من مظاهر عبقرية اللغات الإنسانية وعوامل غناها أنها تمر من مراحل تبدُّل وتغيّر تاريخية عادة ما لا يكون متكلمو اللغات واعين بها بنفس المعنى الذي لا يكونون به واعين بما يطرأ على أجسادهم من تغير وتبدّل والعمر يتقدّم بهم من سن إلى سن ومن مرحلة عمرية إلى أخرى. سأبين للقارئ الكريم، في هذا المقال، بعض جوانب تطور ألفاظ ومعاني الأعداد في اللغة الأمازيغية حتى نكتشف مظهرا آخر من مظاهر عبقرية هذه اللغة العريقة.
الأعداد في الأمازيغية الأصلية
الأعداد الأمازيغية الأصلية التي أعاد بناءها پراس سنة 1974 باستعمال المنهجية المقارنة التي يستخدمها علماء اللسانيات التاريخية هي كما يلي:
1ـ ييوان = واحد (تنطق اليوم “يان”)
2ـ سين = إثنان (مؤنثها: سِنات) (تنطق اليوم “سين”)
3ـ كاراض = ثلاثة (تنطق اليوم “كراض”)
4ـ هاكّيز (بتفخيم الزاي) = أربعة (تنطق اليوم “كوز”)
5ـ سامّوس = خمسة (تنطق اليوم “سمّوس”)
6ـ ساضيس = ستة (تنطق اليوم “سضيس”)
7ـ ساه = سبعة (تنطق اليوم “سا”)
8ـ تام = ثمانية (تنطق اليوم “تام”)
9ـ تزاه (بتفخيم الزاي) = تسعة (تنطق اليوم “تزا”)
10ـ ماراو = عشرة (تنطق اليوم “مراو”)
11ـ تيميهضاي = مائة (جمعها تيموهاض) (تنطق اليوم تيميضي)
12ـ أڭيهيم = ألف (تنطق اليوم “إفض”)
من التغيرات التاريخية التي طرأت على نطق الأعداد أن الصامت المبسوط /ي/ في العدد أربعة (هاكّيز) قد تحول إلى صامت مدور في كثير من التنويعات المعاصرة. فنقول “أوكّوز” في تاهاڭّارت، و “كوز” في السوسية، و”أقّوز” في غدامس، و”أكوز” في الزناڭية. ومن التغيرات المثيرة أن أسماء الأعداد العشرية اختفت من العديد من التنويعات فلم يحتفظ بها سوى بعضها القليل مثل الزناڭية حيث تسمى 20 “تاشيندا” بصامت نهائي مشموم (نقلها نيكولاس 1953 بصيغة “تاشّندا”) و 30 “توكارضا” (باسي 1909) تنطق اليوم: “كارضات تمارين”.
أما في تنويعة الغوانش الأمازيغية بجزر الكاناري فقد تأثر نطق الأعداد الأمازيغية تأثرا كبيرا بلغات أخرى فصات هذه الأعداد تنطق كما يلي:
1ـ نايت = واحدا (تنطق “بين” في لهجة تينيريفي)
2ـ سميتّي = إثنان (تنطق “لين” في لهجة تينيريفي)
3ـ أميلوتّي = ثلاثة (تنطق “أميات” في لهجة تينيريفي)
4ـ أكوديتّي = أربعة (تنطق “أربا” في لهجة تينيريفي، تأثرا باللفظة العربية “أربعة”)
5ـ سيموسيتّي = خمسة (تنطق “كانزا” في لهجة تينيريفي، تأثرا بالإسپانية)
6ـ سيسيتّي = ستة (تنطق “سوموس” في لهجة تينيريفي، محتفظة بالأصل الأمازيغي)
7ـ ساتّي = سبعة (تنطق “سات” في لهجة تينيريفي)
8ـ تاماتّي = ثمانية (تنطق “سيت” في لهجة تينيريفي)
9ـ ألدا مورانا = تسعة (تنطق “أكوت” في لهجة تينيريفي)
10ـ ماراڤا = عشرة (تنطق “ماراڭو” في لهجة تينيريفي تنويعة ل”مراو” بدون شك)
فلم تحتفظ لهجة الڭوانش من الأمازيغية الأصلية سوى بسبعة أعداد.
في معاني الأعداد في الأمازيغية الأصلية
أسماء الأعداد في الأمازيغية مشتقة من معانٍ عامة (غير عددية) نستطيع أن نستعيدها باستعمال المنهجية التاريخية المقارنة. فالعدد الأصلي الدال على “واحد” هو “يوايْن” قد تكون منطوقة “إيّاوايْن” إذ لا تزال لهجة تينريفي الكنارية تحتفظ بواوها باءً (“بين”). والمعنى الأقدم لهذه اللفظة هو “أن تكون وحيدا أو فريدا”. فيكون الأصل في الواحدية أمازيغيا “الوحدة والفرادة” (پراس 1974:404).
أما العدد 2 “سين” فهو مشتق من أصل يعني “كلاهُما” ويعني “الجمع السّلمي بين اثنين”. من ذلك اللفظة القبايلية “إسنين” مؤنثها “تيسنين” معناها “كلاهما”، والسريانية “شايّين” التي معناها “الجنوح للسلم”، والڭيزية “سنأ” التي تعني “اتفاقية سلم”.
والأصل في اللفظ الدال على 3 وهو “كراض” هو معنى “الحَكّ” (زيهلارت 1950) لأن الأصبع الثالث هو الذي يستخدم في الحكّ. من ذلك أن تنويعة التوارڭ لا زالت تحتاج لفعل “إكرض” الذي معناه “حكّ”، وهو عين اللفظ الذي يستعمل في الدارجة المغربية “كرّط”.
أما الصيغة الكاناراية للعدد 3 “أميات” فالأرجح أنه من القبطية القديمة “حمت” حُذفت حاؤها كما حذفت حاء “حُر” القبطية التي تعني “عند” فصارت “عور” في الليبية و”غور” في العديد من اللهجات الأمازيغية الأخرى (زيهلارت 1950)
والأصل في “كوز” وهو اللفظة الدال على العدد 4 “أڭو ـ كوز” أو “أوو كوسور” الذي معناه “ابن الخاتم” أي الأصبع الذي يوضع فيه الخاتم عند الأمازيغ. ويتكون لفظ “سمّوس” الدال على العدد 5 من الحرف “س” الذي معناه “إلى” أو “نحو”، و”مّوس” التي من جنس “أمّاس” تعني في بعض اللهجات مثل الغدامسية والسوسية “وسط”، فيكون معنى “سمّوس” “الإتجاه نحو الوسط”، إشارة إلى أن العدد 5 هو واسط 10، العدد الكامل لأصابع اليد.
والأرجح أن أصل “سضيص” سامي ـ فينيقي وهو “شيد ـ شيد” الذي معناه “ثلاثة ـ ثلاثة” أي تكرار العدد “ثلاثة”. من الشواهد على ذلك أن العدد 6 في التنويعة الزناڭية لا يزال ينطق “شوضيشاض”. واللفظ الأصلي ل “سا”، اللفظ الأمازيغي الدال على 7، هو “هيسّاه” الذي يصعب تقدير معناه.
وأصل “تام” لفظ 8 هو ترخيم “تامونت” التي تعني “الرفقة” لذلك يسمى العدد 8 في بعض المناطق ب”تمونت” بصامت مشموم بعد التاء الأولى. أمّا “تزا” فهي كلمة مركبة من سابق/لاحق أمازيغي يدل على الزيادة وهو “تا ــ آه” يُضاف إلى “كوز” فيصير: “تا ـ كوز ـ آه” معناها “أربعة زائدة” (صارت “تاوكزا” و “توضا” في الزناڭية)، وهي أصل “تزا” بزاي مفخمة.وقد يكون هذا أيضا أصل “تام” لفظ 8 بحيث نشتقة من القبطية “حمت” نلحق بها السابق/اللاحق “تا ــ آه” فتصير “تاماه”.
وأصل “مراو” هو “مورين” لا زالت تستعمل في النيلية الغربية بمعنى “الكل”، ومنها “مارا” التي تستعمل في الريفية بنفس المعنى.
خلاصة
الأعداد الأمازيغية من مكونات اللغة الأمازيغية التي ينبغي أن نتعمق في فهمها لفهم تطور العقل الأمازيغي عبر العصور.