في نعي آخر إمغارن… (الجزء الأول)

 

الحسين بوالزيت صحفي وباحث في التاريخ

بمناسبة اقتراب اربعينية الفقيد العزيز أحمد الدغرني، سنعمل على نشر نص النعي الذي كتبناه بمناسبة فقدانه إلى الابد جسديا، اما فكره وروحه فستضل تلازمنا ما دمنا على قيد الحياة.

في نعي آخر إمغارن….. (الجزء الأول

أربعون صورة في الذكرى الأربعين لعاشق ايت ربعين.
جسد في قبر، وروح في سماء تراقبنا…
او في نعي دا حماد الذغيرني…
آخر امغارن….
سعدي يوسف شاعر الرافدين قال يوما:
آخر شيوعي سيدخل الجنة…
ونحن نقول آخر أمغار سيدخل الجنة….

أبدع المرحوم في التقاط قيم الاتحاد او “تامونت” كما يحلوا له ان يسميها، قيمة أفلح في استخراج دقائقها في نصوص المؤرخين والاخباريين والرحالة ونادى بها قومه. خدمة للغة والثقافة الامازيغيتين.

“تامونت” تخلق السعادة….
والسياسة تخنق الامازيغية….
لذلك لا مناص من ممارسة السياسة….

ولا بديل…. الا البديل الامازيغي… فيها ومنها واليها…. يقولها دائما وابدا وفي كل هوى…كما قال لي يوما مازحا ذات مساءا في لحظة صفاء ذهني….

رأى ان يتشبث بالجبل ونسائم حريته بعد ان جرب الشيوعية والاشتراكية… وراح يمينا ودب يسارا واستكان وسطا كـن لسانه يقول حاله مع نبي الصحراء الكَوني لن يدوق طعم الحياة من لم يتنفس هواء الجبال.

تامازيغت د تمازيرت…. “سين اور ياطان” أصر على الوفاء لهما حثى الثمالة. وحثى عندما كان ممصوص الوجنتين إلى ان ظهر عضم غسق وجه، بفعل الوهن والمرض، ارتجاف ففكرة، فسكوت حكيم تنهيه خلاصات مقطرة من عصارة الفكر البشري… قال ابن سينا كذا فعل ابن تومرت ذات يوم، رد عليهم ابن رشد وقال، شكسبير يؤمن بكذا، ابن تاشفين لم يكن يعلم كذا، السعديين لم يفعلوا كذا، بنو مرين كان عليهم، الريف، الاطلس الكبير، سوس، الجنوب الشرقي؛ اسامر، جبالة وتازة، الحديد والنار، المعادن، اسماك افني، سيدي وارزكَ، سيدي على اوتول، تدارت ن ايت علي، سيدي وكَاكَ ومولاي عبد الله امغار، وكبيرهم ايت اعزا وهدا، زينب تنفزاوت، نوال المتوكل، اسفي، مراكش، احاحان ايت باعمران، شنقيط…. يوظفها كلها ودفعة واحدة غيرها في جملة سياسية متأنقة….

ولكن قبل ذلك يموت الرجل مئة مرة قبل ان يصنع هيكل فكرة سياسية ويتعذب ألف مرة ليركب لها محركا يحركها في دهاليز الحياة السياسية…تضحيات حقيقية، سلسلة من الجحيم يعبرها إلى بر الاشتغال الذهني الذي ورته عن ابن تومرت وعبد المومن وغيرهم من التاريخ الذي هو مهووس به حد الثمالة.
يوم يأتي الموت لن تجدني هنا…. صدقت وأوفيت بعهدك مع الملاك الجميل… لا أخاف منه ليأتي الان….

يرتجف بعنف ويهتز كما تهتز الجبال الشامخة المزلزلة، ولكن لا ينكسر معدنه وحجره اصلب من كَرانيت وبازلت اطلسه الجميل… ما بيدي من حيلة امغار معذرة… العين بصيرة واليد قصيرة، غلبنا المرض اللعين جميعا. لا دواء ولا مسكن…. لطفك يا ربي بهذا المخلوق العزيز….

شعر بالألم. بالجلال. وبالخجل…. ألفناه ان ينقد نفسه -عندما يربكه او يخجله الجواب- ان ينقد نفسه بالدعابة… كم انت لطيف يا خالي حماد…الخال قريب والعم بعيد كما اتفقنا على ذلك سويا….
هوميروس…. ايقونة الآدب العالمي لم يعترف به الا بعد وفاته بسنين.

ودا حماد؛ كذلك…

يتصافح الرجل بكبرياء الاولين، وبيته مفتوح حثى للدواب والزواحف والحشرات التي يعشق موسيقاها وسمفونيتها الليلية عندما يسدل الليل سدوله على مدشر اكَرار الذي ارتضى ترابه قبرا يعانق جسده ويخلد في ترابه إلى الأبد، جوار قباب الصالحين من نسل وعضم العائلة… قباب أحبها وعشق اتر أصحابها الجليل في الجبال والسواحل في الروابي والواحات….

النبل والشهامة….. أحمد الدغيرني…. جامع أشتات مكارم النوع الإنساني، هرم نضالي أثيل

ولد عام1947 بايت باعمران بزاوية تادارت، قبيلة ايت علي التابعة ادريا الآن لجماعة امي ن فاست إقليم أكَلميم حيث كان ابوه يمارس ما كان معروفا آن ذاك بقضاء التحكيم (Arbitrage) ويدرس العلوم الشرعية وعلم الفلك وعلوم اللغة او “تاجرومت” (Grammaire) والحساب…

نشأ الذغيرني وتربى يتيما في حضن عائلته العلمية حيث فقد اباه في سن مبكرة وتركه صغيرا حينما توفي. وانتقلت بعد ذلك عائلته إلى إكَرار ن سيدي عبد الرحمان واستقرت فيها. تابع الذغيرني الطفل الصغير اليتيم دراسته الأولى بمدينة تيزنيت ثم انتقل إلى تارودانت ليجاور فيها فصول الدراسة في المعهد الإسلامي ثم انتقل إلى مراكش وحصل فيها على شهادة البكالوريا، لينتقل إلى فاس والرباط اللتين استكمل فيهما دراسته إلى حين حصوله على الليسانس في الآداب والقانون على التوالي. تدرب في سلك المحاماة علي يد فطالحة المهنة في سبعينيات القرن الماضي. وبعد تخرجه مارس مهنة المحاماة في بداياته الاولى بمدينة سيدي سليمان بسهول الغرب، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة الرباط ومارس فيها مهنته إلى اخر أيام عمره. عاد إلى اكَرار ن سيدي عبد الرحمان التي أسلم فيها الروح يوم 19 أكتوبر 2020 ودفن في مقبرة الدوار جوار قبة جده الأول سيدي عبد الرحمان -المدونة سيرته في روضة الافنان- ناحية أكَلو وسط المملكة المغربية غير بعيد عن قبة ضريح سيدي “وكَاكَ بن زلو اللمطمي” الاب الروحي للدولة المرابطية التي انطلقت من سوس، أكَلوا تحديدا في اتجاه صحراء شنكَيط.

الفقيد كان غزير التأليف وكتب في كل أصناف العلوم الإنسانية مارس الترجمة والتحقيق، والمسرح والرواية والدراسات اللسنية وعلم السياسة، كما ألف نصوصا أدبية كثيرة وأبدع في فن الفكاهة والضحك.

انخرط الفقيد في العمل السياسي مبكرا وبدأ نشاطه التنظيمي والسياسي بانخراطه الفعال في نضالات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان من أبرز قيادييه على الصعيد الوطني، كما انخرط فب العديد من الديناميات الحزبية والسياسية على امتداد مشواره النضالي الحافل.

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *