قراءة في رواية “أوشن – الريفي2”

الكاتب: عبد الرحيم دادي التسولي

رواية “أوشن – الريفي 2” للكاتب محمد أمين بوغابة بعد أربع سنوات على خروج العمل الأول “الريفي” يبصم للمرة الثانية وهذه المرة في صيغة مختلفة يخوض في تجربة جديدة من الكتابة والغوص في قضايا تجسد ارتباط الواقع المغربي مع الغرب.

الكتاب من الحجم المتوسط في 186 صفحة، التصفيف والطباعة: سليكي أخوين – طنجة، لوحة الغلاف للفنانة فاطمة شيبوب.

وللخوض في طيات العمل لابد أن نشير إلى صورة الغلاف التي هي مدخل لفهم العمل الروائي وفهم المعنى الإجمالي. من خلال وجه الكتاب يتبادر أمام أعيننا مباشرة صورة لذئب ( يقرن بشدة بالخطر والدمار، ما بجعله رمزا للمحارب من جهة، ويظهر أنه واقف على تلة يمسك بين فكيه وردة حمراء رافعا رأسه إلى السماء مبشرا على نوع من التحسر والتمني، في وضعية تومئ على أنه مقبل على العواء. الألوان الداكنة كالأسود يكتسي وجه وخلفية الكتاب بشكل كبير، فوفقا لعلم النفس فاللون الأسود يدل على الشر والحزن، ومن ناحية أخرى قد يكون مؤشرا إلى القوة أو السلطة، ويستخدم أيضا للدلالة على شخصيات غامضة تلفها الأسرار والألغاز. وجود اللون الأحمر للسماء رفقة غروب الشمس، الذي هو لون للتطرف والحب العاطفي والإغراء والعنف والخطر والغضب والمغامرة. وغروب الشمس هي نهاية لبداية يوم جديد، ونهاية لغد غير معلوم، فالشمس هي ذاك النور الذي يبعث بالحياة، وهي كذلك رمز لحقيقة الرؤيا والتي هي مصورة في غلاف الكتاب على اقتراب غروبها، أي نهاية للرؤيا والنور، وبداية لليل والظلام والذي يدل على التيه وعدم الرؤيا عكس الشمس. الغيوم والتي تبدو ملبدة في الأفق والتي يمكن أن نتكهن بأنها قد تكون ماطرة، أو مثلجة، أو مجرد غيم، وقد استخدمها البشر ليعبروا عن حالاتهم ومزاجهم غير المستقر. من جهة أخرى نجد في خلفية الغلاف مقطع من الرواية والتي تجعلنا أمام فرضية، لمعرفة عما قد تدور أحداث الرواية، فالكاتب حاول من خلال هذا المقتطف أن يشير إلى أحد العرافات والتي تقرأ فناجين القهوة، لتحدد مصير (أوشن – الذئب)، حيث تتنبأ بمصير يكاد يكون متوجا بالانتصار والذي سيأتي في وقت متأخر على حد تعبير العرافة، وأنه لا معنى له في آخر المطاف.

العنوان : أوشن – الريفي 2 نلاحظ أن كلمة أوشن (:هي كلمة أمازيغية تعني – الذئب – و هذا العنوان هو بمثابة مؤشر على ارتباطه بهويته الأمازيغية، و يعكس الجانب الهوياتي الذي قد نرتطم معه في صفحات الرواية، و لا نكاد حقيقة نجد هذا النوع من العناوين في الأعمال المغربية، إلا إذا استثنينا رواية “نوميديا” للكاتب طارق بكاري، و هذا راجع إلى المرجعية العربية عند الكثير و الارتباط بالثقافة المشرقية بشكل رهيب، غير أن الهوية المغربية المتعددة تجعلنا نقف في مأزق التأثر و الانسلاب اللغوي) فالعنوان مكتوب بحجم كبير و (الريفي 2 ) بحجم متوسط باللون الأصفر الذي هو لون الشمس و مصدر الضوء واهبة الحرارة و الحياة و النشاط و السرور، و هذه العلاقة بين الشمس المصورة في وجه الكتاب و العنوان نفترض أن الكاتب أن يضعنا أمام هذه الصورة و يجعلنا نستخلص أن أوشن الذي سوف ينتهي به الأمر مودعا في صورة الشمس، و شمسا في صورة الذئب، و حتى اسم الكاتب المكتوب في أعلى الكتاب باللون الأصفر، و التي هي علاقة ثلاثية بينها (الشمس – أوشن الريفي 2 – محمد أمين بوغابة).

تبدأ الرواية بكلمة “البدر” و هو يدل على على وجود مشاعر الحنين والعاطفة، من الممكن أن تدل على الوحدة التي يعيش فيها من صادف البدر المكتمل.

الرواية هي عبارة عن قصة لمغامرة شاب نحو السواحل الإسبانية عن طريق الهجرة السرية، حيث اختبأ في أحد السفن إلى أن وصل للضفة الأخرى… اتصل بإحدى أخواته لعلها تؤويه غير أنها لم توافق على استقباله كونه حراكا كما وصفته أخته. يردف قائلا “لم أعد بحاجة لطوق النجاة، من الآن فصاعدا أمسيت أفضل الخوض في الغرق” ص: 15، ولينقذ نفسه من الجوع والعطش والوجه استدرج سيدة عجوزة تربص بحقيبتها واقتنص الفرصة ليسرقها، تتيه به الأيام لتبدأ أفكار كثيرة تراوده ” أتسائل إن كان قد نساني الله، إني أفتقد علامات وجوده، كيف يتركني وحيدا في أشد الأوقات وأمسها حاجة له؟ هل عصيته؟…”. قصد المارة سائلا عن مسجد فكانوا يهينونه، تنكر له أبناء جلدته، تنكر له الفقيه، تنكر له حتى المصلون في المسجد… التقى أحد المهاجرين في ما بعد ليساعده على ايجاد العمل، فبدأ بعد ذلك بالعمل بأحد حقول جني الفراولة، وينتقل بعدها للعمل بأحد الحانات لتتحسن وضعيته المادية، اختلط بالسكرين واندمج في منظومة مجتمع الرأسماليين كما يقول، وكانت غايته كسب المزيد من المال وفقط. تعرف على اسبانية اسمها “سارة” والتي ساعدته هي كذلك على إيجاد العمل والذي سيوفر له تلك الحياة التي حلم بها قبل أن يهاجر بلده، تطورت علاقاتهما فتكونت علاقة بيتهما قريبة إلى أن تكون حب، غير أنه لم يستطع أن ينسى حبيبته حسناء التي تزوجت غيره، بسبب فقره.

قرر في ما بعد ترك عمله والعمل مع أحد تجار المخدرات، غير أنه تبين أنه فاشل في التأقلم مع هذا العمل، حيث تعارك مع أحد العصابات التي دخل مجال نفوذها ليتعرض للضرب والرفس، انتهى به الأمر بالمستشفى، تفاجأ بعد ذلك بأن الطبيب شخص حالته وتبين له بأن أورام سرطانية اكتسحت رئتيه، مما جعله يستسلم لقدره ويقرر في الأخير كتابة رواية عن فصول حياته قبل أن يخطفه ملاك الموت كما جاء على حد تعبيره “لا أعرف بالتحديد كم تبقى، لكنني واثق من أن الله ومعه ملاك الموت، سوف يمهلاني الوقت الكافي لوضع اللمسات الأخيرة على فصول حياتي، ربما تكفيني بضعة أيام، ثم بعدها مرحبا بما سيأتي” ص: 169.

الحبكة:

من خلال قراءتنا للنص الروائي نجد أن السارد اتبع تسلسلا زمنيا يسهل على القارئ معرفة البداية والنهاية، ولكن في بعض الأحيان ما يستعمل الكاتب أثناء السرد التداعي الحر أو الاسترجاع “فلاش باك” لذلك يجعل القارئ ملزما للعودة إلى العمل السابق “الريفي” فمثلا في الصفحة 143 يردف ويقول “وقت كنت أشتغل بميناء طنجة المتوسطي منظفا للرصيف من خراء طيور النورس…” وفي الصفحة 145 يردف ويقول ” لم أعد أذكر إن كنت يومها قد عدت إلى البيت راكبا على متن الحافلة أم مشيا على الأقدام….” – “فبعد توالي الأيام والليالي على الحادثة، وقع ما وقع وصادفت نفس الفتاة”. يحكي السارد هنا بين هذه الصفحات عن حادثة وقعت أثناء عمله بميناء طنجة، وبينما كان عائدا بعد أن أنهى عمله، التقى بفتاة في الطريق وهي تتعرض للسرقة، مما دفع نفسه لإنقاذها، لتتوالى الأحداث ويقع في حبها.

شخصيات الكاتب محمد أمين بوغابة في النص:

تدور أحداث رواية “أوشن” حول شخصية رئيسية تتعدد تسميات الكاتب لها في النص “الريفي – الذئب – محمد أمين”، ونحن نقرأ النص نجد أن السارد مشارك في أحداث الرواية، ما يسمى بالرؤية من الخلف، وشخصية “الريفي” حاضرة في النص كسارد ومساهم في الأحداث، يتحدث بلسانها ويحس بعواطفها، مما يجعلنا نفهم على أننا أمام سيرة ذاتية، وقد لا يكون كذلك، لأن النص مغمور بأحداث يتخيلها الكاتب ويقحمها بين ثنايا النص، مما يجعلنا نقع في مأزق صنف العمل هل هي سيرة ذاتية أم رواية شخصياتها من محض الخيال وفقط.

الشخصيات الثانوية و هي متعددة، لذلك سنركز على تلك المساهمة في الأحداث وقوة تأثيرها:

سارة: هي أستاذة بأحد المؤسسات التعليمية وهي صديقة الريفي المقربة.

الأم: هي أم الريفي، والتي هي السند له وحبه لها هو الذي يجعله يقاوم قساوة الحياة.

الأب: هو والد الريفي الذي شكل صدمة في نفسيته، حين علمه بخبر وفاته.

حسناء: حبيبته السابقة التي تعرف عليها في طنجة، والتي تزوجت غيره، مما شكل أيضا اضطرابا في شخصية الريفي.

الفقيه: يمثله السارد على أنه شخصية مزدوجة، وهو رمز ديني يقحمه السارد في عمله، ويلبسه ثوب الشخص المتذبذب حيث يظهر في الأول بالإنسان التقي والملتزم، وبعدها بالإنسان المتعجرف والمنافق والشرير.

رياض الجزائري: رفيق الريفي في “التشابولا”، هو مهاجر أو حراك جزائري كما يصفه السارد، جاء إلى أوروبا بحثا عن لقمة عيش مثله.

ألفازير: صاحب ضيعة فلاحية، اسباني ذو شخصية مضطربة وسادي كما يصفه السارد حيث يقول في الصفحة 81 “سمعت بأن هذا الأخير عندما يقترب موعد حلول الصيف ونهاية محصول الضيعات تنتعش اضطراباته النفسية ويظهر صفاته السادية مع العاملات، خاصة اللواتي يشتغلن بعقود موسمية، إذ يطلب منهن جني الفراولة شبه عاريات”.

مامادو: هو رفيق الريفي في “التشابولا”، من أصول (إفريقية) جاء هو أيضا إلى أوروبا بحثا عن العمل.

من خلال التمعن في هذه الشخصيات التي أراها المساعدة في تطور الأحداث، نلاحظ بأن الكاتب استعمل شخصيات تختلف باختلاف هويتها وطموحاتها، سارة (الأستاذة) الإسبانية الجنسية صديقة الريفي والتي تسانده في محنته، حسناء حبيبته السابقة مغربية الأصول، رياض الذي جاء من الجزائر، الفقيه والذي يحمل في طياته هويتين ، المتدين المنافق والمغربي أيضا، ألفازير الاسباني، ومامادو الذي هو من أصول إفريقية كما يصفه السارد، ولم يقدم لنا هوية محددة له، بل اكتفى بوصفه الإفريقي – الزنجي – “مامادو جلد التمساح”. هذه العلاقة التي يمكن أن ترتبط بين هذه الشخصيات يمكن أن تكون مظطربة في حين وعلاقة تآخي في حين آخر، فالسارد والذي يعرف الأحداث ويعرف الشخصيات، عرف كل واحدة على حدى، في حين شخصية “مامادو” لم يحدد هويته بشكل كاف بل اكتفى بوصفه الإفريقي، والسؤال الذي يتبادر إلينا هل الإفريقي هو فقط الأسود البشرة، في حين أن المغربي والجزائري … هم أيضا أفارقة، ويقع في هذا التخبط الكثير من المثقفين وحتى الناس العاديين، كأنهم يفصلون نفسهم عن الآخرين بهذه الطريقة، أليست أفريقيا هي المغربي والجزائري واللسينغالي والسوداني؟ لا أريد أن أدخل في خضم رؤية السارد ونظرته نحو السود، ولكن وصف السود بالزنجي والتي هي كلمة عنصرية تجعل شخصية “الريفي” شخصية مزدوجة، تنم عن نوع من العنصرية، والكاتب يطرح هذه القضية التي تبين نفسية وشخصية الريفي التي نفهم منها وعيها ونظرتها نحو العالم.

المكان:

تجري أحداث الرواية في أماكن مختلفة، غير أن جل الأحداث تجري في مدينة موتريل الاسبانية، ويقسم الكاتب الأماكن بين المفتوحة والمغلقة (مثل المدينة، الشارع، بار سان ماريو، المسجد، حقل جني الفواكه، تشابولا، المنزل، المستشفى).

الزمن:

لم يحدد الكاتب فترة زمنية محددة، ولكن نفهم من خلال السياق أن أحداث الرواية تجري معظمها في عشرينيات هذا القرن (21) أثناء فترة احتقان الشارع المغربي، بخروج احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، وهو المؤشر الوحيد لمعرفة الحقبة الزمنية للأحداث.

السمات الفنية في رواية “أوشن الريفي2”:

– تجسيد صورة الغلاف للرواية بشكل فلسفي، لفهم المقاربة التي ينبني عليها النص.
– شخصيتين أساسيتين كانتا مساهمة في تطور الأحداث بشكل سريع و هي ( سارة – الريفي)
– هناك إيحاءات كثيرة تجسد الواقع الذي يعيشه الكاتب.
– توظيف النصوص الغائبة في الرواية، كالأمثال والموسيقيين وذكر فقرات غنائية.
– توظيف لغة سهلة بسيطة، مع إرفاقها بكلمات من اللغة الأمازيغية والاسبانية والدراجة المغربية.

تجربة الهروب من الواقع الاجتماعي المغربي، و اختيار الواقع الغربي:

يذكرنا هذا العمل برواية (المرأة والوردة) للكاتب الراحل “محمد زفزاف”، ففي هذه الرواية يحكي فيها الكاتب عن معاناة المجتمع المغربي وعن عوالم هامشية والمقهورين اجتماعيا وفكريا، يحكي فيها عن طبيعة اختلال القيم التي يؤمن بها والغوص في أحضان التجربة العفوية المليئة بالمغامرة، وهذا ما يجسده الكاتب محمد أمين بوغابة في روايته “أوشن الريفي 2” في بعض من صفحات نصه، مثلا بعض الشخصيات التي التقى بها “الريفي” والتي تنم على الكراهية التي يكنها بعض الاسبان للمهاجرين المغاربة، ونستدل بحوار لذلك في الصفحة 21:

– دونيستا لا ميزيكا؟ (أين يوجد المسجد؟)
مغربا بوجهه العبوس، زاد الشاب من سرعة خطواته، ثم استدار نحوي ليرد من بعيد:
– مييردا موسلمانا.. فويرا !

وفي مقطع من رواية “المرأة والوردة” نتأمل هذا الحوار:

– قال “آلان”: نأخذها إلى البلاج، ونتعاقب عليها.
– قال “جورج”: نحن من الأمام والعربي…
– فقلت “لجورج”: هه! هل تعتقد أني أبله. الفتاة لطيفة، ولا تستحق ذلك.
– قال “آلان”: إنك أكثر من أبله. وماذا يفعل العرب الذي هم في باريز؟

إن الارتباط الوثيق بين هذاين العملين يلخص في حياة المهاجر والمغترب في أوروبا، حيث يجد نفسه يعامل كإنسان من الدرجة الثانية، ولا تخلوا حياته من التوتر والكراهية التي يبديها بعض الأوربيين نحو المجتمعات المغاربية، غير أن البطل في كل من روايتي “محمد أمين بوغابة” و”محمد زفزاف”، يظل متعلقا بالغرب واختياره الوسيلة الأخيرة كمصدر لحل مشاكله الداخلية النفسية والاقتصادية…! وتبقى العلاقة التي تربط المغرب بالعالم الغربي، علاقة اقتصادية وسياسية، واختلال القيم التي يؤمن بها المغترب باختياره أحضان التجربة الغربية.

من خلال ما سبق يمكن أن نخلص إلى أن الكاتب حاول أن يعالج قضايا متعددة، فرقها بين صفحاته بطريقة تدريجية، حيث تحدث عن واقع المهاجر المغترب وعلاقته بالمجتمع المغربي، والتي تكاد تكون مظطربة، حيث تصبح العائلة والمجتمع هو العدو، ويكون المجتمع الغربي هو ذاك المجتمع العنصري والعديم الرحمة، وفي حين أخر هو المنقذ والصديق وحتى الحبيبة المتمثلة في شخصية “سارة”. إن نظرة السارد ورؤيته الفلسفية للواقع الاجتماعي والاقتصادي، جعله ينتهي إلى كون المجتمع الغربي بديلا للواقع الاجتماعي المغربي وأن “الغربة” هي الوسيلة الوحيدة التي قد تنقذ أي إنسان من جحافيل الفقر والعذاب، وأن هروب البطل “الريفي” إلى الغرب هو الأمل الوحيد المتبقي للنجاة والموت بكرامة.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *