قراءة في ترجمة كتاب “السوق اليومي” أو ⴰⴳⴰⴷⴰⵣ ⴰⵡⴰⵙⵙⴰⵏ من العربية إلى الأمازيغية

قراءة في ترجمة كتاب “السوق اليومي” أو ⴰⴳⴰⴷⴰⵣ  ⴰⵡⴰⵙⵙⴰⵏ من العربية إلى الأمازيغية

ترجمة عبد الكريم عباسي وتأليف هشام حراك

نبذة عن الكاتب وعمله:

في البداية لا يسعنا إلا أن ننوه بريشة الكاتب هشام حراك الذي يعتبر من رواد الواقعية بالمغرب، فإلى جانب كتابته للقصة، فهو كاتب مسرحي ورئيس ومؤسس نادي القصة بالمغرب وعضو باتحاد كتاب المغرب وباتحاد كتاب الانترنيت العرب. حاز على جائزة اتحاد كتاب المغرب للمسرحية سنة 2002 عن مسرحيته ( الانتظار )، وعلى الجائزة المغاربية الثالثة للمسرحية عن نصه: ( المستنقع ).. ترجمت مجموعة من قصصه إلى لغات أجنبية ونشرت في إطار انطولوجيات بالفرنسية والتشيكية والانجليزية . هذا فضلا عن كون مجموعته القصصية (السوق اليومي) ترجمت إلى الفرنسية، إضافة إلى اللغة الأمازيغية، وهي من منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  لسنة 2017.

يلامس الكاتب في عمله هذا هموم الناس، ويهديه إلى كل المهمشين والمنبوذين في الأرض. يقول:”أنا لا أظنني سوف أحسن الكتابة، يوما، بريشة من ريش طائر الطاووس، ولا بمداد أبيض يدعى حليب الغزالة، وقد نبتت، في جمجمتي، مدن وقرى من طوب وقصدير، وساكنة من المهمشين والمنبوذين”. تتكون هذه المجموعة القصصية (السوق اليومي) من ست عشرة  قصة وهي: السوق اليومـي، جاكليـن وفطـومة، كان بالإمكان أن يكون، بلح البحر، حب على الشاطئ، مولود عجيب، فوز ساحق، روتين، من أين له بالحمار ؟ موكب، رحلة عبر القطار، جناحا مالك الحزين، ثلاثة أيام لرجل واحد، الطيارة، القيء، فكرة. وتتميز هذه النصوص بلغة بسيطة توصل الرسالة الاجتماعية بنوع من التهمكم والجرأة.

 الترجمة:

بخصوص شق الترجمة، فالقارئ يحس حينما يقرأ “ⴰⴳⴰⴷⴰⵣ ⴰⵡⴰⵙⵙⴰⵏ” أنه ليس بحاجة إلى قراءة النص الأصلي “السوق اليومي” نظرا لجودة الترجمة، وللأثر الذي تحدثه في نفس القارئ. عمل المترجم على إعادة إنتاج الرسالة بأقرب معادل لها في اللغة الهدف، وذلك في ما يتعلق بالمعنى والأسلوب، أي أنه سعى إلى إيجاد مكافئ للنص الأصلي. كما يسعى إلى إيجاد مقابلات وظيفية، حيث استعمل المعجم الأمازيغي الوظيفي (عربي أمازيغي) لـ موحى الأرضي، إضافة إلى عدد آخر من المعاجم. وبخصوص الكتابة بحرف تيفيناغ واحترام القواعد النحوية والإملائية، فقد وفق فيها المترجم إلى حد كبير، وتكاد تنعدم الأخطاء على هذا المستوى.

ترجمة الإيحاءات:

النص مليء بالإيحاءات التي نقلت بحرفية، ولم يؤثر ذلك على معناها، كما يظهر من خلال هذه الأمثلة:

قصة القيء ⴰⵙⵄⵓⵇⵇⵓⵢ: قيء بالساحة، …قيء بالإدارة….قيء……. جنان الفردوس…القصر، فقط، هو الذي ليس فيه قيء

ⴰⵙⵖⵓⵇⵇⵓⵢ  ⴳ ⵓⴱⴰⵔⴰⵣ ⴰⵙⵖⵓⵇⵇⵓⵢ ⴳ ⵜⵏⵎⵀⵍⴰ ⴰⵙⵄⵓⵇⵇⵓⵢ

ⵜⵓⵔⵜⵉⵜ ⵏ ⵍⴼⵉⵔⴷⴰⵡⵙ ⴷ ⵉⵖⵔⵎ ⴳ ⵎⵉ ⵓⵔ ⵉⵍⵍⵉ ⵓⵙⵄⵓⵇⵇⵓⵢ

قارئ الترجمة لن يفهم معنى القيء بسلاسة إن لم يقرأ ما جاء في كتب النقد والقراءات المتعلقة بالعمل، نفس الشيء ينطبق على “الضحك” في :

قصة مولود عجيب !!! ⵉⵍⵉⵍⵉ ⵉⴳⴳⵓⵏⵏ

– من ذا الذي يضحك هذا الضحك الجنوني ؟ !! ؟

ⵎⴰ ⵢⴰⴷ ⴰⵔ ⵉⴹⵚⵚⴰⵏ ⴰⵎⵎ ⵓⴼⵓⵖⴰⵍ!

 قال صاحب الحفل:

ⵉⵏⵏⴰ ⴱⴰⴱ ⵏ ⵜⵎⵖⵔⴰ:

– لا… لا تفزع… إنه المولود الجديد الذي نحتفل بعقيقته.

ⵓⵀⵓ ⴰⴷ ⵓⵔ ⵜⴳⴳⵯⵉⴷ  ⵀⴰⵜⵉⵏ ⵖⴰⵙ ⵉⵍⵉⵍⵉ ⴰⵎⴰⵢⵏⵓ ⵏⵏⴰ ⵎⵉ ⴳⴰⵏ ⵙⵙⵉⴱⵄ

… فر جميع المدعوين إلى الحفل من شدة عدم القدرة على تصديق ما يحدث…

الكل يقول إن المولود الجديد يستحيل أن ينتمي إلى فصيلة بني آدم…

… كبر الطفل وهو ما يزال يضحك… أدخلوه المدرسة وهو يضحك

وحين هموا بوضع التابوت داخل الحفرة، فوجئوا به يحيى من جديد وهو

 يضحك … انـهار الكل وأغمي عليه من شدة عدم القدرة على تصديق ما

يحدث… حين لمح الكل قد أغمي عليه، شرع يركض، ويركض، ويركض، وهو

ⴰⵔ ⵉⵜⵜⵏⵟⵟⴰⵄ, ⴰⵔ ⵉⵜⵜⵏⵟⴰⵄ, ⴰⵔ ⵉⵜⵜⵏⵟⵟⴰⵄ, ⴰⵔ ⵉⴹⵚⵚⴰ, ⴰⵔ ⵉⴹⵚⵚⴰ, ⴷ,

يضحك، ويضحك، و.. ي… ض… ح… ك.

بخصوص ترجمة الإيحاءات في النص الأدبي، فأحيانا يعجز المترجم عن نقل النص بأمانة إذا كان استعصى عليه فهم العواطف التي كانت تختلج قلم الكاتب حينما كتب ذلك النص. يقول  إبراهيم سلامة:

  “إن لغة كل أمة وبخاصة اللغة الأدبية، متحملة بعواطف خاصة قد لا تدركها الألفاظ، ولكن يدركها الأديب وحده، وكثيرا ما نقف أمام نص من النصوص وقفة المتردد الذي يتمعن لو أنه رأى الأديب، فيسأله عما أراد بهذا النص، ويود أن لو كان حيا ليسأله عما يريد، بل هو يرجع بذهنه مستعرضا ظروف الأديب نافخا فيه الحياة من جديد ليسأله عما يريد. ذلك أن من المعاني ما لا يزال في بطن الشاعر كما يقولون، لا نعثر عليه إلا بالجهد، وإلا بعد أن نتعرف على قاموسه ونفسيته، ومقدار احترامه لمدلولات الألفاظ ومقدار جرأته في الخروج عليها”[1].

المعاجم:

من المهم جدا أن نحسن اختيار المعاجم التي نلجأ إليها أثناء الترجمة، وقد استعان المترجم بعدد مهم منها ذكرها في آخر الكتاب، وهي كالآتي:

المعجم العربي الأمازيغي لمحمد شفيق

معجم الإعلام لمركز التهيئة اللغوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

المعجم الأمازيغي الوظيفي (عربي أمازيغي) لـ موحى الأرضي

Vocabulaire  de la langue Amazighe (IRCAM)

Vocabulaire grammatical (IRCAM)

Lexique Amazighe de géologie (Said Kamal, IRCAM)

Lexique scolaire de Larab Muhend Uremdan

المعجم المدرسي (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).

كما استعان بكتاب تعليم اللغة الأمازيغية لعبد العزيز بوراس ومحمد الداغور

إضافة إلى ذلك،  وظف معجما خاصا بالأمازيغية التي يتحدث بها، وهو مهم جدا، حتى ولو لم يذكره المترجم في قائمة المعاجم التي استعملها. كمثال على ذلك مصطلح (ⵜⴰⵛⵍⵍⵓⵍⵜ)، الذي يستعمل في منطقة الوسط للتعبير عن القفة أو السلة:

تفرغ ما بالذي نزل في قفة الزبون،

ⴰⵔ ⵜⵜⵅⵡⵡⵓ ⴰⵢⵏⵏⴰ ⵉⵍⵍⴰⵏ ⴳ ⵜⵉⵏⵏⴰ ⵉⴳⵯⵣⵏ ⴳ ⵜⴰⵛⵛⵍⵍⴰⵍⵜ ⵏ ⵓⵎⵙⴰⵖ..

وبالنسبة لاختيار المصطلحات دائما، يحاول المترجم إدراج  كلمات تهم البيئة والمجتمع الأمازيغي، مثلا حينما يستعمل ⵉⵖⵔⵎ للتعبير عن البيت:

قصة  رحلة عبر القطار:

يقول لنفسه هذا الكلام، ويقوم متحركا في اتجاه البيت…

ⵛⵡⵉ ⵏ ⵉⵙⵍⵎⴰⵏ… ⴰⵔ ⵉⵜⵜⵉⵏⵉ ⴰⵡⴰⵍ ⴰ ⵉ ⵢⵉⵅⴼ ⵏⵏⵙ, ⵉⵎⵎⵓⵜⵜⵉ ⵖⵔ ⵢⵉⵖⵔⵎ ⵏⵏⵙ…

… يخرج من البيت، هذا الصباح، وفي يده حقيبته… أمام الباب، قبل والدته

…ⵉⴼⴼⵖ ⵣⵉ ⵢⵉⵖⵔⵎ, ⵜⵉⴼⴰⵡⵜ ⴰ, ⵢⵓⵎⵥ ⵢⴰⵜ ⵜⴰⵙⵓⴼⵔⵜ ⴳ ⵓⴼⵓⵙ ⵏⵏⵙ… ⴷⴰⵜ ⵜⵉⴼⵍⵓⵜ, ⵉⵙⵙⵓⴷⵎ ⵉⵎⵎⴰⵙ

  هناك مصطلح آخر يشكل عائقا أثناء الترجمة وهو حْبيبي(بالدارجة  المغربية)، وقد كانت الترجمة فعالة في التعامل مع هذا النوع من المصطلحات:

ومن كرهني، فهو ( منتظرا إجابة ) حْبيبي... في رأيكم، من أكون أنا ؟ (قصة كان بالإمكان أن يكون)

ⵡⵏⵏⴰ ⵓⵔ ⵉⵢⵉ ⵉⵜⵜⵉⵔⵉⵏ, ⵉⴳⴰ ⴰⵎⴷⴷⴰⴽⵯⵍ…ⴳ ⵜⵎⵓⵍⵉ ⵏⵏⵓⵏ, ⵎⴰ ⴰⵢⴷ ⴳⴳⵉⵖ ⵏⴽⴽⵉⵏ ?

نعم أ حْبيبي ؟؟ تبغي تعرف الميزانية ديال هاد العام ؟؟ سر ف حالك قبل ما تندم على

ⵢⵢⵉⵀ ⴰ ⵉⵡⵉ? ⵜⵔⵉⴷ ⴰⴷ ⵜⵉⵙⵉⵏⴷ ⵜⴰⵙⴳⴳⴰⵣⵜ ⵏ ⵓⵙⴳⴳⵯⴰⵙ ⴰ? ⴷⴷⵓ ⵖⵔ ⵉⴱⵔⴷⴰⵏ ⵏⵏⵛ ⵇⴱⵍ ⴰⴷ ⵜⵏⴷⵎⴷ ⵖⵉⴼ

فحسب سياق النص، مرة تُرجم “حْبيبي” بالصديق ⴰⵎⴷⴷⴰⴽⵯⵍ وفي سياق آخر تُرجم بـ “الابن”، وهي مصطلحات متداولة في الحديث اليومي الأمازيغي.

كما وردت كذلك مصطلحات أمازيغية  في النص الأصلي، كـ  ” كيدار ” في المثال التالي: حمار… بغل…...كيدار… شومور ديال الخلا. وقد جاء في معجم محمد سغوال التعريف الآتي:

Kdr

akidar , nom masculin, pluriel, Ikidarn, cheval de bât(né d’un cheval et d’une ânesse), mulet, bardot, hongre.variante yis, avyur, asardun.akidar umi teggen aḥras : c’est le mulet qu’on bâte, seul le mulet porte le bât( par opposition au cheval).p253-Dictionnaire tarifit-français(thèse de doctorat d’Etat ès lettres- 2001-2002-Université Abdelmalek Esaâdi-Tétouan).

تقنيات الترجمة:

بخصوص التقنيات المعروفة للترجمة من اقتراض ونسخ وبرافراسيس وتحوير…إلخ، فالمترجم يلجأ إلى الاقتراض من العربية الدارجة، لأنه يحاول أن يبسط اللغة التي ترجم بها للقارئ أو لأنه لم يجد مقابلات لها في اللغة الأمازيغية. وينطبق هذا على المحاكاة الصوتية  les onomatopées(هي مشابهة بين الصوت الناتج عن لفظ الكلمات والأصوات المسموعة في الطبيعة، مثل الضوضاء أو أصوات الحيوانات.  كحفيف الريح بين أوراق الشجر وخرير المياه وصهيل الخيل ونقيق الضفادع و صليل السيوف وصرير الباب. ومن المعلوم أن هذه الأدوات تعطي واقعية وحيوية أكثر للنص. وخير مثال على هذه المحاكاة الصوتية المذكورة في النص: صوت الضرب، في قصة كان بالإمكان أن يكون: ⵜⵓⴳⴰ ⵉⵣⵎⵎⵔ ⴰⴷ  ⵉⴷⵃⵉ:

أزدف أردف، أزدف أردف، أزدف أردف، أزدف أردف، قرقلاف.

البطل يقتل كل أفراد العصابة، وينقذ المرأة الجميلة.

Zdf, rdf, zdf, rdf, zdf, rdf, zdf, rdf, qrqllaf…

يلكمه أسفل بطنه، ثم (زدردلاو) (ⵓⴷⵉⵙ ⵏⵏⵙ (ⵣⴷⵔⴷⵍⵍⴰⵡ

بالنسبة لهذا الصوت فإن المعاجم التقليدية لا يمكن أن تعالج هذا المشكل لأن حلها يعتمد على السياق الذي ترد فيه الكلمة، وعلى الشحنة الإيحائية التي تحملها. وبما أن الأمازيغية والعربية، بما فيها العربية الدارجة، تعيشان جنبا إلى جنب منذ قرون، فإن نقلها بحرفية لا يشكل أي عائق لفهم النص. ويمكن أن يرد هذا الصوت في لغات أخرى بشكل آخر.

كما يستعمل تقنيتين مترادفتين الترجمة الشرح والدخيل. جاء في مقطع:

وزعت “حسي مسي”… إلا أن صاحبنا يحاول، جهد الإمكان، إقناع نفسه أن هذا

 ⴱⴹⴰⵏ ⵜⵏ ⵓⴼⵙⵜⵉ « ⵃⵙⵙⵉ ⵎⵙⵙⵉ »….

تُرجم مصطلح “حسي مسي” والذي يعبر عن الكتمان أثناء القيام بأمر ما بـ ⵙ ⵓⴼⵙⵜⵉ، وأُردفت الترجمة باقتراض المصطلح عينه ⵃⵙⵙⵉ ⵎⵙⵙⵉ.. إذ غالبا ما نجد الاقتراض مرفقا بشرح في الهامش.

وكخلاصة فإن الخزانة الأمازيغية بحاجة إلى إغنائها بترجمة كتب من مختلف اللغات للانفتاح على الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار الكمية والنوع والغاية من ترجمة بعض الأعمال. وبشكل عام فإن الأدب يبقى الصنف الأكثر ترجمة نظرا لأهميته في التعرف على الشعوب والثقافات الأخرى، ولا ننسى أن الكثير من المستمزغين بدؤوا بترجمة الأدب الأمازيغي الشفوي إلى لغات أجنبية للتعرف على البيئة واللغة والثقافة الأمازيغية.

سليمة الكولالي – باحثة مساعدة

————————————————————-

[1] – إبراهيم سلامة، تيارات أدبية بين الشرق والغرب: خطة ودراسة الأدب المقارن، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1952، ص 27 ،

نقلا عن قسطندي شوملي، اشتراطات الترجمة الأدبية، ترجمان، المجلد 5، العدد 2، مرجع مذكور، ص ص: 60-61.

غلاف الكتاب

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *