قراءة في ديوان “تاوروت إجلان” للشاعرة الأمازيغية صفية عز الدين

بقلم : لحسن ملواني ـ قلعة مكونة

سيبقى الشعر فنا جميلا له فعاليته في التعبير عن الرؤى وهواجس النفس وانفعلاتها، فنا له أثره في التوصيف والدعوة إلى التغيير نحو الأجمل والأرقى من الفعال والسلوكات ، ويتم ذلك عبر إذكاء روح التعاطف والتأثر بالمواقف وردود الأفعال.
ولن يختلف اثنان في مدى الوظائف التي أداها ويؤديها هذا الشعر في التوعية والتبصير بالواقع وبث روح التضامن والتسامح والتآزر في الملمات والأزمات ، بل إن الشعر الأمازيغي المغنى وغيره كان الوسيلة المثلى في التوعية بأمولا الدين والسياسة والتربية وتهذيب الأخلاق..

والشعر الأمازيغي شعر جميل وفريد، كان وسيلة راقية رافقت الأمازيغ في مستقرهم وفي مهجرهم يبثون من خلاله مشاعرهم وهمومهم الحياتية والوجدانية ، ويتم ذلك في قوالب جميلة يزيد جمالها الإيقاعية التي ينسج وفقها.

ومنذ القديم كان الشعر الامازيغي حاضرا في الحياة اليومية والعملية للأمازيغيين ، في الحقل ، في المطبخ ، أثناء طحن الحبوب ، في الأعراس ، في الأعياد …وبذلك كان هذا الشعر مجالا حافلا فيه المحاكاة ، وفيه الإبداعات ، وقد تطور هذا الشعر حديثا حين ارتقى صهوته مجموعة من الشعراء الشباب الذين انخرطوا في كتابته محاولين التجديد في مواضيعه وطرق نطمه دون الانفصال التام عن الجذور .

ومن بين هؤلاء الشعر ، صفية عز الدين ، التي يبدو من خلال مشاركتها المكثفة في أنشطة الشعر والتراث الأمازيغي عبر ربوع الوطن ، علاوة على إصداراتها في المجال ، يبدو أنها مولعة بهذا الفن الراقي مما أثر على التطور الإيجابي في تجربتها.
وللإشارة فالشاعرة صدرت لها دواوين منها”تازولتْ نْ والْنْ” = “كحل العيون” وديوان ” ” = ” تالغات نْ تودرت ” = “أنشودة الحياة ” …
وفي ديوانها الجديد المؤلف من 146 صفحة قصائد هي : توروت إيجلان ـ إيسفال ـ زوزداي ـ تيلاس ن وول ـ تاضسا دو مطا ـ توسنا ـ أزمز أزلماض ـ تالوغي نو غوليد ـ اخليج ـ إيفيس د واسيف ـ تاميميمت ـ أوكار أيغي كان ـ ماكدا كيغ ـ أسيف ـ أيقسي ن كرا ـ تامضايت ـ أقبور ـ مامنك ـ إمال ن تايري ـ إيزرفان ـ تيكاس إينو ـ بيقي ـ أماوال ـ أوكوكوك ـ أسمامي إينو .

عناوين متنوعة بتنوعة مواضيعها التي تتناول جوانب كثيرة في الحياة ، كما تتناول مواقف الشاعرة إزاء مجريات الواقع ممتعضة ومنتقدة ورامزة إلى كثير من الأمور المحتاجة إلى إعادة النظر ، وقد جاء تناول الشاعرة لذلك وفق كنايات وصور جميلة .
تقول الشاعرة في قصيدة ” تاوروت إجلان “:

Nkkad agda ilujjan kullu s nnan
Nzri gisn ur tyagasgh ur agh ykk iruh
Imi n ussgn ka ayad d lkmgh ar nsawal
Nnigh rad nkk nggawr ar ssagh atay
Imil akk nufa tid ijla ka timitar
Ahan agrur ur iyyi gin ghmklli tn ssny
Lahay uskay attn zrgh mani ka walan
Tawrut at ntmit tfka nit italat
Amksa ur tnt akk iduf
Ur tnt ak issin
Ur issin abla la 3yadd usgrs ula akuray 1.

تشير في هذه القصيدة التي جعلت عنوانها عنوانا لديوانها بأنها زارت المرعى المكتظ بالأشواك ومرت به وبقي على حاله وظنت انها سترتاح تشرب الشاي، واذا بها تجد القطيع مفقودا بلا اثر فحثت الكلب كي يتفقد المكان ويبحث عله القطيع السائح التائه في الوادي مما سيجعل الراعي ـ وقد تقصد به نفسها ـ حائرا في أمره وهو يجهل مكان ووجهة هذا القطيع .

القصيدة ترسم وضعيات يطبعها الأسى والإهمال والفقدان والجهل و التجاهل مما يجعلها وضعيات مبنية على الصراع التراجيدي في أعماق الشاعر باعتبارها الذات المعبرة عما تجيش به أعماقها.
قصيدة جميلة توحي بالتساؤلات من أجل الوقوف على مراد الشاعرة من هذا التوصيف الشعري الجميل الذي يحمل طابعا سرديا وقصصيا يجعلك تتبع حدثها المتعلق بالقطعان وصاحبها وكيف ينبغي التصرف في البحث عنها.
وتقول في قصيدة “إيسفال”:

Licart ight uzngh righ atnt tafim
Mqqar tga ghmkad n tassmi tisanmt
Tawwunt igh id akk nusi
Ttfara ttent
Isanat mani nmdi d mani gh an nkkat
Iwaliwn igh akk rgln a ttn ittafa yan
Ur idd arkigh as nga s llgha gh issussas
Igh ndda s wassif
Ngin yusi nit aman igh ndda s trga
Had isfal kken fllzs
Igh ndda s waghan ihiyf ur ismghi yat 2.

تقول بكون الإشارة إن بعثت بها إليك أريدك أن تجدها حتى ولو كانت بقد إبرة وستتعرف عليها حتما. عليكم بمعرفة قصدنا وما نرمز إليه فالكلام مهما كان رامزا يتعرف عليه المخاطب به…
وتقول في قصيدة mkda gigh:

Anahya nit mkda gigh ayan ur
Issn
Afus inu imyar ad ukan ntta
Ttaran
Adar ira tawada imi ran awal
Nkkin aygan wuccn da awn accan
Ikrwan
Nkcm s ugrur nsti gis
Tilli kullun righ
Nfln d babe nns ar ttmilligh
Ur ngi atbir wala aznkd ur
Attughayagh
Alili d wurziz nkki as
Twassanagh
Ur ngi assif
Wanna d izrin isu s uraw 3.

تقول ما مفاده :
سأعيش كما أنا يا من يجهل ذلك
يدي ألفت الكتابة
وقدمي تريد السير
وفمي يريد الكلام
أنا هي الذئب الذي أكل صغار نعاجكم
دخلت إلى الحظيرة فانتقيت ما أريد
وتركت صاحبها وخرجت أسيح
لست حمامة ولا غزالة…
أنا معروفة بأني الدِّفلى والحنظل
ولست نهرا يغرف من مياهي كل من هبّ ودبّ.

قصيدة مفعمة بمواقف التحدي والثقة بالنفس ، فهي كما هي، لا تداهن ولا تنافق ، ولا تحاول أن تظهر لطيفة خاضعة مفعولا بها ، وإنما الفاعلة التواقة إلى التنعم بالحرية والاحترام، تتصرف بمشيئتها واختياراتها ، شجاعة ومقدامة لا تبالي بمن يحاول عرقلة حركتها …
وهي بذلك تعلن عن ثورتها ضد كل من يريد استعبادها واستبعادها من التنعم بحقوقها. و بهاته الصيغة، تحاول أن تسخر من المخاطبين بأسلوب التحدي والتجاوز ، وكأنها تقول وتصرخ في وجوههم بأنها الشرسة في وجه كل من يريد غصاب حقوقها المشروعة. وقد تفضل أن تكون ظالمة من أن تكون مظلومة مهانة.

هكذا تمضي الشاعرة صفية عز الدين في التعبير عن مشاعرها ومواقفها المتدفقة بشكل انسيابي تطبعه العفوية و الإيقاعية المتدفقة التي تنبئ بالتمكن في فن القول الشعري بصيغتها الفريدة التي تميزها عن غيرها من الشعراء في هذا المجال.
أشعار حالمة متوغلة في أعماق النفس معبرة عن اللواعج والهواجس باستخدام لافت للحقل المعجمي الدال على الطبيعة في علاقته بالرمزية إلى العلائق الاجتماعية والنفسية ، والشاعرة في هذا الإطار متمكنة من نسج المضامين ضمن صور شعرية رائقة تترجم بها ردود أفعالها وهي تعبر عن رؤيتها وخبرتها بمآلات ومصائر العلاقات الاجتماعية في المحيط الذي تعيش فيه وتتعايش مع أهله. وقد كتبت قصائدها بصياغات تدفعك لتقاسمها همومها ورؤاها وهي تعانق الحياة بمرارتها وحلاوتها باستقامتها وبمراوغاتها. بأنسها وغربتها وهمومها .

وقد اتكأت الشاعرة في منجزها الشعري على الرمز والكنايات والإيحاءات مما جعل شعرها ممتعا ومفيدا في ذات الوقت فهو يحمل التوجيه في قالب إبداعي جميل، ويمكن إدراجه في نوع السهل الممتنع.
قرأت الديوان واستمتعت به ، وفيه الكثير مما يستحق التوقف لدراسته ، وقد نعود إليه لاحقا لدراسة دراسة نقدية عميقة تتناول مختلف جوانبه.

ووديوانها الجديد يتماثل في كثير من المعطيات مع ديوان” تلغات ن تودرت ” من حيث موضوعاته ومن حيث انخراطه في التوصيف وخلخلة الكثير من المعطيات والسلوكات المشينة والدنيئة ، والإيجابية كذلك ، علاوة على تأملات وكنايات تجعل من قصائد الديوان قصائد جميلة تحتمل الكثير من التأويل والقراءات ، مما يؤكد تمكن الشاعرة من أدوات الإبداع الشعري تمكنا يمَكِّنها من أن ترقي أكثر فأكثر في القادم من منتجها الإبداعي .

الشاعرة صفية عز الدين وفيرة العطاء الشعري وستتراكم إنتاجاتها إلى جانب إخوانها الشعراء في كل ربوع الوطن لتشكيل أسس تنبني عليها التجارب الجديدة ، تحتدي ببعض عناصرها، وتتجاوز أخرى وفي ذلك خدمة وتطوير للحركة الشعرية نمو الأرقى والأجمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
+ ” tawrutt ijlan ” ديوان شعري للشاعرة صفية عز الدين ـ يتألف الديوان من 146 ص ، و25 قصيدة ، مطبعة “maktabat najat ouarzazat ” الطبعة الاولى 2018م.
++ صفية عز الدين ، شاعرة أمازيغية ، من تيويين نشأت في أسرة تحب الشعر ، شاركت بقصائدها الجميلة والمعبرة عن عمق الوجدان في مهرجانات واحتفالات ، صدر لها قبل هذا الديوان ، ديوان ” تازولت ن والن ” = كحل العيون ، عام 2013م. رئيسة جمعية تامونت للتنمية بدوار تويين ، دائرة أمرزكان ، ورزازات .
1 ـ ص 3.
2 ـ ص 5
3 ـ ص38،39.

Digital Camera

اقرأ أيضا

اختتام فعاليات النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية

اختُتمت، يوم الأحد، فعاليات الدورة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية، المنظم من طرف غرفة الصناعة التقليدية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *