في ذكرى الحرب العالمية الأولى.. غوتيريش يذكّر قادة العالم بأهمية التعددية في التصدي لتحديات العصر

تغير المناخ والهجرة والثورة التكنولوجية، كانت أهم التحديات الوجودية التي طغت على خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في منتدى باريس للسلام الذي انعقد أمس الأحد 11 نونبر الجاري، في العاصمة الفرنسية، في الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى، بحضور رؤساء وملوك وقادة عدد من دول العالم، من بينهم العاهل المغربي، الملك محمد السادس، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى..

و أشار غوتيريش، أن الحل يكمن في تعددية الأطراف، التي لم تعد مجرد أمل بل ضرورة أكثر من أي وقت مضى. إذ أسفرت التعددية عن نتائج لا يمكن إنكارها، من بينها: انخفاض وفيات الأطفال إلى أكثر من النصف منذ عام 1990، وانخفاض نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع من 36% إلى 8%، واستئصال الجدري بفضل حملات التلقيح التي قامت بها منظمة الصحة العالمية، ومنع 7.6 مليون حالة وفاة بسبب الإيدز. واليوم، نحن على وشك القضاء على شلل الأطفال، بحسب الأمين العام.

وفي مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، ساعد أكثر من مليون رجل وامرأة من 125 بلدا في بعثات حفظ السلام على مدى السنوات السبعين الماضية في “منع انتشار الأزمات وحماية المدنيين ودعم العمليات السياسية”.
ومن هذا المنطلق، أوضح غوتيريش أن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد محطات هامة ذات صلة بهذه القضايا الثلاث، تغير المناخ والهجرة والثورة التكنولوجية.

تغير المناخ.. تحد وجودي للبشرية

وأوضح الأمين العام أن النسخة الرابعة والعشرين من مؤتمر المناخ (COP 24)، الذي سينعقد في بولندا الشهر المقبل، ستمثل خطوة رئيسية في تنفيذ اتفاقية باريس. وقال إن الدول أظهرت أنه لا يزال ممكننا التوصل إلى اتفاق دولي بشأن واحدة من أكثر القضايا تعقيدا، مشيرا إلى أن “هذه الفرصة لن تأتي مرة أخرى. إذ لا يوجد بديل لهذا الاتفاق”.

وبالإضافة إلى ذلك، سينظم الأمين العام في عام 2019 قمة المناخ لاستنباط المزيد من المساهمات الوطنية الطموحة للحد من انبعاثات الكربون، وارتفاع درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية. كما ستعمل القمة أيضا للحفاظ على الوعد بحشد 100 مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية في التغلب على آثار تغير المناخ.
ودعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى التحلي بالجرأة في التفاوض على صك قانوني لحماية التنوع البيولوجي في أعالي البحار، لأهمية المحيطات، التي تغطي 73% من سطح الأرض، في استيعاب ثلث انبعاثات الكربون الناتجة عن النشاط البشري.

تعاملنا مع تحركات الهجرة معيار لقياس إنسانيتنا

وفيما يتعلق بحركات الهجرة، أعلن الأمين العام أنه سوف يزور مراكش في ديسمبر من أجل تبني ميثاق عالمي حول الهجرة، أول إطار دولي لهذه القضية، والذي من شأنه أن “يوفر رؤية مشتركة قادرة على مواجهة التحيز المخزي ضد المهاجرين مع إرساء أساس للتعاون الدولي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية”.
وسلط غوتيريش الضوء على أهمية المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي، على الرغم من كونها غير ملزمة، إلا أنها مفيدة للحكومات في سياسات الحماية والتكامل الخاصة بها وفي تعاونها الدولي.
وفي الوقت نفسه، كرر دعوته للمحافظة على سلامة النظام الدولي لحماية اللاجئين. وقال “بالنسبة لي، فإن هذا النظام مثل القانون الإنساني الدولي، يظل معيارا لقياس إنسانيتنا”.

التكنولوجيا والثورة الرقمية سلاح ذو حدين

أما الثورة والتطورات التكنولوجية، فهي حليف رئيسي في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، كما قال غوتيريش. وعلى الرغم مما فتحته الثورة الرقمية من أبواب لعالمنا إلا أنها لها وجه آخر يمكن استغلاله.
“يمكن للأسف استخدام الإنترنت أيضا للتلاعب في المعلومات. إنه مكان تنتشر فيه الجرائم الإلكترونية، وتستخدمه الجماعات الإرهابية لتعزيز خطاب الكراهية وتجنيد الشباب المبّعد. الخطر الرئيسي اليوم هو الفجوة بين الابتكارات والأطر القانونية، التي لا تتناسب مفاهيمها الأساسية مع العالم الافتراضي.”
وقال الأمين العام إن اليونسكو ستستضيف غدا الاثنين منتدى حوكمة الإنترنت، لتعزيز الثقة في إمكانات الثورة الرقمية لكي تصبح قوة إيجابية للتقدم، بدلا من أن تصبح منتدى لاستهداف البشر ومهاجمتهم وتسخير التكنولوجيا لأغراض عسكرية.

التعددية والتوصل إلى حلول سلمية

ونوه الأمين العام إلى أن الإطار متعدد الأطراف لا غنى عنه في حل أزمات الانتشار النووي، حيث فتحت وحدة مجلس الأمن في التعامل مع الأوضاع في إيران وكوريا الشمالية الطريق أمام الحلول المتفاوض عليها في عامي 2015 و2018. وعلى النقيض، فإن التدخل أحادي الجانب، أو من جانب مجموعة واحدة من الدول، ليس تعددية ولا يضمن النجاح، مستدلا على ذلك بالتدخل في العراق، الذي وصفه بأنه لا يساعد في تحسين صورة التعددية.
“تعددية الأطراف التي تشكل الآن جزءا من حياتنا اليومية مهددة بالانهيار، في وقت تشتد فيه الحاجة إليها. لقد كان إرثها ذا قيمة لا تقدر بثمن؛ نبضة دفعت بالخراب خلف عضوية الإنسانية المشتركة.”

ذكرى الحرب العالمية الأولى والدروس المستفادة منها

وفيما يحي العالم الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، أشار غوتيريش إلى أنه “على مدى المائة عام الماضية، تحولت الرغبة في تسوية النزاعات بشكل سلمي على أساس قواعد مشتركة، إلى نظام عالمي من المؤسسات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية”.
وقال الأمين العام إن هذا النظام يستند إلى القيم التي تم التأكيد عليها في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمد في باريس قبل 70 عاما. وأضاف:
“يجب ألا يطغى الرعب أبدا على الأمل… الأمل الذي أدى إلى تطور تعددية الأطراف في القرن العشرين. وهو نفس الأمل الذي انعكس أيضا في المصالحة بين فرنسا وألمانيا وفي بناء أوروبا.”

بعثات حفظ السلام كمثال ناجح للتعددية

وبالنسبة للأمين العام، يبقى منع نشوب الصراعات وحلها أولوية قصوى. إذ “لا يجب أبدا ألا نقبل بمحنة ضحايا العنف والأعمال الإرهابية في سوريا أو اليمن أو مالي أو ميانمار،” بحسب قوله. ومن هنا تشتد أهمية العمل المنسق بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي من خلال شراكات خاصة. وقال غوتيريش: “بينما نتكلم، فإن حفظة السلام التابعين للبعثة ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف والمنظمات غير الحكومية، مثل منظمة أطباء بلا حدود، يعملون جنبا إلى جنب مع حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لمنع انتشار وباء الإيبولا في شرق البلد.”
كما سلط الأمين العام الضوء على فعالية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من حيث التكلفة. فوفق تقدير صدر عن مكتب المحاسبة الأميركي، كانت أي عملية وطنية لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى على سبيل المثال ستكلف الولايات المتحدة عشرة أضعاف ما كلفته بعثة الأمم المتحدة.

“الواقع أن التعددية هي ضرورة وأمل على حد سواء لـ 65 مليون لاجئ ونازح في العالم. لقد أقنعتني السنوات العشر التي أمضيتها كمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنه لا يمكن تجنب ألم التشرد إلا من خلال منع نشوب الصراعات وتحسين إدماج جهود التنمية وحماية حقوق الإنسان في عملنا لبناء السلام.”

* الأمم المتحدة

Children are among the migrants from Central America who are walking north towards the United States. Here they are pictured on the streets of Tapachula, Chiapas, Mexico. 21 October 2018.

اقرأ أيضا

جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر

أثنى متداخلون مغاربة وجزائريين على دور المقاومة المغربية في احتضان الثورة الجزائرية ودعمها بالمال والسلاح، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *