قراءة تقديمية للمجموعة القصصية الجديدة للدكتورة فاطمة فايز

Tamayt g uftas n tayri أو عبادة على مرفأ العشق

قصص ومضية لفاطمة فائز

بقلم: محمد ارجدال

مقدمة

ظهرت القصة القصيرة جدا منذ عشرينيات القرن الماضي بأمريكا الشمالية، مع الكاتب الشهير (إرنست همنغواي)، وذلك مع نصه القصصي المعنون ب”قصة قصيرة جدا”، والصادر سنة 1925، ثم تبعه في هذا النهج كتاب من أمريكا اللاتينية كالكاتب الغواتيمالي “اوجيستو مونتيروسو”، والارجونتيني “خورخي لويس بورخيس” وآخرين. …

مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، طفا على سطح الثقافة المغربية هذا الفن الأدبي الجديد والمعروف بالقصة القصيرة جدا، أو القصة الومضية، بينما لم تظهر الأجناس السردية الحديثة والمكتوبة في الأدب الأمازيغي بالمغرب، إلا في فترات جد متأخرة، كانت القصة القصيرة صاحبة الريادة بقصص”يمراين” للكاتب حسن ادبلقاسم سنة 1988، تلتها أعمال قصصية في نهاية القرن العشرين وطيلة العقد الأول من الألفية الثالثة.

تعتبر القصة القصيرة جدا، فن نثري يستخدم المحسنات البلاغية بشكل غزير، حيث يحمل فكرة مركزة ولا يعترف بالمقدمات و يعتمد أساسا على التركيز في الموضوع،  كما أن اختيار العنوان المناسب يعتبر عنصرا أساسيا، ترتكز ق.ق.ج على الإيحاءات التي يسببها عنصر الإيجاز والتكثيف، وهذا الجنس الأدبي ملائم جدا لهذا العصر المعروف بعصر السرعة.

تعد القاصة المغربية فاطمة فائز Fatima Faiz، إحدى رائدات هذا الجنس السردي بمجموعتها القصصية الجديدة / tamayt g uftas n tayri » تمايت كَوفتاس نتايري/ عبادة على مرفأ العشق”، الصادرة بالمطبعة المركزية لسوس- ايت ملول، أواخر سنة 2019، ضمن منشورات رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية وبدعم من وزارة الثقافة.

هذه المجموعة القصصية مؤلفة من أربع وثمانين صفحة من الحجم الصغير، تضم بين ثناياها اثني وسبعون قصة ومضية  كتبت بالحرفيين اللاتيني والأمازيغي تيفناغ.

العتبات:

يمثل الغلاف دفة المتن أو بابه ولكل باب عتبة أو عتبات، ولا يمكن الوصول إلى جوهر المتن دون تخطي هذه العتبات ويمكن تمييز عتبات نصوص هذه المجموعة كالتالي:

1 – صورة الغلاف:

اختارت القاصة اللون الرمادي الفاتح للغلاف الخارجي لنصوصها، واجهته الأولى تؤثثه صورة رومانسية لسيدة جالسة لوحدها على مرفأ ساكن تناجي هدوء البحر وصفاء السماء، كأنها راهبة عابدة تتأمل الخلق أو عاشقة تنتظر المعشوق، أعلاه نجد اسم الكاتبة وعنوان الإصدار وجنسه الأدبي باللون الأسود والأحمر والأبيض وأسفله جهة الإصدار، على الواجهة الأخيرة للغلاف نبذة عن المسار الإبداعي للكاتبة والذي يوضح أن المجموعة القصصية ” تمايت كَ وفتاس ن تايري/ عبادة على مرفأ العشق” هي الإصدار الثاني للكاتبة فاطمة فايز في صنف الكتابة السردية، والخامس من مجموع إصداراتها الإبداعية و التي افتتحتها بديوانها الشعري “تاندرا نواكال/أنين الأرض” سنة 2012 ويليه ديوان “أسدَي ن إغد/ عش من رماد” سنة 2014 ، وديوان”أنكمار ن إتران/ صائد النجوم” سنة 2015، ثم المجموعة القصصية “ؤدماون / وجوه” سنة 2018.

2 – العنوان:

العنوان هو العتبة الثانية للنص، وهو خلاصة موجزة في كلمة أو بعض كلمات يقدم فيها الكاتب للقارئ فكرة عامة حول مضمون الكتاب، وينتهج في صياغته اختيار أحسن الكلمات الدالة قصد التشويق والإثارة.

ورد العنوان مرتين بالواجهة الأولى للغلاف، مرة بالحرف اللاتيني المضغوط أسفل اسم الكاتبة وباللونين الأحمر والأسود، ومرة على شريط أفقي أحمر بزاوية الغلاف وبحرف تيفناغ وبلون أبيض.

اختارت  الكاتبة فاطمة فائز Fatima Faiz لمجموعتها  “tamayt g uftas n tayri”، عنوانا صاغته على شكل جملة من خمس كلمات يختزل فكرة عامة عن المضامين القصصية بالمجموعة.

وجاءت كلماته على الشكل التالي:

ـ  tamayt / تمايت : اسم مفرد مؤنث تعني عبادة.

ـ  G / كَ : حرف يعني ‘في’ .

ـ u / ؤ : حالة إلحاق حيث تم استبدال حرف a في الاسم المذكر المفرد  aftas، لتصبح uftas نظرا لورودها في بنية تركيبية (اسم مركب).

ـ aftas أو uftas / ؤفتاس : اسم مفرد مذكر يجمع على يفتاسن يعني المرفأ والمرسى.

ـ n / ن : حرف يعني ل (اللام).

ـ tayri / تايري : اسم مفرد مؤنث يعني الحب والعشق والهيام .

والعنوان مفتوح على عدة تأويلات وقراءات لغوية وفلسفية، يحمل عدة إشارات وإيحاءات كما يضم ثلاث كلمات مفتاح (تمايت/عبادة، افتاس/ مرفأ، تايري/ عشق)، هي كلمات متباعدة من ناحية دلالاتها اللغوية ومتقاربة من ناحية أبعادها الفلسفية.

ـ “تمايت /عبادة”، كلمة ترمز إلى التضرع إلى الله والسكون بمكان مقدس قصد التقرب إلى الخالق.

ـ ” افتاس/ مرفأ”، كلمة ترمز إلى الملاذ الآمن الذي يتطلع إليه بلهفة كل ضال هارب من هدير أمواج البحر.

ـ ” تايري/ العشق”، كلمة ترمز إلى أعلى مراتب الحب دون الهيام.

وكما هو شائع في أدبيات المتصوفة عند ابن عربي فالعشق عبادة والعبادة مرفأ .

3 – المؤشر الأجناسي:

يقصد بالمؤشر الأجناسي  نوعية الجنس الأدبي للكتاب قصد تصنيفه، فإما أن يكون الكتاب نصوصا شعرية أو قصصية أو خواطر أو مقالات أو رواية أو غيرها.

وقد ورد المؤشر الأجناسي في المجموعة القصصية “tamayt g uftas n tayri”، على صورة الغلاف مباشرة أسفل العنوان باللون الأبيض وبحرف لاتيني أصغر حجما، وعلى شكل مجموعة من الكلمات tullisin d ibrzzuyn n tirra بمعنى قصص قصيرة أو ومضات، مما يساعد القارئ على تمييز جنس الكتاب المعروض أمامه من أول نظرة على الغلاف.

4 – الكاتبة:

ورد اسم كاتبة المجموعة القصصية tamayt g uftas n tayri أعلى صورة الغلاف، في الدفة الأولى بخط لاتيني مضغوط وبحجم أكبر مكتوب باللون الأسود، كما ورد في الواجهة الخلفية للغلاف بحرف لاتيني اقل حجما وبلون أبيض في خضم عرض نبذة عن إصدارات الكاتبة، وجاء على صيغة مركب اسمي ” فاطمة فائز” الذي يتركب من الإسم الشخصي “فاطمة” والعائلي “فائز”.

الكاتبة فاطمة فائز أستاذة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر بأكادير، صدرت لها عدة مؤلفات إبداعية باللغة الأمازيغية في الشعر والقصة، كما نالت جوائز مهمة منها جائزة الثقافة الأمازيغية لسنة 2018 صنف القصة القصيرة، هذه الجائزة يمنحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب.

5 ـ التقديم:

” التقديمات شكل أدبي ونوع من الإبداع لا يقل عن البحث أو المقالة أو الرسالة أو الخاطرة أو غيرها من شتى ألوان الإنتاج الفكري(..)، لما تتميز به من درس وتمحيص يجعلها أحيانا في مصاف البحث والدراسة” (حميدة الصايغ الجراري، كلمات تقديم ،2006 ، الجزء الأول صفحة 10).

وتقديم المجموعة القصصية tamayt g uftas n tayri  كتبها الأستاذ محمد أفقير، ظل فيها مشدودا بمتن القصص التي قدم إليها دون تجاوزها إلى غيرها، و بذلك لعب دور الوسيط التواصلي بين القارئ والمقروء، بعد استيعابه لتجليات نصوص المجموعة القصصية الظاهرة منها والباطنية، مما يفضي إلى المساعدة في التلقي بمتعة و لذة.

التيمة الأساسية:

تكاد تجتمع نصوص المجموعة القصصية في تيمة واحدة ، ألا وهي تيمة الحب، العشق والهيام في طابع سردي و بلغة اقرب منه إلى الشعرية من السردية، امتزج فيها الخيال بمنهاج ابن عربي وفلسفته في العشق، وألقت عذرية ابن حزم  وغزله في كتابه طوق الحمامة بظلالها على نصوص المجموعة، بل إن تأثير فلسفة التصوف امتد إلى أسماء الشخصيات بنصوص المتن القصصي مثل: آدم ، حواء، إبراهيم ، نوح ، موسى ، عيسى، سليمان، بلقيس.

لقد سَمَّت الكاتبة نصوصها  برسائل بدل قصص، أو نصوص قصصية، تناولت بين ثناياها موضوع الحب وتيمة العشق والهيام،  في تناغم مع القيم الإنسانية المتعددة والقضايا الاجتماعية، ” فالحب مثله مثل الدين من الغرائز الفطرية الضرورية عند الإنسان، فكما لا يتضور إنسان يعيش بدون تدين، لا يمكن تصوره بدون حب وعشق” ( محمد أفقير مقدمة tamayt g uftas n tayri ، ص7)

المضمون:

تناولت أغلب نصوص الأضمومة موضوع العشق الذي تجدر و غزا المتن القصصي ككل، انبثق من ضلع آدم و نمى وأزهر وأثمر، فتنهد كهدير طوفان نوح وغدت ناره الملتهبة في أحضان المعشوق بردا وسلاما.

أما صبر العاشق في انتظار المعشوق شبيه بصبر أيوب، تتراقص روحه العاشقة على مزامير داوود ما بين مدينة الصويرة واورشاليم، وتمسي بلقيس العاشقة في مملكة  سليمان اللجية، و تغرق زليخة في العشق اللا متناهي، روحها الذابلة متكئة على عصى موسى، ففاض الفؤاد بعشق يسوعي، و عمّ السلام و سُقي الحيارى لذة السكون.

ألم الفراق المرتقب يعصر الفؤاد، فتفيض المقلتان عشقا يغدو كحنين المغترب لأحضان الوطن، لأن المعشوق في سويداء الفؤاد وحيد أحد، يرى في المرايا ونواصي الصبايا وباقات الزهور، لحن الغرام.

القضايا المطروحة:

تناولت المجموعة القصصية القصيرة جدا “تمايت كَوفتاس نتايري”، مجموعة من القضايا الاجتماعية على غرار القضايا التي تناولتها أغلب الكتابات الإبداعية الأمازيغية، مما مكن القاصة فاطمة فائز من إثارة عدة قضايا في تناغم مع تيمة الحب والعشق ومنها:

  • المرأة: شكلت قضايا المرأة الموضوع المضمر في أغلب نصوص المجموعة، كالإهتمام بالأنوثة، الجمال و الأمومة، و كذا بالمكانة الاجتماعية للمرأة داخل المجتمع، وهو ما يختزله ذكر شخصيات كملكة اليمن بلقيس وحواء زوجة آدم وغيرهما، و الإشارة لدور المرأة كأم في رعاية البيت وتربية الأجيال.
  • المواطنة والهوية والتاريخ: شكل الماضي والتاريخ  الذي يختزن الذكريات والأمجاد، المرفأ الآمن الذي تعود إليه الكاتبة للاعتزاز بحضارتها وتاريخها المجيد، كما دعت السلف من خلال الإبن إلى التشبث به و بالمبادئ والقيم النبيلة.
  • التربية والتوجيه: أتت بعض النصوص الومضية على شكل نصائح وتوجيهات للجيل الصاعد على لسان الابن، قصد التربية، موصية إياه بالتحلي بالقيم الفاضلة، والابتعاد عن الأحقاد والتشبث بالأمل واليقين في المستقبل.

الخاتمة:

إن أضمومة tamayt g uftas n tayri القصصية ل Fatima Faiz فاطمة فائز، تصطف إلى جانب مثيلاتها من هذا الصنف القصصي، “يغزار يسوا رابحار/ البحر يشربه البحر” للحسن الموساوي و” يبرزوين ن تالا / شذرات الوجود” لصالح أيت صالح وغيرها، لتضع اللبنات الأولى في صنف القصة الومضية، وتفتح باب  هذا الصنف على مصراعيه، قصد التطلع إلى الدقة والتركيز في الكتابة، وانتهاج التجديد من حيث اعتماد الرمزية والدقة و الاختصار الشديد والاكتفاء بالجوهر.

وأخيرا، “ليس على الكاتب أن يتهيأ للكتابة وفق تفكير مسبق، ولا على القارئ أن يفهم كلّ شيء، ولا على الناقد أنّ ينقّب في النص عمّا يلائم اتجاهه النقدي، وليس له أن يغسل النص في حمام عقلانيته”. (نتالي ساروت في كتابها “عصر الشك” 1956).

اقرأ أيضا

اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي

بمناسبة تخليد ذكرى عيد الاستقلال المجيد،وفي اطار برنامجها السنوي ،الجمعية المغربية للجيت سكي بأكادير المنضوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *