قراءة نقدية.. في أن الأمازيغية مسيّجةٌ بقرارات ونصوص لا تساويها بأختها العربية وتجعلُها في موقع الأدنى

t_1384447559
بقلم: عبد السلام خلفي

(قراءة نقدية في مشروع وزارة التربية الوطنية (رؤية 2015 -2030) وفي الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي)

على سبيل التقديم

تعيش الدولة المغربية مفارقة عظمى في تناولها لإشكالية اللغة الأمازيغية وثقافتها؛ إذ في الوقت الذي حسم الملك سنة 2001 إشكالية الهوية واعتبرها، استجابةً لمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية، نتاجاً تاريخياً لتعددية منغرسة في التربة المغربية وتجد لها امتدادات في كل التجليات الثقافية واللسانية الأمازيغية والعربية (خطاب أجدير، 17 أكتوبر)؛ كما أنه في الوقت الذي سيعتبرها (أي الهوية) دستورُ 2011 تمظهراً لكل المكونات الحضارية الإفريقية والمتوسطية ( بما في ذلك المكون الإسلامي والمكون اليهودي) ويرفع من مستوى اللغة الأمازيغية ليجعل منها اللغة الرسمية للبلاد، لا تزال الحكومات المتعاقبة تشتغل بنفس ذهنية 1956 حينما كانت تعتبرُ المغرب دولة عربية ولغته الرسمية الوحيدة هي اللغة العربية، وانتماؤه الهوياتي امتدادٌ للهوية العربية.

وللأسف فإن هذا التخبط الملاحظ في التصورات والأفهام ينعكس على أرضية القرارات التي تخرج بها العديد من مؤسسات الدولة التي أخذت على عاتقها أن تعيدَ إلى هذه الهوية لُحمتها وامتدادها التاريخي وانغراسها في الأرض المغربية. وحتى نبين بعضاً من هذا التخبط الذي يخفي مواقف أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها غير مسؤولة لكونها تخرقُ، من جهة، دستور المملكة وتحتقر، من جهة ثانية، ما اعتُبر في نفس الدستور ماهية الإنسية المغربية، سنتوقف عند قرارين خطيرين خرجا إلى الوجود سنة 2015 وكان من الممكن أن يثيرا أزمة سياسية خطيرة لو كنا في بلد ديموقراطي يحترم دستوره وهويته.

يتعلق الأمر بمشروع الإصلاح التربوي الجديد الذي جاء في إطار رؤية 2015-2030 لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وبالرؤية الاستراتيجية الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

  • مشروع الإصلاح التربوي الجديد الذي جاء في إطار رؤية 2015-2030 لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني

 إن ما يثير الاستفهام ويجعلنا لا نثق أبداً بدساتيرنا وقوانيننا وكلام سياسيينا هو أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وبمبرر عدم وضوح وضعية اللغة الأمازيغية القانونية، لم تُقدّم، في إطار مشاريع الإصلاح التربوي الجديدة التي باشرت عملية إطلاقها منذ سنة 2015، أي مخطط لتجاوز الوضعية المستعصية الراهنة للأمازيغية؛ فهي لم تُشر، مثلاً، إلى هذه اللغة بأدنى إشارة، أثناء تحضيرها لمشروع “المدرسة الجديدة” في إطار رؤيتها المستقبلية التي قدمت عناصرها الأساسية يوم 09 شتنبر 2014 بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ وهكذا فبالرغم من السياق الجديد الذي يعبر عنه الدستور، لم تُقدم الوزارة، ومعها الحكومة، أي شيء عن الوضعية الجديدة للأمازيغية في المنظومة التربوية؛ لقد كان التركيز فقط على محورين، أحدهما يرتبط بـ “تعلُّم المعارف الأساسية في اللغة العربية والحساب”؛ وقد جعلوه من المشاريع ذات الأولوية التي تقتضي وضع “منهاج جديد للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي”؛ وثانيهما يرتكز على “التحكم في اللغات الأجنبية” وإعداد التّلاميذ “للمسالك الدّولية للباكالوريا ولمسارات التعليم التكنولوجي، التقني والمهني”؛ وقد جعلوه أيضاً من الأولويات التي تقتضي “تغيير نموذج التعلم” و”الرفع من الغلاف الزمني”، وتوسيعه “ليشمل اللغتين الإنجليزية والإسبانية” إلى جانب تدريس اللغة الفرنسية والتدريس بها. وإذا علمنا أن هذه الرؤية المستقبلية تخطط للمدرسة الجديدة في أفق سنة 2030 فمعنى هذا أن المسؤولين عن الشأن التربوي في بلادنا يكشفون عن مؤشر خطير، وهو أنهم لا يأخذون بعين الاعتبار، في هذا الأفق، الوضعية الجديدة للأمازيغية بوصفها لغة رسمية؛ بله ولا يتوفرون على أي مشروع خاص بالأمازيغية حالياً وخلال الست عشر سنة المقبلة.

إن كل ما ما تُقدمه هذه رؤية الوزارة، والذي جاء في متن “المنهاج الدراسي المنقح للسنوات الأربع الأولى للتعليم الابتدائي- يونيو 2015” هو ما يلي:

“بالنسبة للغة الأمازيغية، فإن هذه الأرضية تقترح الاحتفاظ ببرنامجها الحالي بنفس الحيز الزمني مع الحث على تشجيع تخصيص أستاذات وأساتذة متخصصين وقارين لتدريسها في انتظار تقييم التجربة والأخذ بعين الاعتبار توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول وظائفها بالمدرسة والتخطيط لتعميم تدريسها أفقياً وعمودياً في جميع المؤسسات التعليمية الابتدائية العمومية والخصوصية”.

هكذا، إذن، ستنطلقُ فرق العمل التربوي المكونة على صعيد الأكاديميات على امتداد سنة 2015-2016 لمواكبة الأستاذات والأساتذة في المؤسسات المنتقاة كمؤسسات للتجريب وذلك بإمدادهم بنماذج لجذاذات الدروس والمقاطع التعليمية والتتبع اليومي لسير العملية داخل الفصول الدراسية، في الوقت الذي سيتم فيه تأجيل هذه العملية بالنسبة للغة الأمازيغية “في انتظار تقييم التجربة والأخذ بعين الاعتبار توصيات المجلس الأعلى للتعليم”( !!!!!!).

  • الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي

لقد جاء هذا الرأي الاستشاري، كما هو معلوم، في إطار الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، التي طرحها تحت شعار عريض هو: “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، ليؤكد على نفس الاختيار الذي سارت عليه الوزارة، بل وليستعيدَ نفس المضمون الذي كان قد عبّرَ عنه وزيرُ التربية الوطنية السيد رشيد بلمختار حينما قال في إحدى الندوات الصحفية (سبتمبر 2014) أن وضعية الأمازيغية غير واضحة لكي يقرر فيها، وأن الوزارة غير معنية بالموضوع إلى أن يصدر القانون التنظيمي لها؛ وهكذا سيتجه المجلس في نفس اتجاه التأجيل الذي يُمكن إبراز بعض معالمه فيما يلي:

  • أولاً: ربط تطوير وضع الأمازيغية في المدرسة بـ “المقتضى الدستوري الذي ينص على سن قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الاولوية” (مع العلم أن هذا المقتضى لا ينص أبداً على إيقاف مشروع تدريس الأمازيغية ولا عدم إدراجها في المشاريع ذات الأولوية إلى حين صدوره [i]
  • ثانياً: ربط التطوير والمقتضى الدستوري بــ: “إنجاز تقييم شامل لتجربة تدريس هذه اللغة في التعليم المدرسي، وكذا لتجربة الدراسات الامازيغية في التعليم العالي”؛
  • ثالثاً: التراجع عن وضعية اللغة الأمازيغية الاعتبارية التي رسخها منهاج اللغة الأمازيغية والعديدُ من النصوص التربوية والتنظيمية، وذلك بتأجيل إدراج الاستعمال الكتابي لها إلى ما بعد السنة الثانية من التعليم الابتدائي، والتركيز فقط على الكفايات التواصلية في السنتين الأولى والثانية؛
  • رابعاً: تحديد الغاية النهائية من تدريس الأمازيغية عند نهاية التعليم الثانوي التأهيلي (البكالوريا) في جعل المتعلم قادراً فقط على التواصل (ترسيخ المقاربة الشفهية)، وليس التمكن من اللغة الأمازيغية على غرار اللغة العربية (التركيز على الكفايات التواصلية بشقيها الشفوي والكتابي)؛
  • خامساً: عدم التنصيص على إلزامية اللغة الأمازيغية في التعليم الإعدادي والتعليم التأهيلي كما وقع مع التنصيص على العربية والفرنسية والإنجليزية، (إذ اقتصرت الإلزامية فقط على التعليم الابتدائي)؛
  • سادساً: عدم التنصيص على سقف زمني محدد للبدء في عملية تعميم تدريس اللغة الأمازيغية والانتهاء منها؛ وهذا يؤكد، مرة أخرى، لعبة التسويف التي تفتح الباب أمام الإرجاء الأبدي لتعميم الأمازيغية في الابتدائي وإرجاء إدراجها في الإعدادي والتأهيلي؛
  • سابعاً: التنصيص على تدريس اللغة الأمازيغية في مستويات التعليم الابتدائي بوصفها لغة مدرّسة وليس بوصفها لغة للتدريس (على الأقل بعض المواد المرتبطة بالشأن المحلي كما كان قد نص على ذلك المخطط الاستراتيجي لمؤسسة المعهد سنة 2004)؛
  • ثامناً: اعتماد مقاربة تمييزية ضد الأمازيغية تتحدث فقط عن الانتقال من ازدواجية لغوية تعتمد العربية + لغة أجنبية إلى تعدد لغوي قائم على العربية + لغتين أجنبيتين أو أكثر، أي دون الحديث عن تعدد لغوي كامل تحضر فيه اللغتان الرسميتان إلى جانب اللغات الأجنبية المقررة.

الخلاصة:

إنه بهذه القرارات وبهذه النصوص والمواقف سيتعززُ موقف وزارة التربية الوطنية، وهي بصدد إعادة مراجعة وتصويب وتنقيح المناهج والبرامج، إذ ستعتبرُ الأمازيغية غير معنية بكل المشاريع والمستجدات البيداغوجية الجديدة التي يفرضُها سياق الإصلاح في إطار الرؤية الاستراتيجية المشار إليها. ولذلك ستباشر منذ السنة الماضية عدداً من اللقاءات التشاورية على مستوى الأكاديميات بدون إشراك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وستعتبرُ، في إطار الورشة الوطنية التي نظمتها بالرباط أيام 7-9 يوليوز 2015، أن وضعية الأمازيغية الجديدة تستلزمُ الإبقاء على حالتها القديمة في انتظار تنزيل رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي ينص على التراجع عن وضعيتها السابقة في المنهاج بالتركيز فقط على الكفايات التواصلية في السنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي وتأجيل إدراج الاستعمال الكتابي لها إلى السنة الثالثة، وعدم تحديد أي تاريخ للبدء والانتهاء من عمليات التعميمين الأفقي والعمودي.

بل والأسوأ في كل هذا هو أن هذه القرارات ستأتي متوازية مع قرارات الإعفاء المكثفة التي مست العشرات من أستاذات وأساتذة اللغة الأمازيغية على الصعيد الوطني والتي باشرتها -للأسف- الأكاديميات والنيابات ابتداءً من الموسم الدراسي 2015-2016؛ هؤلاء الذين تم تكوينُهم وتكوينهن وتمكنوا من مراكمة تجربة غنية في مجال الديداكتيك والبيداغوجيا الأمازيغيين تتجاوز عقداً من الزمن؛ وهكذا، فإنه بمبرر أن هؤلاء الأساتذة (ـات) يُحسبون على قاعدة مدرسي اللغة العربية والفرنسية، وأن الخصاص في هاتين المادتين “الأفضل” يفرض عودتهم (هن) إلى إطارهم الأصلي (!) سيتم الاستغناء عنهم (ـهن) بجرة قلم، في الوقت الذي يشكل هؤلاء العمود الفقري لإنجاح تجربة تدريس الأمازيغية وتعميمها أفقياً وعمودياً.

 هل هو استباق آخر لإفشال أي مشروع مستقبلي بإفراغ مادة الأمازيغية من أطرها وبإرجاعها (أي الأمازيغية) إلى وضعها الابتدائي ثم إعادة الكرّة مرات ومرات إلى أن يتعبَ الجميع ويتخلّون عن المشروع برمته؟.

—————————————————————–

[i]  وإلا فإن المطلوب أيضاً هو إيقاف جميع المشاريع إلى أن تتوضحَ الرؤية بالنسبة للغات الأخرى: العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية إلخ. إن السيد الوزير أعطى لنفسه كل الحق في أن يقرر في هذه اللغات ويمنحها موقعاً متقدماً إلا اللغة الأمازويغية التي فقط اعتبرها مقصية إلى أن يُحدد المجلس الأعلى للتربية والتكوين موقفه منها؛ ولكأن هذا المجلس (والمجلس الآخر أي مجلس اللغات والثقافة المغربية) لم يأتي إلا ليقرر في الأمازيغية وحدها بالتأجيل دون غيرها من اللغات. إنها التفاهة السياسية والمواقف السلبية التي يحملها بعضٌ من الذين يتحملون مسؤولية التخطيط للوطن.

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …