لحسن ملواني ـ قلعة مكونة
يعتبر محمد ملال فنان موهوبا متعدد الملكات الإبداعية ، ومنذ أن عرفناه طالبا بثانوية بومالن دادس كان محبا للفن رسما وأغنية وموسيقا، وقد انتهى به الأمر إلى أن يمنح الجمهور إنتاجاته الفنية في مجالات متعددة ،وهي إنتاجات لها من الأصالة والمضمامين ما يجعلها إضافات نوعية تستحق أن تحتدى من قبل الجيل الصاعد الباحث عن القدوة في المجال الإبداعي موسيقيا وتشكيليا وشعريا.
وديوان “أفافا”= الصحو أو النهوض .ومن أعمال موحى ملال ، وقد صدر له عام 2014م عن مطبعة “BJ PRINT/AGADIR”. وقد سبق أن أصدر الكاتب ديوان ” “الهمّ” anzwum= .
يتألف الديوان من 88 صفحة من الحجم المتوسط ،تتوزعها القصائد التالية:
ـ Asawen= العقبة أو المكان العالي ـ النارـ عادت الخطاطيف ـ القمرـ الثعبان الجوع ـ تأزمنا ـ الارتعاد ـ الظهيرة ـ يا عزيزي ـ الغبارـ مذكراتي ـ اليتيم ـ الثقل أو العب ـ بعض الأمازيغ ـ لماذ أيها المطر؟ ـ أنا وأنت ـ لذة القصيدة ـ الكتابة ـ الطريق إلى بلدتي ـ العين(الينبوع) ـ المدرس المناضل ـ الجبل ـ القرية ـ متــشابهان ـ الأمازيغ ـ المسيرة ـ حلمت.
وقد ختم الكاتب ديوانه بمعجم لشرح بعض الألفاظ التي يراها مستغلقة على الفهم.
بدءا نشير إلى أن إن الشعر أخذ تسميته من الشعور الذي يتولد عبر التواصل مع الذات في علاقتها بالآخر. والشعر الأمازيغي شعر الحياة لأنه لا ينفصل عن التعبير عن همومها المختلفة، ولا يكتفي بذلك، وإنما يقدم الأفكار والرؤى بأسلوب من قبيل السهل الممتنع، أسلوب يحمل السلاسة المغلفة بحسن التصوير والصياغة، الأمر الذي جعله شعرا شعبيا يحمل التعبيرات المشتركة إزاء الواقع المعيش، ولعل هذه السمة المميزة لهذا الشعر مصدرها كون جل أو كل الشعر الأمازيغي شعرا يؤَلف من أجل التغني به بناء على ألحان خاصة بالآلات الموسيقية أو بدونها. فهو ليس إبداعا من قبيل النوافل والكماليات، بل إنه رافق وسيرافق الأمازيغي في استقراره وترحاله، في أعراسه وأعياده، في أفراحه وغضبه واحتجاجاته، فهو وسيلته الحميمية من أجل التعبير عن المشاعر والحاجات” 1، وهذه السلاسة والسهولة السارية على الشعر الأمازيغي نجد لها خير مثال في ديوان محمد ملال ، شعر مفهوم يوصل غرض الشاعر منه بعيدا عن الغموض والتعمية التي تطغى على الشعر العربي بادعاء الحداثة والتجديد.
غلاف الديوان
جاءت لوحة غلاف الديوان بريشة الشاعر نفسه ،وهو الفنان التشكيلي النعروف بتمسكه بالتراث الأمازيغي في لحاته ،وتمثل لوحة الغلاف شيخا يلبس عمامة وبملامح أمازيغية تبديه مندهشا في صورتين توحيان بدوار ألم به ، وكأنه في دوامة مصدرها ما عاشه وما رآه يحدث أمامه من النغيرات التي يعج بها محيطه.
وجاءت خلفية الديوان فوتوغرافية مقتصرة على واجهة جبل تناثرت عليه أشعة الشمس. والغلاف الثاني للديوان يحمل صورة للشاعر موحى ملال مع الإشارة إلى بعض مشاركاته وألبوماته وكتاباته.
عناوين قصائد الديوان
المتأمل في عناوين القصيدة يجد لها صلة بالعنوان الذي اقترحه الشاعر لديوانه “أفافا” الذي يحيل إلى عدة دلالات منها الصحو والنهوض واليقظة والخروج من حال إلى حال أفضل ،والاستيقاظ من الغفلة للوقوف على حقائق الحياة …
فالعناوين التي وضعها الشاعر لقصائده تشير من بين ما تشير إليه إلى : المعاناة ،الانتقاد ،الأزمة ، الحزن ، الأمل ،المؤاخذة …
عناوين توحي إلى الأجواء التي ترسمها القصائد مركزة على الأحوال النفسية والاجتماعية إزاء الموصوفين والموجهة إليهم قصائد الشاعر محاولة استنهاض الهمم وشحذ الضمائر من أجل الصحو لمعرفة ما يجب وما لا يجب ..
قراءة عابرة لبعض قصائد الديوان
يقول في قصيدة ” Asawen” 2 يقول :
عدنا من العقبة
حيث أضعنا سنوات
وأضعنا أقدامنا
وأصابعنا وركبناعدنا الى العقبة
ونفس الوفد تسلق العقبة الزلاقة
عدنا يا عقبة
وأضعنا الحياة
انزينا حتى مر ذوي الأجنحة
أتعبني إدراك قيمتنا
عدنا ياعقبة
زرنا الأنحاء
وأدركت أننا درجنا في بئر ظلام
وها نحن نحاول النهوض حبوا مرة أخرى
الشاعر في قصيدته يحاول أن يلفت النظر إلى ما وصله الغير في الوقت الذي يرى البعض قابعا في مناطق نائية لا يرى المدارج الحضارية التي تجعل الإنسان يعيش حياة زاخرة بالعطاء ضمن الاستمتاع بالحق مقابل القيام بالواجب، والقصيدة بهذا استنهاض للهمم وانتقاد للأوضاع ،وحث على تغيير النظرة إزاء الحياة من أجل عيش أفضل. ولعل القصيدة تحيل مباشرة على عنوان الديوان الذي يشير إلى النهوض واليقضة والاستيقاظ.
ومما قاله الشاعر في قصيدة “أفا”= النار 3:
أخاف أن تشب النار فتغشيكم
حين تصير لهبا وشهبا
لتلتهم دعامات السقف
لتسقط الجدران الحاملة للشرفة
لتنتن وتموت الحقول المزودة للبيادر
لتكسبوا الرماد وتدروا الدخان
ولن تجدوا ماء للإطفاء.
الشاعر يبدي خوفه من نار تشتعل فتقضي على الحياة ومصادرها مما يحول هذه الحياة إلى عدم ، مما يستوجب التعقل والحذر والتفكير في ما يحول دون نشوب هذه النار، فالقصيدة كسابقتها دعوة إلى الصحوة واليقظة والنهوض.
يقول في قصيدة “لذة القصيدة “4
قلبك يحدثني من قلبي
يحدثني بلا ملامح
أريد، أريد أن أعلم ما يقول
فحملت صمتك لأكتب به الشعر
الجبل لا أستطيع أن آتي به إليك
ولا أستطيع أن أدني إليك النجوم
فاتخذت صمتي كي أهنأ منك
بحثت في الذكرى ووجدت الصفاء
أنت كالنور في في عين الغلال
وأنت تقطنين سنين في ساقية الشاعر
أخذت بيدي واستنبتت الكلام
فدخلنا في لذة القصيدة
قصيدة جميلة بألفاظ شفافة تحمل غزلا بالقصيدة واثرها على نفسية الشاعر، وهنا عبر فيها هذا الأخير عما تحمله من خلجات الأحاسيس الجياشة التي لا يمكن التعبير عنها بسهولة ويسر في الوقت الذي نجد لها لذة في القلب.
وبهذه الصيغة جاءت قصائد الديوان مفعمة بالأحاسيس وبالقضايا التي تهم الإنسان الأمازيغي القاطن في مناطق نائية بجمالها وحلاوتها ومرارتها.
وكل قصائد الديون في اعتقادنا قابلة لأن تتحول أغاني جميلة لأن ألفاظها وعباراتها الواضحة تكفل لها ذلك بامتياز.
ديوان يستحق أكثر من قراءة وتحليل ،وما قمنا به إزاء لن يكون سوى قراءة تصفحية عابرة له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
1 ـ أنظر مقالي ” الشعر الأمازيغي غايات وجمالية ” في جريدة تاويزة العدد 182 ـ 2012م.
2 ـ ص 7
3 ـ ص 10
4 ـ ص 54