فقدت قبيلة مستي يوم أمس الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 أحد رجالاتها وإحدى أعمدتها وهو المسمى قيد حياته عمر بوعشرة . مربي الأجيال ليس فقط مستي وإنما في الجماعات الأخرى المجاورة لها. كان يشتغل رحمة الله عليه طباخا في دار الطالب بمركز الجماعة لعقود من الزمن، ومنها فترة ما بعد سنة 1994 حيث تم افتتاح اعدادية مستي بدون داخلية والتي كانت تستقبل تلاميذ جماعة مستي وجماعة اصبويا وجماعة تانكارفا وجماعة املو وجماعة امي نفاست، أي الجماعات الخمس التي كانت تشكل النفوذ الترابي لقيادة مستي قبل التقسيم الحالي، إضافة إلى بعض التلاميذ من جماعة تيوغزة . ومادام أن وزارة التربية الوطنية قامت ببناء اعدادية في منطقة قروية وفقيرة جدا بدون تشييد داخلية تأوي التلاميذ الذين يلتحقون بها من جماعات ودواوير بعيدة ونائية ، فإن دار الطالب المعروفة بالخيرية هي التي تتكفل باستقبال هذا العدد الكبير من التلاميذ الذكور. أما الاناث فلم يكن لهن الحظ في ذلك الوقت من استمرار دراستهن.
لم أعد اتذكر العدد الاجمالي من التلاميذ الذين كانوا يقطنون في خيرية مستي، كان القسط الاول من هؤلاء يتناول وجبة الغذاء ويعود الى منزل عائلته في المساء خاصة ابناء دواوير جماعة مستي، أما القسط الثاني فكان يقطن الليالي داخل الخيرية، وقد كان يتراوح عدد القسط الثاني ما بين 120 تلميذا إلى 140 . ويرتفع العدد الاجمالي الذين يتناولون وجبة الغذاء داخل هذه المؤسسة إلى حوالي 200 تلميذ يوميا ماعدا يومي السبت والاحد.. فلكم أن تتصوروا كيف يكون العمل داخل مطبخ عليه أن يقدم ثلاث وجبات يومية لهذا العدد من التلاميذ في ظروف اشتغال صعبة وقاسية وداخل مطبخ عادة ما يعاني من انقطاع متكرر للماء المالح أما الصالح للشرب فكان منعدما.
كان المرحوم عمر بوعشرة رحمه الله هو سيد مطبخ هذه المؤسسة الاجتماعية، كان هو الذي يقوم بطهي الوجبات الغذائية الثلات ويقدما للتلاميذ بمعية أعوان آخرين . كان المرحوم يمتاز بشخصية مرحة جدا، له خصال حميدة كثيرة ومتعددة، كان مجدا يحب مهنته ويتعامل مع التلاميذ بلطف ودعابة قل نظيرها، كان بشوشا ومبتسما يواجه شغب التلاميذ الطفولي بكثير من الصبر والضحك . كان أبا للجميع . .
في كل يوم ، يأتي في الصباح مبكرا قبل أن ينجلي غبش الظلام بعد الفجر… ويفتتح مطبخ الخيرية ويقوم بطهي الشاي وينتظر استقبال التلاميذ، وكانت وجبة الفطور تتكون من كسرة خبز بالزيت ومربى المشمش السائل من النوع الرخيص المعلب داخل علب الحديد .. وكأس شاي المعد من المقراج..أهم شيء فيه هو دفئه الذي يسخن به التلاميذ أمعائهم قبل ولوج الاقسام.
كان يحب المرحوم أن يشتغل داخل المطبخ وهو يغني وينشد بعض الاغاني الامازيغية، وكنا دائما ما نسمع أصوات نظمه تصلنا بأروقة الخيرية خارج المطبخ..كانت له لازمة يرددها دائما حين يطلب بعض التلاميذ المزيد من الوجبات المقدمة فكان بعضهم يأكل حصته المقدمة له ويطلب المزيد، وحتى يقطع المرحوم مع هذه الطلبات المتكررة لأنه عادة تكون كمية الوجبات قليلة بالنظر إلى عدد التلاميذ وكان يقول مبتسما” سير فحالك اولدي داكشي لي عطاك المخزن راه عطيتو ليك ” . كان نصوحا ومربيا وحكيما…وحين يغضب بعض التلاميذ ويحتجون على أمر ما …كان يقول مبتسما ” صبر أولدي راه مابقى قد لي فات ” ودائما ما كان ينصح الجميع بالدراسة والاجتهاد.. ” آرا قرايات اتارواو “.
شخصية المرحوم كانت شخصية واحدة الطباع، لا تتغير . وبرنامجه اليومي لا يعرف اي اضطراب، يحترم توقيت دخوله ومغادرة عمله بدقة، ينزل منذ الصباح الباكر من دواره بهضبة إدبوعشرة المطلة على مركز جماعة مستي ويقضي النهار بالخيرية ثم يعود في المساء إلى حيث أتى . دائما ما يرتدي ” فوقية” زرقاء ويضع عمامة خفيفة من اللون الاسود على رأسه. هكذا كان طيلة عقود حتى تقاعد من العمل.
أسدى المرحوم قيد حياته خدمات جليلة وجبارة لابناء المناطق التي ذكرناها ولأبناء جماعة مستي، ولأجيال كثيرة، خدمة للعلم والمعرفة والتربية . فبالرغم أنه كان يشتغل في ظروف صعبة من خلال قلة المواد والموارد لمؤسسة الخيرية التي كانت تسير من قبل جمعية الخيرية الاسلامية ولكن كان لها الفضل الكبير في تدريس عدد من الاجيال واستكمال دراستهم . ولعل العدد المهم من النخبة والكوادر الذين يشتغلون حاليا في قطاعات مهمة كالتعليم ومختلف قطاعات الوظيفة العمومية والمحاماة والاعلام وغيرها ومنهم دكاترة في تخصصات متنوعة، كلهم كانوا ومروا من خيرية مستي أكلوا وشربوا منها لسنوات… و أنا متأكد جدا أن ذاكرتهم لازالت تحتفض بدعابة المرحوم عمر بوعشرة..
باختصار المرحوم أفنى حياته خدمة للاخرين …كان قدره أن يحترق من أجل إطعام التلاميذ الذين يسافرون ويرحلون عن عوائلهم وبيوتهم من اجل التعلم والدراسة ..وكان له أجر عظيم في كل يوم .. ولذلك وجب علينا الاعتراف بكل ما قدمه الرجل قيد حياته..
رحمة الله عليه.
عبدالله بوشطارت