في مثل هذا اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 2015/2965 رحل عنا الفنان الأمازيغي الكبير عموري مبارك وهو في أوج عطاءاته الفنية عن عمر64 سنة. وهو واحدا من مؤسسي مجموعة اؤسمان (1975) التي تنتمي إلى مدرسة المجموعات (إزنزارن، لقدام، …).
يعتبر الفنان عموري مبارك رحمة الله عليه، كما قلنا، واحدا من روافد الأغنية الأمازيغية العصرية بالمغرب و بشكل خاص في صنف الأغنية الأمازيغية السوسية وأحد الوجوه البارزة للأغنية الأمازيغية الملتزمة و كان حسب العارفين بخبايا الأمور من المساهمين في ظهور هذه الأخيرة بالريف أيضا.
وفي هذا الصدد يعترف الأستاذ محمد صلو في تصريح إذاعي يوم 29-06-2013 حيث قال إن: “بفضل عموري مبارك ظهرت الأغنية الأمازيغية الريفية الملتزمة، وكان ذلك أيام جمعية الانطلاقة الثقافية” ويضيف: ” كما كان إذ ذاك بعد كل سهرة فنية تناقش الأغاني التي غنت في تلك السهرة” انتهى كلام الأستاذ محمد صلو.
ولفهم المزيد عن تاريخ هذه العلاقة الوطيدة بين عموري مبارك و الريف يمكن العودة إلى ما قبل مرحلة جمعية الانطلاقة الثقافية التي كان فيها عموري منخرطا مع المرحوم الأستاذ القاضي قدور والأستاذ قيس مرزوق الورياشي، و أحمد الصقلي في تجربة ” الجامعة الشعبية” بالناظور.
وللإشارة، فجمعية الانطلاقة الثقافية تأسست بتاريخ 29يناير1978 وهي أول جمعية ثقافية أمازيغية تتأسس بمدينة الناظور بالريف بعدما “كانت ثقافة الريف منذ 1958-1959 شبه ممنوعة” ( الأستاذ محمد اقوضاض في حوار ليلي مع إذاعة طنجة في:21/07/2010).
ومن بين مؤسسيها نذكر منهم على سبيل المثال: الأستاذ قيس مرزوق الورياشي، قاضي قدور، ومحمد طحطاح، و محمد ميرة، وأحمد القادري، و محمد الخرباشي، ومحمد بوزيان وغيرهم. “قاعدة الجمعية كانت تقدمية ديمقراطية منفتحة على جميع الفئات الشعبية، وكان حسب الأستاذ محمد ميرة ” يحذو كل المناضلين طموح الوصول إلى مجتمع ديمقراطي والدفاع عن الثقافة الأمازيغية”.
ومن ثم، ظهرت المجموعات الغنائية الملتزمة كفرقة اينومازيغ التي كانت منضوية تحت لواء هذه الجمعية- جمعية الانطلاقة الثقافية طبعا.
“جاءت هذه التجربة الفنية في خضم بداية تحول الوعي التقليدي بالهوية إلى الوعي العصري”(الشعر الأمازيغي بالريف مقاربة تاريخية (الجزء3) ايماني قسوح، عبد المطلب الزيزاوي- جامعة محمد الأول وجدة).
وفي هذا الإطار يقول أيضا الفنان الوليد ميمون :” وفي السبعينات خلقت أغنية جديدة كبديل معاصر وذات أهداف وطنية و إنسانية نبيلة جاعلة من التراث مادتها الأولية، ومن المعاصرة مفهوما و تفتحا حضاريا على الآخر دون فقدان الهوية، وهذا يرجع إلى أن المتعاطين لهذا النوع من الغناء متعلمون و مثقفون، ويعود الفضل في ذلك إلى دور الجمعيات الجادة، مثل جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور التي فجرت هذا الوعي، وقد تأسست عدة فرق أخرى تجتهد من أجل خلق أغنية شعبية أمازيغية ملتزمة بقضايا الإنسان المغربي و الإنسان كبعد كوني، وأعتبر تجربتي لا تخرج عن هذا السياق.” ( الأغنية الشعبية في الريف: تاريخ و تجارب. الوليد ميمون-جريدة كواليس الريف العدد 106/01-07/2001).
إن عمور أمبارك حسب الأستاذ محمد صلو لم يعد له الفضل في ظهور الأغنية الأمازيغية الريفية الملتزمة فحسب بل ساهم أيضا في إخراج الأغنية العصرية الأمازيغية الريفية إلى الوجود.
وفي هذا السياق يقول محمد صلو إن : ” الأغنية العصرية الأمازيغية الريفية ساهم الفنان عموري أمبارك في إخراجها إلى الوجود عبر التعاون مع مجموعة من فناني تلك المرحلة و يقصد، طبعا، مرحلة السبعينات و بداية الثمانينات، هذه الأغنية العصرية حدثت قطيعة بشكل تام مع الأغنية الأمازيغية الريفية التقليدية التي كانت من ابرز الفنانات في هذا الصنف يوم ذاك، الفنانة ميمونت نْ سروان.” ( ليلة الاحتفاء بعموري مبارك و تكريمه في الإذاعة الوطنية 29-06-2013.)
وفي المقابل، هناك من المهتمين من يذهب مذهبا آخر في هذا الموضوع ومنهم الأستاذ الباحث في اللسان الأمازيغي بجامعة محمد الأول- وجدة وهو الأستاذ العادك مصطفى إلى أن ” أحمد شعطوف، و عبد الحميد التمسماني، و يمينة الخماري وهم فنانوا الريف في الخمسينات و بداية الستينات هم من فتحوا الباب على مزج الآلات العصرية( العود، الدربوكة، الكمان) إذ من قبل كانت الآلات النفخية كالزمار ذو قرنين و الناي و أدجون، مع الحفاظ على خصائصها الريفية و أصالتها.” ( برنامج ثوسنا سِ زوران ناس، الإذاعة الوطنية/ قسم الأمازيغية الريفية بتاريخ 09-03-2013.)
وفي سياق هذه المرحلة لم يعرف المنتوج الغنائي الأمازيغي الريفي أي تطور أو انتقال فعلي من إزري إلى مرحلة التسجيل، بل حافظت هذه الأغنية على فطرتها و تقليدها للموسيقى الشرقية و أحيانا يأخذ الأمر بعدا مغاربيا حتى جاءت المرحلة الثانية التي ابتدأت مع ظهور جمعية الانطلاقة الثقافية بمدينة الناظور، و الكلام دائما للأستاذ العادك المصطفى، التي كانت فضاءا ثقافيا جديدا لظهور وولادة أغنية جديدة بالريف كتلك التي أنتجتها المجموعات الغنائية مثل : إصفضاون، وإيريزام، وأينو مازيغ، و بنعمان، و…وغيرها من الفرق الموسيقية الغنية عن كل تعريف. وقبل هذه التجارب كلها، كانت قد تأسست نهاية سنة 1970 فرقة موسيقية باسم “أمازيغ73” كان محمد الطوفالي عضوا فيها. هذا الأخير- بحسب الأستاذ العادك المصطفى- من ناحية القيثارة بدأ قبل الوليد ميمون(ظهور الأغنية الفردية محمد الطوفالي، الوليد ميمون، إثري موريما) في تحديث الأغنية الأمازيغية الريفية.
ويتفق معه في هذا الأمر أيضا، الأستاذ محمد ميرة حيث يقول إن ” أحمد شعطوف هو الذي أعطى الانطلاقة لما يسمى حاليا بالأغنية العصرية” ( برنامج مكور ثوسنا س ييرسْ أناسْ، الإذاعة الوطنية/ قسم الأمازيغية الريفية في 01-06-2004) أما هلهول مصطفى (عضو في فرقة بنعمان) فكان له رأي آخر في حكاية بداية عصرنة الأغنية الأمازيغية الريفية ويقول في هذا الموضوع: إن مرحلة الأغنية العصرية بدأت مع ظهور مجموعة إثران التي ظهرت سنة1985″( برنامج إذاعي بالإذاعة الوطنية قسم الأمازيغية الريفية بتاريخ 03-08-2000).
عود على بدء، إن الالتزام كما يفهمه عموري أمبارك كما جاء في حوار له منشور في جريدة ثامازيغت العدد 32 السنة الأولى الخميس 12 غشت 1999.) الإلتزام ” هو أن أنتج عملا متكاملا يقنعني ويقنع الجمهور و يعجب به، وليس أن أردد شعارات حسب المناسبات لذلك لم انخرط أبدا في حزب أو حتى في جمعية حتى لا أكون مقيدا بأفكار ضيقة”.
وارتباطا بهذه القناعة ساهم المرحوم عموري مبارك في تأسيس مجموعة اؤسمان كأول مجموعة أمازيغية عصرية مع كل من: بلعيد العكاف، و طارق المعروف،و سعيد بوتروفين، وسعيد بيجعاض، واليزيد قرفي. وكان ذلك سنة 1975م، والتي لم تستمر طويلا، عمرت فقط ما بين سنتي 1975و1980.
بدأت هذه المجموعة الفنية تشق طريقها بالاعتماد على النص الغنائي الملتزم من ابداع شعراء معاصرين من العيار الثقيل ونشطاء في الحركة الثقافية الأمازيغية و بالأخص أعضاء الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مثل الأساتذة المرحوم إبراهيم أخياط، وعمر أمرير و المرحوم علي صدقي أزيكو ومحمد مستاوي الذي يقول حول تجربته مع هذه المجموعة الغنائية الجادة أنه:” صادف انتمائي لهذه الجمعية، ويقصد طبعا الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي، تكوين مجموعة اؤسمان من طرفها خدمة للأغنية الأمازيغية التي كانت تعاني من مرض الشيخوخة إن صح التعبير، واستقبالها الجمهور بالترحاب…
وقد اختارت المجموعة اؤسمان من قصائده (ويقصد ديوانه الشعري الأول ائسكراف الذي طبع سنة 1976.) أغنية”ثابرات”/ الرسالة التي غنتها في مسرح الألمبيا بفرنسا وسجلتها هناك لمؤسسة بوسيفون. توفرت فيها عناصر الكلمة الهادفة و اللحن الرائع و حنجرة قوية للفنان عموري مبارك”.( جريدة أكراو امازيغ من 10 يوليوز إلى 16 منه 1998).
هذا بالإضافة إلى تعامل اؤسمان مع شعراء آخرين أمثال الجشتيمي و أحمد وزيد.
هذه المجموعة الغنائية، قامت آنذاك، بتوظيف لآلات موسيقية غربية من قبيل الأكورديون و الكمان و القيثارة، إلى جانب إدخالها لنظام الصولفيج لتقديم أغنية أمازيغية عصرية و حديثة في صيغة متكاملة.
يقول الأستاذ محمد شفيق في هذا الصدد:” وقد ظهرت في الثلاثين سنة الأخيرة حركة تجديد لقوالب الشعر في مناطق مختلفة، لاسيما في الشعر المتغنى به، أخذ مغنون شباب يقلدون أنماط الموسيقى العصرية أمثال العموري في المغرب، وايدير، وجمال علام، في الجزائر، وقد انتشر صيت المجموعات الغنائية الآتية:” اؤسمان= البروق…” ( لمحة عن ثلاثة و ثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين).
وبعد ذلك انتقل عموري أمبارك إلى الغناء بشكل فردي كاستمرار للمسار الفني الغنائي الذي بدأه مع مجموعة اؤسمان، التي تفككت وانفصلت عناصرها بعد أربع سنوات من الاشتغال.
ومنذ انطلاقته في هذه التجربة الجديدة، ارتبط عموري أمبارك بشعر الراحل المناضل علي صدقي أزيكو حيث لحن وغنى له معظم قصائد دوانيه الشعريين “تيميتار” و”إزمولن”.
ويعتبر الأستاذ المرحوم علي صدقي ازيكو” عميد الشعر الأمازيغي الحديث بلا منازع، ورائد الكتابة الإبداعية الجديدة و الملتزمة”( جريدة ثاويزا العدد 90 يوليوز2005.)
وشارك عموري أمبارك في عدة مهرجانات غنائية، محلية ووطنية، ونال منها جوائز عدة أيضا، وكان من بينها مهرجان الأول للأغنية بالمحمدية في دجنبر1985، بأغنية Janvillier التي نال بها الجائزة الثالثة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلا بد أن نستحضر هنا المشاركة المشرفة، آنذاك، للفنان الوليد ميمون في هذا المهرجان الأول للأغنية المغربية، برائعته” ⴰⵜⴰⵃ ⴰⵜⴰⵢⵎ“. وجاءت هذه المشاركة بعد الحجز و المنع الذي طال شريطه الغنائي الأول “أجاج” الذي يتضمن روائع ستبقى خالدة في الذاكرة ك ” ⴷⵛⴰⵔ ⵢⵏⵓ “،” ⴷⵓⵏⴰⵏ ⴱⵓ ⵢ“، «ⵉⴵⵉⵙ ⵉⴷⵓⵔⴰⵔ » والذي سجله سنة 1981 بالإشتراك مع الفنان عموري أمبارك. كان ذلك اللقاء بحق “لقاء السحاب”. في هذا السياق يشير الفنان كريم المرسي في تصريح له بمناسبة تكريم الفنان عموري أمبارك بالإذاعة الوطنية 29-06-2013 إلى أن:” عموري امبارك هو من عاون الوليد ميمون على تسجيل أول ألبومه الغنائي توزيعا بالتأكيد.
ولا ننسى ختاما، ونحن نعيش ذكرى رحيل الفنان العموري فبلإضافة إلى هذه المشاركة التي حكينا عنها أعلاه، هناك قصيدة باللغة الأمازيغية الريفية كتب كلماتها الأستاذ الورياشي قيس مرزوق يقال أنها غناها الفنان الوليد ميمون بمشاركة الفنان عموري أمبارك وهي قصيدة “ⵜⴰⵡⴰⵔⵜⵓⵊⴰⵏⵏⴰ” لكن هذه الأغنية لم يظهر لها أثر لا في الكاسيط ولا في الإذاعة الوطنية، يقول ناصر إصفض ( عضو في مجموعة إصفضاون الشهيرة) ذات حوار مع إذاعة ثطاوين الجهوية وكان ذلك سنة 1999 في برنامج ثغواوين نْ اووسانْ الذي كان يعده و يقدمه الإعلامي المقتدر أحمد ثاعمنتي.
للتذكير فقط: فمجموعة إصفضاون يقول ناصر إصفض في ذات الحوار- المشار إليه أعلاه- هي المجموعة الغنائية الأولى التي ظهرت على الساحة الغنائية بازغنغان إنطلاقا من جمعية “المسيرة الثقافية” وبعد ذلك انخرطنا في جمعية “زرياب” ثم جاءت جمعية “الإنطلاقة الثقافية” .
بقلم: عبد الكريم بن شيكار