سواء كان طبيعيا أو تم صنعه في المختبر، و سواء كان تسريبه في إطار خطة حربية بيولوجية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الإتحاد الأروبي أو تسلل سهوا نتيجة خطإ من طرف الباحثين في المختبر، فإن فيروس كورونا سيذكره التاريخ و سيتحدث عن تداعياته.
سيشهد أنه جائحة حصدت، في جميع أنحاء العالم، أرواحا عديدة لم تحص كلها، و سيخبر الأجيال القادمة، و يُذكِّر من عاش الحجر الصحي، أنه غيَّر ملامح بنية العالم، و أنه ميَّز بين ما قبله و ما بعده.
سيكشف أن النظام العالمي السائد قبله كانت مظاهره اقتصادية تقول بالحرية و الحقوق و الكونية بينما أعماقه مالية سلطوية استغلالية بين أطراف غير متكافئة تهدف من ورائها الدول القوية بكل الوسائل المتاحة لها إلى تحقيق أهدافها المعلنة و غير المعلنة.
و أن العلاقات بين الدول و تحالفاتها كانت صورية في واقع الأمر، لأن من كان يُملي المواثيق و نصوص الاتفاقيات، هم فاعلون مؤثرون يوجدون خلف الستار يخططون و ينفذون على أرض الواقع عبرالشركات عابرات القارات. و أن التعاون الذي كان الجميع يقول به لم يعْدُ أن يكون سوى تداخل المصالح و وحدة المقاصد.
سيحفظ التاريخ أيضا أن الشعوب، في الشمال و في الجنوب و بدرجات متفاوتة، كانت مغلوبة على أمرها. في الظاهر تَختار و تَنتخب، تَنتقد و تَرفض، لكن واقع الأمور ليس كذلك. فما تظنه اختيار هو في جوهره أمر و ما تحسبه انتخاب هو إلزام و ما تعتقده نقد ما هو إلا شرط و ما تعتبره رفض ليس إلا تعليمات.
نفَذَت السلطة إلى عمق المجتمع و صيرته آلة طائعة و وضعت له مقودا توجهه أنّا شاءت. و أن الأفراد في العالم لم يكونوا سواسية لا في الحقوق و لا في الواجبات داخل الدول التي كانوا يشتغلون لصالحها و أنهم لم يحظوا بالتقدير نفسه بين مختلف مكونات كل مجتمع.
سيستثني التاريخ الجنوب و يروي أن بلدانا اسْتُنزِفت من خيراتها الطبيعية و طاقاتها البشرية، و أن البحر الأبيض المتوسط كان قبرا جماعيا مفتوحا و أن الموؤوذين لم يُسألوا قط بأي ذنب هُلِكوا.
سينبئ كيف أنه ( الجنوب) بايعاز من قوى خارجية، اعتبر التعليم و الصحة قطاعين غير منتجين و قرر التخلي عنهما، و همش الجد و الاجتهاد و المثابرة في الفن و الإبداع و رعى و صان الهزل و اللهو و التخاذل. و بالغ في الاقتراض من الهيآت المانحة و البنوك الدولية و رهن بذلك مستقبل شعوبه عند هذه المؤسسات لأجيال و أجيال.
و سيشهد أنه في عز الأزمة التي تسببها الفيروس و الشلل الذي نتج عنها، نهض الأطباء و الطبيبات و الممرضات و الممرضون و نساء و رجال التعليم، أولئك الذين كانوا إلى عهد قريب يجوبون شوارع العواصم صارخين و منددين بالسياسات المتبعة و بالقرارات المتخذة و تم تعنيفهم و النيل من سمعتهم لا لشيء إلا لأنهم نبهوا إلى الخطر الذي يتهدد المجتمعات. نهضوا بكل عزم و حزم و انطلقوا، مع الأمن جنبا إلى جنب، في مقدمة الغيورين على الوطن وعيا منهم أنه في حاجة ماسة إليهم، فوضعوا أنفسهم رهن إشارته تلبية للنداء و استجابة للاستغاثة. و تكبدوا، من أجل ذلك المتاعب و المصاعب و تحملوا أكثر من طاقتهم.
تخطوا حاجز البنية التحتية الهرئة، و تسلحوا بعزيمتهم و اعتمدوا على كفاياتهم و ممتلكاتهم و لم يلتمسوا مدحا و لا ثناء و لم يترددوا لحظة قياما لما اعتبروه واجبا. فإذا كان لكل زمان رجالاته ، فإن لهذه المرحلة بطلات و أبطال ستحتفظ لهم ذاكرة الشعوب بما أبلوا من البلاء الحسن.
ستمر الضائقة و يزول العسر، و سيصبح الحدث في سجل التاريخ كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا و تستمر الحياة بمن بقي على قيدها. لكن، هل ستستوعب الدول الدرس الكوروني و تعيد ترتيب أولوياتها؟ أم أنها ستبقى وفية لأفكارها و خالصة لنهجها و تغير فقط جلدها و تستعيد عاداتها ؟
هل ستصحو شعوب الجنوب من غفلتها و تدرك حجم الخسائر التي تكبدتها، و الخداع الذي كانت ضحيتها و تكون في الموعد مع التاريخ؟
هل ستعود الحكومات إلى رشدها و تتعقل و تفهم، رغم التأخير الحاصل، أن أهمية الصحة و التعليم في المجتمع لا تقاس بأي مقياس و لا تقدر بأي ثمن ؟
هل تسطيع أن تستثمر هذه اللحظة و هذه اللحمة الإجتماعية في ما يلي من الأيام؟