا” الامازيغية خاصة باوربا وكندا، كما ان هذه المحطة ساهمت بشكل كبير في حلحلة الوضع السياسي بجزائر الحزب الواحد والمركزية المفرطة.. 11138116_956947354336674_3721234477457529736_n

ويمكن اعتبار احداث “تافسوت ن إيمازيغن” بمثابة الشرارة التي ساهمت في تسريع الاحداث السياسية في الجزائر والتي افضت إلى حراك 1988 ، وما تلاه من اعتراف بالتعددية السياسية والحزبية وفك الحصار الذي كان نظام العسكر والمخابرات، تحت غطاء سياسي للحزب الواحد والوحيد “FLN“(جبهة التحرير الوطني)، يفرضه على الشعب الجزائري وقواه الحية.. 

وبعد انفراج نسبي في الجزائر مع نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين، عاد نظام العسكر والمخابرات لفرض قبضته الحديدية وهيمنته على الدولة في الجزائر بعد إلغاء الجيش الجزائري لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في السادس والعشرين من ديسمبر عام 1991 ، والتي فتحت الباب أمام دخول الجزائر في نفق مظلمٍ ومجهول افضى إلى حرب اهلية خلال “العشرية السوداء” ومنحت للنظام “العسكراتي” فرصة ذهبية لتصفية خصومه السياسيين وكل رموز المعارضة الذين لا يسايرونه في سياسته، وارتكبت على إثر ذلك مجازر بشعة في حق المدنيين عادةً ما كانت تنسبها السلطات للجماعات الإسلامية المسلحة، ولم يسلم من ديكتاتورية النظام أحد آباء الثورة الجزائرية “المجاهد” محمد بوضياف الذي تمت تصفيته، وهو يلقي خطابا في عنابة، على يد ملازمٍ في القوات الخاصة يدعى “مبارك بومعرافي”..

بعد مسلسل طويل من الاعمال الإرهابية- التي لم يسلم منها حتى الرهبان بقرية “تبحرين”- استطاع النظام الجزائري فرض فكرة “المصالحة” و”الوئام” بين افراد الشعب الجزائري، وذلك عبر التسويق لـ”ميثاق السلم والمصالحة الوطنية” الذي قدمه “عراب” العسكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لإنهاء الحرب الأهلية (أو ما اصطلح عليه اعلاميا بالعشرية السوداء في الجزائر)، وبموجب هذا “الميثاق” تم العفو على ارهابيين تورطوا في ذبح وتقتيل الابرياء وغُسلت يد النظام من كل تورط وأي مشاركة في هذه الاعمال الاهابية، رغم ان العديد من الضباط ورجال المخابرات الجزائرية الذين استطاعوا الهروب إلى الخارج كشفوا جوانب أخرى خفية عن تلك المجازر، تشير إلى تورط قوات الأمن وزبانيته في جانب كبير من هذه الحرب المسماة بهتانا “أهلية”، لأنها لم تكن بين افراد الشعب بل كانت رحاها تدور بين النظام والجماعات الاسلاموية المتطرفة من جهة والمدنيين العزل الابرياء وخيرة المثقفين (90 في المائة منهم امازيغ) من جهة أخرى.. 

وبعد ان ضمن بوتفليقة (او لنقل من يحركونه من وراء حجاب)، ثقة الشعب، الذي ارعبته المجازر والإرهاب الاعمى على مدار سنوات من الحرب “الاهلية”، عاد لممارسة نفس النهج الديكتاتوري في حق الشعب عبر قمع وتعنيف المتظاهرين والمحتجين وتكميم افواه المعارضة، وفي هذا الاطار اندلعت احداث “ّتافسوت تابركانت” (الربيع الاسود) سنة 2001، على إثر اغتيال التلميذ ماسينيسا كرماح(17 سنة) الذي تلاه رد فعل قوي من طرف امازيغ القبايل الذين اشعلوا المنطقة بالكامل وأطلقوا شرارة انتفاضة شعبية  أخرى، لا تقل اهمية عن تلك التي اطلقها الجيل السابق سنة 1980.. 

وأعاد “نظام العسكراتي” نفس سيناريو أحداث الربيع الامازيغي سنة 1980، وإن اختلف في بعض تفاصيله، وذلك من خلال تسخير الجيش الجزائري لمواجهة الانتفاضة الامازيغية بالرصاص الحي، أسفرت عن سقوط 126 قتيلاً وإصابة الآلاف بالجروح بالإضافة إلى المئات من المعتقلين .. 

وتطورت الاحداث بالمنطقة بعد انضمام سكان عنابة وبسكرة بومرداس وبرج بوعريريج وسطيف…  إلى حركة الشباب الغاضب في ولايتي تيزي وزو وبجاية تحت تأطير تنسيقية “لعروش”، لتتوج بمسيرة مليونية بالجزائر العاصمة يوم  14 يونيو 2001، وانضمام حزب سعيد السعدي “RCD” (حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية) إلى الحراك الشعبي الامازيغي عقب انسحابه من الحكومة وتبنيه مطالب حركة العروش ..

بعد الإعلان عن تأسيس تنسيقية العروش، تم تبني وثيقة مطلبية عرفت بـ”أرضية القصور”، في 11 يونيو 2001، تضمنت 15 نقطة قالت التنسيقية آنذاك أنها غير قابلة للمساومة، وضمنها الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، ومحاكمة جميع المسؤولين والمخططين والمنفذين للجرائم أمام محاكم مدنية، والرعاية العاجلة من قبل الدولة لجميع المصابين والضحايا وأسر الشهداء ضحايا القمع خلال هذه الأحداث، واعتبار ضحايا الربيع الأسود شهداء، وضمان جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الديمقراطية، ومعارضة سياسات التخلف وإفقار الشعب، ورحيل وحدات الدرك الوطني عن منطقة القبايل، وتسليم مهمة الأمن إلى المنتخبين المحليين..

وقد حاول النظام الجزائري الالتفاف على مطالب الحركة الامازيغة  وشن حملة اعتقالات في صفوف مناضليها وشوه صورة البعض الآخر، وحاول تقسيم الحركة عبر زرع بذور التفرقة بين مناضليها واستعمل ورقة التخوين في وجه العديد منهم، وأدرج الامازيغية كلغة وطنية في التعديل الدستوري لسنة 2002 بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حاول فك العزلة القاتلة عن النظام وإسكات الاصوات الاحتجاجية..

وبغض النظر عن مآل النضالات الامازيغية بالجزائر ومخرجات الحوار حول “ارضية لقصور”، فإن مسار الحركة الامازيغية بالجزائر علمنا ان مستقبل الامازيغية ووضعها يتطلب تضافر جهود كل ابناءها بمختلف توجهاتهم الايديولوجية واختياراتهم السياسية وانتماءاتهم الطبقية وهو ما وقع إبان الربيع الامازيغي عندما التحقت كل اطياف المجتمع القبايلي بالربيع الامازيغي قبل ان تتفرق بهم سبل السياسة، وهو نفس الدرس الذي علمتنا اياه احداث الربيع الاسود(تافسوت تابركانت) سنة 2001 وما رافقها من اجماع والتفاف حول تنسيقية لعروش كممثل ومحاور اساسي ووحيد لحركة الاحتجاج بالقبايل، قبل ان ينجح نظام العسكر في كسر شوكة التنسيقية وزرع بذور التفرقة بين المناضلين، وهو ما عطل امكانيات الحوار بينهم ..

ان انسداد افق الحلول السياسية امام مطالب الحركة الامازيغية بالجزائر جعل العديد من مناضليها يلتحقون بحركة الـ(MAK) من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، التي اعلنت تشكيل “حكومة قبائلية موقتة” بالمهجر في باريس،  برئاسة المناضل والفنان فرحات مهني، وذلك لإنهاء ما وصفته بـ”الظلم والاحتقار والهيمنة” التي يمارسها النظام الجزائري على امازيغ القبايل..

هذا الانسداد الفظيع لكل أمل في تغيير النظام “العسكراتي” في الجزائر دفع فرحات مهني للقول يوما بأن “الجزائر” هي مشكلتنا في الجزائر، وطالما هناك دولة اسمها الجزائر فإن أي امل في الديمقراطية والاعتراف بالتعددية والاختلاف مستبعد، لان الدولة المبنية على الاقصاء والمركزية لا يمكن ان تكون ديمقراطية ابدا.. 

لقد تجاوزت حركة الـ”MAK” وحكومتها في المنفى الـ”ANAVAD“، مقترح الـ”RCD” (التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية)، الذي يقوم على فكرة الجهوية المعدّلة وكذا الطرح الفيدرالي الذي تبناه حزب الحسين ايت احمد الـ”FFS” (جبهة القوى الاشتراكية) وكل المطالب الثقافية، وبات من المستحيل تراجع رفاق فرحات مهني عن قناعاتهم بخصوص تقرير مصير منطقة القبايل وتمتعها باستقلالها الذاتي، وهو ما يرفضه النظام الجزائري في تناقض صريح وصارخ مع موقفه الداعم والمخلص لفكرة تقرير مصير “إخوانه الصحراويين” أصحاب أطروحة جمهورية الوهم العربية، وهو ما افصح عنه الوزير الاول الجزائري عبد المالك سلال، يوم 16 ابريل الجاري، خلال حفل اختتام تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لعام 2016 الذي حضر نيابة عن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، ووجه خطابا مبطنا فيه كثير من التحذير لـ”MAK” ولكل الداعمين له وذلك أياما قليلة قبل انطلاق المسيرات والتظاهرات التي قررت الحركة تنظيمها بمختلف مدن وقرى القبايل…

 

شاهد أيضاً

“صدى وتأثير معركة أنوال في الأوساط المحلية والعالمية” محور ندوة بالحسيمة

تخليدا للذكرى 25 لعيد العرش والذكرى 103 لمعركة أنوال الخالدة، تنظم النيابة الإقليمية للمندوبية السامية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *