صدر مؤخرا للشاعر الأمازيغي سعيد ايت كوكو ديوان شعري أمازيغي جديد بعنوان “tag°mrt n tguriwin g tizi n tassasin” (صيد الكلمات في زمن الشدائد) وهو ديوانه الثاني بعد ديوان ” ajgugl d umarg” (التعلق والموسيقى).
يقع هذا الديوان في ستين (60) صفحة من الحجم الصغير ويتضمن 12 قصيدة من الشعر الأمازيغي الحر متفاوتة الطول ومكتوبة بخط تيفيناغ والخط اللاتيني، بالإضافة الى مقدمة للأستاذ الحسن بوفكري قدم فيها السياق العام للتأليف وصورة مختصرة عن المميزات الشعرية للشاعر سعيد ايت كوكو تلاها اهداء للشاعر لمحبيه في كلمات اقل ما يمكن ان يقال عنها أنها تحمل حب الشاعر لمحيطه الاجتماعي باختلاف مشاربه.
ولهذا سأحاول قراءة هذا الديوان من خلال بعض جوانبه المتعلقة بالشكل والمضمون.
1- من خلال شكله:
– قراءة الغلاف: احتوى الغلاف الأمامي للديوان على العنوان “tag°mrt n tguriwin g tizi n tassasin ” وصورة لغروب الشمس بمنطقة سكنية تبرز النمط العمراني للمناطق الأمازيغية المأهولة بالقصبات والقصور،بالإضافة الى نوع المؤلف (ديوان شعري awjDar n tmdyazin) واسم الشاعر ويحتوي الغلاف الخلفي على صورة للشاعر ونبذة من حياته بالحرف اللاتيني وملاحظة تبرز دور ثلة من أصدقاء الشاعر في إخراج هذا المولود الى الوجود بالإضافة الى ثمن الكتاب والذي حدد في 20 درهم،وبمجرد قراءة العنوان والنظرة الى غلاف الكتاب تجد رابطا فنيا مشتركا بين دلالاتهما، أي أن ” tag°mrt n tguriwin g tizi n tassasin ” والذي يعني “صيد الكلمات في زمن الشدائد” وهي اشارة الى أن إبداع الشعر الأمازيغي غالبا ما يتم في ظروف حياتية صعبة وهو ما تدل عليه صورة الغروب كون شمس المغيب لا تدوم طويلا وتأتي بعد نهار متعب وطويل فاتحة مصراعيها على ليل غامض ومخيف، كما أبرز الشاعر معاناة ذاته من خلال طبيعة العناوين التي اختارها لقصائده، والتي تتميز في مجملها بالأسى والتمرد عن الأوضاع فنجد مثلا:
- تضفي ن تو (حلاوة النسيان)
- تودرت ن ابعاش ( حياة الحشرات)
- ألغزم (تورم)
- ماخ (لماذا)
- إل ن تيكاس (بحر المصائب)
- تكمرت ن تكوريوين غ تيزي ن تالاسين ( صيد الكلمات في زمن الحكي)
– قراءة في شكل القصيدة: يتكون هذا الديوان من اثنتي عشر قصيدة مطولة مكتوبة بالخط اللاتيني وخط تيفيناغ متفاوتة الطول فنجد قصيدة طويلة جدا مثل قصيدة ” tag°mrt n tguriwin g tizi n tallasin “ (64 سطرا)، وأقصرها قصيدة “taḍfi n ttu” وتتضمن (30 سطرا)، وكل قصائد الديوان تتميز بقصر أسطرها حيث أنها لا تتضمن أحيانا الا كلمة واحدة، هذا ونجد الشاعر في كل قصائده يتجاهل القافية ووزن موحد للأسطر الشعرية (تلاليت) ، إنما تتميز بتواثر كثيف لأليات أخرى كالتكرار والإستعارة والتشبيه والطباق والجناس والسجع وغيرها، وكلها أدوات اعتمدها الشاعر لتمنح لهذه القصائد رونقا رائعا وأسلوبا موزونا، ومن الناحية اللغوية تتميز أشعار سعيد ايت كوكو بتوظيف لغة شعرية بامتياز تتضح من نبشه في المعجم التداولي الأمازيغي المعرض للنسيان والإهمال وكذا معجم الأمازيغية المعيار وهو ما يتضح من إحالات شرح المعجم (40 إحالة) مما أسبغ على لغته شعرية عميقة تجعل القارئ يقرأ القصيدة الواحدة أكثر من مرة، تلذذا بأوزانها المنسجمة وتأويلا لمعانيها الخفية .
2-من خلال مضمونه:
من خلال مضمون هذا الديوان نلاحظ تنوع قصائده من حيت الغرض بحيت أن الشاعر لم ينفك عن واقعه ونقل معاناته ومعاناة الناس من حوله وطموحاتهم عن طريق الشعر الموزون، فجاءت معظم أغراضه نقدية وانسانية واجتماعية وهوياتية وعاطفية، وكما أشرنا سابقا فجل قصائد الديوان تتميز بقصر أسطرها حيث أنها لا تتضمن أحيانا الا كلمة واحدة وكأن الشاعر يرغب في تفريغ طاقته الإبداعية في بضع كلمات ذات دلالة عميقة تنم عن حالة نفسية واجتماعية كلها أسى ومعاناة، معاناة مع الذات والآخر والمجتمع ككل .
وفي هذا الصدد تناول الشاعر تيمات مختلفة مرتبطة به وبمحيطه من قبيل: التعليم – الذات – الفقر – الحرية – الحياة – الإبداع – الهوية.
في قوله (isgg°asn nnm)بالصفحة 5 تجسد معاناة الشاعر في تمدرسه بالتعليم الإبتدائي مشبها المدرسة بالسيدة :
skrɣ its ɣ iwiz
zzidrɣ skrɣ ɣ gar tirmt tammnt
ččɣ ur ččiɣ
lsɣ ur lsiɣ
wakk iɣ ddiɣ
wakk iɣ d urriɣ
wakk wakk a massa
akuray nnm irẓag
وفي قصيدته (tudrt n ibɛɛqčn) في الصفحة 9 شبه الشاعر حياة الناس بحياة الحشرات كون الحياة زائلة ولا فائدة منها، مبرزا أن الإنسان غالبا ما يتيه في الحياة بدون فائدة قائلا:
A ta ssnɣ nit i sur iyi trit
a tudrt
a tanafalt
a ta ssnɣ nit
is d nkkin ka
ad gim ittmran
ad as inna
yan umstag (asbbab) n tglay
idras umktar(aɣyul)
azmz n tizzla fumya
sul d tkufant
tarula ….tarula
swiɣ s tiddi
ččiɣ s tiddi
gnɣ s tiddi
ačku tyarawɣ
yad lli s tiddi
وفي قصيدته (massa msisa) بالصفحة رقم 13 تناول الشاعر معاناة ساكنة الجنوب الشرقي للمغرب
كما تحدث الشاعر في ثلاث قصائد عن الهامه الشعري وتحديه لظروف الحياة بقلمه الذي لم يتخلى عنه وإن في أشد الويلات، فاستقى من هذه الظروف الصعبة أشعار متميزة تنم عن كفاءة الشاعر في النضم
فقصيدة tibbit n tayri وقصيدة tag°mrt n tguriwin ɣ tizi n tallasin وقصيدة askkil aflafal كلها تبرزغرض الإبداع كوسيلة لتفريغ هموم وأحاسيس الحياة.
وقد تحدت الشاعر هنا عن حياة البسطاء من الناس بما لها وما عليها في ظل ما تزخر به من خيرات لطالما افتقدها بسبب الإهمال والتهميش الذي يعيشه في محيطه، مبرزا ما يكابده من عناء من أجل حياة كريمة وهذا ما يدل على أن هذا الشاعر الشاب موهوب ومقتف للمعاني والدلالات من خلال استعماله لغة واضحة أحيانا وصور شعرية في أحيان أخرى.
لقد كنا في هذه القراءة المتواضعة مع شاعر بحق،له أثر غائر في الشعر الأمازيغي المعاصر، رغم تأثره بالنمط الشعري الثقليدي في اوزانه وصوره الشعرية وهي ميزة استقاها من سلالته التي أسدت الكثير للشعر الأمازيغي التقليدي من خلال فن أحواش .
ملاحظات:
وبعد هذه القراءة لابد من اعطاء آرائنا وملاحظاتنا حول هذا العمل الابداعي وهذا الديوان الشعري الأمازيغي التي تتمثل في:
-أن الشاعر أعطى صورة عن الشعر الأمازيغي من خلال تجربته الشخصية
– أن الشاعر غلب على ديوانه الغرض الذاتي من خلال تجسيد معاناته ورؤيته للأوضاع
-أن الشاعر يحمل حالة نفسية دقيقة يحاول تفريغها في الأدب والإبداع وهو ما يتضح من خلال ديوانه الأول “أجكوكل د أومارك”
وفي الأخير لا يمكن القول إلا أن هذا الديوان الشعري “tag°mrt n tguriwin g tizi n tassasin ” الذي حاول الشاعر سعيد ايت كوكو أن يكون متميزا في قصائده رغم أنه بمثابة تجربته الثانية في مجال الشعر الامازيغي،هو ديوان ناجح وإعلان ميلاد مدرسة شعرية أمازيغية جديدة ذات شروط وخصائص،نتمنى أن يكون لها وقع ايجابي على الساحة الشعرية الأمازيغية .ونتمنى التوفيق والنجاح ومزيدا من العطاء للشاعر الأمازيغي سعيد ايت كوكو الذي يمثل جيل الشباب في هذا المجال.