قصبة “عدي وبيهي”.. معلمة الريش التاريخية

يتميز الجنوب الشرقي بنمط عمراني خاص يتجسد في القصور والقصبات المتناثرة على ضفاف أهم الأودية بالمنطقة لاسيما درعة وزيز فوق الربا والمرتفعات .

وبتصفح المصادر القديمة لم يستعمل مصطلح القصبة إلا في القرن السادس عشر وقبل هذا التاريخ كانت القلاع والحصون هي المصطلحات الأكثر استعمالا بين المؤرخين والرحالة ولم يظهر مفهوم القصبة في المصادر إلا مع المولى إسماعيل الذي أسس عدة قصبات يتجاوز عددها سبعين قصبة؛ بخصائص ووظائف جديدة لحماية السهول ومنع القبائل من النزول وتأمين الطرق التجارية وأهم القصبة المعروفة نذكر قصبة بولعوان أعليل واوطاط ……وبالعودة إلى اللغة الأمازيغية المتداولة بالجنوب الشرقي نجد أن “تغرمت” الكلمة الموازية للقصبة معروفة منذ القديم حتى قبل تأسيس سجلماسة لأن ما يعبر عنه بالحصون والقلاع على صفحات المتن والمخطوطات فهي في شكلها قصبات أو ” تغرما تين ” بالأمازيغية مؤنث أغرم الذي يعني القصر عبارة عن تجمعات سكنية بمواصفات عمرانية وهندسية فرضتها الظروف المناخية والإيكولوجية والأمنية .

وبالرجوع إلى كلمة “أغرم” مشتقة من الجذر اللغوي “تغورما” وتعني الحضارة والاستقرار بدل الانتجاع بين المراعي الصيفية بالجبال والمرتفعات والشتوية بالسهول والمنخفضات ومنها كلمة “أغروم” الطعام الرئيسي والأساسي عند المغاربة وقديما كان الخبز يقتصر عل الساكنة المستقرة المختصة بزراعة الحبوب على ضفاف الأودية فهو طعام القصر (الاستقرار) بينما اللحم واللبن طعام الخيمة (البداوة والترحال) وما يؤكد هذه العبارة ذكر البكري وابن حوقل في حديثهم عن مسوفة أحدى القبائل الصنهاجية التي تستقر إلى يومنا هذا بالجنوب الشرقي”وبين سجلماسة والسودان قوم ظاعنين لتطمئن بهم منزل ليس لهم مدينة يأؤون إليها إلا وادي درعة ؛والزراعة في ديارهم منعدمة وعيشهم اللحم واللبن ينفذ عمر أحدهم ولا يعرف خبزا ولأأكله” فالخبز من هذا المنطلق إذن رمز الحضارة وتمثل زراعة الحبوب مشتلها الأول .القصر تجمع سكني تقطنه عدة عائلات أما القصبة فتختص بعائلة واحدة.وقد اشتهر الجنوب بقصبات قي غاية الدقة والبراعة العمرانية خاصة قصبة أيت بوحدو التاريخية ذات صيت عالمي إذ تستقبل سنويا نسبة مهمة من السياح من مختلف بقاع المعمور.

بعد هذا التقديم الوجيز عن القصبة نشير أن الحقبة التاريخية لظهور القصبات الخاصة بأعيان القبائل وبمواصفات عمرانية جديدة والأكثر تطورا على المستوى الهندسي والمعماري تعود إلى أواخر القرن 19م وبداية القرن20م نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب حيث ساهمت الظروف التاريخية المميزة لهذه الحقبة بظهور القيادات الإقطاعية من ذوي النفوذ وأعوان الاستعمار.

ولعل الكلاوي وعدي وبيهي نماذج حية بالجنوب الشرقي تعبر بشكل ملموس على نمط الاجتماعي والاقتصادي المتبلور خلال هذه الحقبة المتسمة ببداية التغلغل الاستعماري ودوره في تلك التغيرات الطارئة على البنية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب عامة .

*قصبة عدي وبيهي بالريش معلمة تاريخية:
فوق تل مرتفع تقاوم قصبة عدي وبيهي عوائد الزمن حيث تشرف حاليا على المحكمة الابتدائية من جهة ومن جهة أخرى على المحطة الطرقية لتستقبل كل زائر لمدينة الريش بعبق التاريخ وعبير الحضارة المغربية بأشكالها العمرانية المتجذرة في أعماق التاريخ بنكهة أمازيغية متوغلة بين شعاب العصور. لتكون شاهدا على حقبة تاريخية بكل تفاصيلها وتلخص مسار رجل غامض إلى حد التناقض بكاريزمية قل نظيرها.فهو صديق مخلص للاستعمار.

ولما امتدت أيديها لتقليم سلطاته المطلقة تمرد. وقصة الكلب المشهورة والتي يعرفها العام والخاص من أبناء الريش جعلت اليوتنان غوسي”يتهمه بالجنون ويودع بمستشفى الأمراض العقلية ببر شيد سنة 1949م عقابا له على رفض إجراء الاستعمار وليس بدوافع وطنية كما يقول البعض وإنما من غرور الرجل الذي يريد الانفراد بقيادة المنطقة بدون منافس.وبعد الاستقلال تم تعيينه عاملا على تافيلالت؛ ولما عملت الدولة الجديدة على التدخل في تعيين القواد بمجاله الترابي تمرد من جديد وقاد العصيان المعروف بأحداث تافيلالت يناير 1957م.

ينحدر عدي وبيهي من قبيلة أيت يحيى وخليفة إحدى فروع قبيلة أيت يزدك وكان أبوه بيهي نايت رهو شيخا على واحة تعلا لين وبعد خضوع القبيلة للاستعمار الفرنسي سنوات قليلة بعد معركة بوذنيب غشت 1908م.وتم تعيين ابنه عدي خلفا له ابتدءا من 1920م ساهم إلى جانب الجيوش الفرنسية بنصيب أكبر في استعمار أعالي زيز باعتباره الساعد الأيمن لسلطات الاحتلال .وسهل في احتلال الأطلس الكبير الشرقي .

لهذا عين قائدا على أيت أزدك سنة 1933م مكافأة له على المهمة التي قام بها بالمنطقة حيث أبان شجاعة وشراسة لمثيل لها في ردع القبائل المقاومة خاصة أيت مرغاد بأوديم اغف أمان وأيت حديدو بمعركة أيت يعقوب.وبهدف الاستقرار بمركز الريش تم تشييد قصبة على أرض تم انتزاعه من عائلة ازدكية للسكن قريبا من مقر الإدارة الاستعمارية فوق مرتفع بالريش أقديم .

ولكونه حليف الفرنسيين الأوفياء عمل على بناء هذه القصبة اعتمادا على سواعد أيت ازذك عن طريق السخرة (أربعة أيام) وهو أسلوب استعماري ناهجته سلطات الاحتلال وفرضته بالقوة على القبائل وهو نظام العمل في إصلاح الطرق وشقها بين الشعاب والجبال وبناء القناطر والمباني الاستعمارية ومنازل ودور الأعيان بصفة مجانية ودون مقابل.

و كل رب أسرة عليه بالعمل مدة أربعة أيام مع إحضار دابا لحمل الأحجار والأتربة وغيرها من المواد الأولية اللازمة وذلك عن طريق التناوب يسهر أمغار وهو شيخ القبيلة على مراقبة المداومة بكل قرية أوقصر. وبهذه الطريقة تم بناء قصبة عدي وبيهي في ظرف وجيزعن طريق اللوح وهي تقنية بناء معروفة بالجنوب الشرقي تعتمد على ألواح خشبية”تفريوين” والتراب المدكوك الممزوج بأجزاء حجرية لضمان تماسك الجدران.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

تعليق واحد

  1. من فضلك هل للشخصية المذكورة علاقة ب قصيرة ايت بيهي بالراشدية من جهة تازوكا ومشقلال. شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *