في مقالة أعدّها إحياء لليوم الدولي للمرأة (8 مارس)، كتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن معاناة المرأة في عالم يسوده إرث التمييز المترسخ والمنهجي. ودعا في مقالته بعنوان “أزمة بوجه امرأة” إلى تغيير السياسات التي تحدّ من قدرة المرأة على تولي المناصب واتخاذ القرارات.
أنطونيو غوتيريش/الأمين العام للأمم المتحدة:
بينما يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة في خضّم جائحة عالمية، تبرز حقيقة صارخة واحدة، وهي أن جائحة كـوفيد-19 هي أزمة بوجه امرأة.
وتفاقم الجائحة أوجه عدم المساواة العميقة أصلا التي تعاني منها النساء والفتيات، مما يبدد التقدم المحرز على مدى سنوات نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.
فالنساء يرجّح أن يعملن في القطاعات الأكثر تضررا من الجائحة. ومعظم العاملين الأساسيين في الخطوط الأمامية هم من النساء، منهنّ ينتمين إلى الفئات المهمّشة عرقيا وإثنيا، كما أنهنّ في أسفل السلّم الاقتصادي.
النساء أكثر عرضة لفقدان الوظائف
والنساء أكثر عرضة بنسبة 24% لفقدان وظائفهن ولانخفاض دخلهن بمعدلات أكثر حدّة. وقد اتسّعت الفجوة في الأجور بين الجنسين، التي كانت مرتفعة أصلا، بما في ذلك في قطاع الصحة.
وشهدت الرعاية غير مدفوعة الأجر زيادة كبيرة بسبب أوامر البقاء في المنزل وإغلاق المدارس ودور رعاية الأطفال. كما أن الملايين من الفتيات قد لا يعدن إلى المدرسة قطّ. وقد واجهت الأمهات – وخاصة الأمهات العازبات – محنة وضيقا شديدين.
استبعاد واضح للمرأة
كما ولّدت الجائحة وباء موازيا هو العنف ضد المرأة على صعيد العالم، مع ارتفاع مستويات العنف المنزلي والاتجار والاستغلال الجنسي وزواج الأطفال.
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن النساء يمثلن غالبية العاملين في مجال الرعاية الصحية، فقد وجدت دراسة حديثة أن نسبة 3,5% فقط من فرق العمل المعنية بالتصدي لكوفيد-19 تتضمن أعدادا متساوية من الرجال والنساء. وفي التغطية الإخبارية العالمية للجائحة، كانت هناك امرأة واحدة فقط من بين كل خمسة أشخاص من أهل الخبرة الذين تم الرجوع إليهم.
وكل هذا الاستبعاد يشكّل بحد ذاته حالة طوارئ. والعالم بحاجة إلى دفعة جديدة للنهوض بقيادة المرأة ومشاركتها على قدم المساواة. ومن الواضح أن ذلك سيعود بالفائدة على الجميع.
المرأة قيادية ناجحة
لقد أبرزت تدابير التصدي لكوفيد-19 قوة القيادة النسائية وفعاليتها. فخلال العام الماضي، شهدت البلدان التي تقودها نساء معدلات عدوى أقل وغالبا ما كانت في وضع أفضل من حيث القدرة على التعافي. وقد سدّت المنظمات النسائية ثغرات بالغة الأهمية في تقديم الخدمات والمعلومات الحيوية، ولا سيّما على مستوى المجتمعات المحلية.
وفي جميع المجالات، عندما تتولى المرأة دورا قياديا في الحكومة، نرى استثمارات أكبر في الحماية الاجتماعية وخطوات أوسع في مجال مكافحة الفقر. وعندما تكون المرأة في البرلمان، تتبنى البلدان سياسات أكثر صرامة بشأن تغيّر المناخ. وعندما تجلس المرأة إلى طاولة مفاوضات السلام، تبرم اتفاقات أكثر ديمومة.
لكنّ المراة مستثناة من المناصب القيادية
ومع ذلك، لا تشكل النساء سوى ربع المشرّعين على الصعيد الوطني في جميع أنحاء العالم، وثلث أعضاء الحكومات المحلية، وفقط خُمس الوزراء في الحكومات. وإذا استمرّ المسار الحالي، لن يتم تحقيق التكافؤ بين الجنسين في المجالس التشريعية الوطنية قبل عام 2063. وسيستغرق تحقيق التكافؤ على صعيد رؤساء الحكومات أكثر من قرن.
إن تحقيق مستقبل أفضل يتوقف على معالجة هذا الاختلال في توازن القوى. فالمرأة لها نفس الحق في التحدث من موقع السلطة عن القرارات التي تؤثر على حياتها. وإنني فخور بتحقيق تكافؤ الجنسين على صعيد قيادات الأمم المتحدة.
الجائحة فرصة لتغيير المسار
إن التعافي من الجائحة هو فرصتنا لرسم مسار جديد وقائم على المساواة. ويجب أن تستهدف حزم الدعم والتحفيز النساء والفتيات على وجه التحديد، بما في ذلك من خلال زيادة الاستثمار في البنية التحتية للرعاية. وما كان الاقتصاد الرسمي ليعمل من دون الإعانة التي يحصل عليها في صورة أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها المرأة.
أمام العالم فرصة لأن يخلّف وراء ظهره إرث التمييز المترسخ والمنهجي الذي امتد لأجيال
بينما نتعافى من هذه الأزمة، يجب أن نرسم طريقا نحو مستقبل شامل للجميع ومراع للبيئة ومتسم بالقدرة على الصمود. وأدعو جميع القادة إلى ست لبنات أساسية:
أولا، ضمان التمثيل المتساوي – من مجالس إدارة الشركات إلى البرلمانات، ومن التعليم العالي إلى المؤسسات العامة – من خلال اتخاذ تدابير خاصة وتحديد الحصص.
ثانيا، الاستثمار بشكل كبير في اقتصاد الرعاية والحماية الاجتماعية، وإعادة تعريف الناتج المحلي الإجمالي بحيث يصبح العمل في المنزل واضحا للعيان ومأخوذا في الحسبان.
ثالثا، إزالة الحواجز التي تحول دون إدماج المرأة بالكامل في الاقتصاد، بما في ذلك من خلال الوصول إلى سوق العمل، وحقوق الملكية، والائتمانات والاستثمارات محددة الهدف.
رابعا، إلغاء جميع القوانين التمييزية في جميع المجالات – من حقوق العمل والأرض إلى الأحوال الشخصية والحماية من العنف.
خامسا، ينبغي لكل بلد أن يسنّ خطة للاستجابة لحالات الطوارئ من أجل التصدي للعنف ضد النساء والفتيات، وأن يتخذ إجراءات للمتابعة من خلال رصد التمويل ووضع السياسات وحشد الإرادة السياسية لإنهاء هذه الآفة.
سادسا، تغيير العقليات، وزيادة الوعي العام، والتنديد بالتحيّز المنهجي.
أمام العالم فرصة لأن يخلّف وراء ظهره إرث التمييز المترسخ والمنهجي الذي امتد لأجيال.
لقد حان الوقت لبناء مستقبل تسوده المساواة.