في معنى العدالة…!

*عزيز رويبح

العدالة لا تتحقق فقط بسلطة قضائية مستقلة من الناحية الدستورية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية و لا يمكن اعتبار مجرد التنصيص في الدستور على هذا المبدأ كاف للانتقال من مرحلة قضائية لأخرى و من عدالة قابلة للاختراق و التوظيف عند “الضرورة “إلى عدالة قوية عادلة مستقلة حامية للحقوق و الحريات و إلى عدالة بمقدورها ان تشكل كما هو الشأن في الدول الديمقراطية سدا منيعا ضد مراكز النفوذ و القوة بمختلف تموقاعاتها المبتوتة في هرم الدولة و مؤسساتها الأمنية و السياسية و التي تكون لها ، بحكم طبيعة مهامها و وظائفها و خصوصية تكوينها و إعدادها ،للأخذ بناصية الحكم و تصريف شؤون الدولة ، تكون لها هواجس و تخوفات و تحاليل و طموحات لا تنظر دوما بعين الرضا إلى ما يشهده المجتمع من تغيرات في كيفيات التعبير عن ذاته .

العدالة اختيار حضاري و إنساني قبل أن تكون التزاما دستوريا و حقوقيا و سياسيا. و يستحيل في بلدنا من هذا المنطلق استحالة تكاد تكون مطلقة تحقيق العدل و ترسيخ سيادة القانون و إرساء المعنى الحقيقي للامن القضائي دون تصفية الحساب مع جزء من تركة تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ظلت ، بعد أن كانت أسلوبا و منهجا، تقفز بين الفينة و الأخرى على سطح الأحداث ،تظهر و تختفي لترهب و تخيف و تذكرنا أفرادا و جماعات كون القطيعة مع الماضي نسبية جدا و لم تلامس جوهر الدولة و كافة اختياراتها ، و لتذكرنا ايضا و بقدر كاف من العنف الرمزي و المادي أن ممارسة الحقوق و الحريات الأساسية الواردة في الدستور و المؤطرة بالقانون مغامرة كبيرة تستوجب الكثير من الحيطة و الحذر وان الغلو و التجاوز عند ممارستها من عدمه لا يفيد في تقييمه و تقديره الاحتكام للقانون و حده او اللجوء فيه الى القضاء للانتصاف ما دامت علاقة الدولة بباقي مؤسساتها الدستورية غامضة و ملتبسة و ان مختلف الوسائط أضحت موضوعا لاختيارات الدولة و رغباتها و توجيهاتها بخلاف ما كان عليه الوضع قبل سنوات حيث كانت هذه الوسائط و الأحزاب السياسية منها و النقابات ،أساسا، فاعلة و مؤثرة و لو نسبيا وبأشكال متفاوتة بحسب شروط كل ظرفية على حدا في بلورة مواقف و مبادرات و نضالات تسهام بحكم مصداقيتها و ارتباطها اللصيق بنبض المجتمع ، في صياغة الشروط اللازمة لتحقيق التوازن الضروري بين مهام الدولة وسياساتها الأمنية …..و تحركات المجتمع و هو يعبر عن همومه و تطلعاته ….

العدالة لا يمكن الا تكون ناقصة و غير مكتملة في مناخ سياسي معتل فاقد للمصداقية يعج بؤسا و تفاهة و انبطاحا ، ينحدر فيه العمل السياسي من سياسة الفعل الملتزم الى سياسة الفعل الفرجوي البعيد عن المجتمع و عن المعنى الحقيقي للسياسة بوصفها عملا نبيلا لخدمة المجتمع و تحقيق مصالحة الفضلى لينعم بالحرية و العدالة و التقدم و الرفاه ….

قد تنجح الدولة في كثير من الميادين و في رفع مجموعة من التحديات لكن غياب العدالة و التطبيع مع الظلم و تبريره يجعلها “خارج التاريخ “و يغذي النزعة “الانتحارية” في تصرفاتها و يعمق الهوة بينها و بين المواطن و يزيد من منسوب فقدان الثقة لديه ….

العدالة ليست مجرد سلطة قضائية و نيابة عامة و دستور و قوانين و إجراءات و نظم و أحكام و قرارات تصدر باسم جلالة الملك و طبقا للقانون ! العدالة اعقد و اشمل من ذلك فلا عدالة بدون صحافة حرة لا يتحسس فيها الصحافي قلمه و لسانه ألف مرة قبل أن يلوح بكلمة أو رأي يخالف السائد و يحيد عن منطق المسايرة و يشعر بأنه فعلا يتحمل مسئولية سلطة رابعة ترصد و تتبع تفضح تقوم و تساهم في بناء رأي عام حقيقي مواكب لمختلف مجالا الحياة العامة

لا عدالة دون وجود إرادة سياسية قوية لمحاربة الرشوة و إلغاء مصادر الريع و التسلط و الفساد و اجتثاثه من جذور جذوره بدل نهج اسلوب التشهير و الموسمية و اعتماد أسلوب الرصد و الاقتناص الموجه و الانتقائي …

لا عدالة دون محاماة حقيقية حرة مستقلة ذات حصانة قوية لا يشعر فيها المحامي بسيف الرقابة على اقواله و حركاته و سكناته وان يكون الحكم و الفيصل في علاقته بالغير و ان كان خصما “شريفا” القانون و ان يكون القانون نفسه مستمد من روح الدستور لا ان يبقى حبيس زمن ولى “صحيح الصيف ضيعنا اللبن ” و لم ينصف دستور 2011 مهنة أعطت الكثير للدولة نفسها للأحزاب السياسية للنقابات للصحافة و للقضاء و نالت حظها من الاكتواء زمن الرصاص حيث كانت الكلمة الصادقة الحرة و المسئولة نادرة و اسثنائية ثمنها حديد و نار لم ينصفها دستور المملكة بل أهملها إهمالا مغرضا و مقصودا و اكتفى بالإشارة إلى بعض من أدورها فقط و كان بمقدور الغير القيام بها و الدفاع عنها “قرينة البراءة المحاكمة العادلة الولوج للعدالة ……..”

ما عشناه و تتبعناه من أطوار محاكمات “سريالية” بداية من إلقاء القبض إلى إصدار الأحكام ضد رجال ونساء شباب احتجوا بشكل سلمي ضد الفقر و المرض و التهميش و الإقصاء الممنهج و عبروا خلال مسيراتهم و وقفاتهم و شعاراتهم عن غضبهم و سخطهم على أوضاع ليست قضاء و قدر بقدر ما هي أخطاء دولة لم يجاهروا او يعبروا لحظة عن النيل من وحدتها و منها و ثوابتها …. ما عشناه و تتبعناه يجعلنا محقين في الخوف على هذا الوطن .

ان الرمي بهؤلاء الشباب في ظلمات السجن سنوات طويلة هو في العمق إعدام رمزي لهم و إقبار لطموحاتهم و أحلام جيلهم و تنكيل بعائلاتهم وإنذار صريح لنا جميعا بكون تصديق الدستور و الإمعان في التمسك بمقتضياته و تصديق ما يقال حول الأمن القضائي و الحقوق و الحريات دون تحفظ و لا تردد قد تكون له عواقب لا احد يستطيع ان يتكهن خطورتها …

و التاريخ سيبقى شاهدا على أن الدولة عندما تفقد عقلها أحيانا ترتكب حماقات هي في غنى عنها…

*محامي بهيأة الرباط

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *