في الوقت الذي ننتظر فيه أن تطلعنا الحكومة على خططها القطاعية والعرضانية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وفق مقتضيات القانون التنظيمي 26.16 بعد انقضاء الآجال القانونية منذ مارس الماضي كما يحددها القانون نفسه في مادته رقم32، تفعيلا للفصل الخامس من دستور المملكة لسنة 2011. اعتمدت الحكومة على مقاربة غير تشاركية وتجزيئية بطرح مشاريع قوانين ومراسيم تنظيمية تعاكس مضامين الدستور مستغلة فرصة الفراغ التشريعي والقانوني وظرفية الحجر الصحي لتمريرها دون أن تراعي أهم المستجدات القانون التشريعية والقانوينة التي ترهن واقع ومستقبل الامازيغية، وتحقيق الغايات الدستورية من ترسيم اللغة الامازيغية، وتوفير الشروط والضمانات الكافية لإدماج منصف وعادل للغة الامازيغية.
يندرج مصادقة الحكومة على مشروع القانون 04.20 المتعلق ببطاقة التعريف الوطنية بدون إدراج اللغة الامازيغية واحالته على لجنة الداخلية والجماعات الترابية بالبرلمان للمصادقة عليه ضمن سياسة واستراتيجية حكومية تسارع لإفراغ القانون التنظيمي 26.16 من مضامينه وتتنصل بذلك من مسؤوليتها والتزاماتها تجاه الامازيغية. اذ كيف يعقل أن تعمد الحكومة إلى اعداد مشروع قانون 04.20 والمصادقة عليه متجاهلة مادته 21 من القانون التنظيمي 26.16 والذي ينص صراحة على ضرورة تضمين اللغة الامازيغية لبطاقة التعريف الوطنية الى جانب اللغة العربية.
تعيدنا الواقعة الحالية الى التساؤل عن الأسباب والدوافع التي جعلت مجلس الحكومة يصادق على قانون مخالف للدستور دون تمحيص، ويجز بنا من جديد في معركة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص دستورية او لا دستورية القانون. والغريب في الامر، وإن سقطت صفة الغرابة على سلوكات الحكومة إذ صارت تقود مبادرات تشريعية وتكون اوت المبادرين الى نقدها او رفضها، حيث ستسارع كل الفرق البرلمانية دون استثناء الى التنديد والرفض والدعوة الى تعديل القانون مشروع 04.20 في سيناريو مشابه لما وقع اثناء التداول بخصوص القانون المشؤوم الخاص بمشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة ومشروع قانون رقم 40.17 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب وخاصة المادة 57 وما واكبها من نقاش بخصوص استعمال الامازيغية في الأوراق النقدية.
تحثنا الواقعة الحالية الى التساؤل موسوم بالشك والريبة، في نفس الوقت، في درجة جدية الدولة لتفعيل التزاماتها الدستورية بخصوص الأمازيغية، واملكها لرؤية استراتيجية لبلورة مخططات قطاعية تؤمن للأمازيغية شروط الحماية والنهوض والحيوية ترصيدا لمكتسبات ما يزيد على عقدين من الزمن، منذ خطاب أجدير بتاريخ 2001 والوثيقة الدستورية لسنة 2011، كما يدعونا الى التساؤل بخصوص مستوى تملك الفاعل الرسمي للوضع الجديد الأمازيغية وما تعنيه رسميتها؟ وجاهزيته واستعداده لإرساء سياسة مصالحة هوياتية تدريجية على الصعيد الوطني؟
كما أن الواقعة تسائل المسؤولية السياسية والقانونية الحكومة بخصوص مشروع القانون04.20، فكيف يعقل ان لا تصدر موقفها بخصوص ما يجري، والاكتفاء بتسريب اراء وتبريرات مصادر امنية للدفاع عن مشروع القانون وتبرير الدوافع والأسباب التي كانت وراء اقصاء الامازيغية، علما ان المديرية العامة للأمن الوطني تتحمل فقط المسؤولية التدبيرية والتقنية لإصدار بطاقة التعريف الوطنية وفق ما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل. كما يحق لنا التساؤل هل المسألة تقنية ام قانونية أو سياسية؟
قد تكون المسألة تقنية للإدارات التي تعكف على اصدار البطاقة، ولكن بالنسبة للحكومة فالإشكال اظنه أعمق من ان نحصره في اشكال تقني، بل اشكال مرتبط ببعد النظر واحترام اختصاصاتها التشريعية واحترامها للدستور والمؤسسات التشريعية، والا فما مبرر أن تصادق على مشروع يتعارض مع الدستور ولا يحترم القوانين التنظيمية خاصة القانون 26.16. حتى وان كانت المسألة تقنية كما ورد بأحد المواقع الاليكترونية على لسان مصادر امنية، فلما العجلة في اصدار القانون وفي هذه الظرفية بالذات؟ ولما لا يتم الانتظار الى توفير الشروط القانونية وتحيين المراسيم التنظيمية الخاصة بالحالة المدنية حتى نضمن تدبير أحسن لعملية اصدار بطائق التعريف الوطنية، واحترام الآجال القانونية لتعميم استعمال الامازيغية فيها والمحدد في عشر سنوات على الأكثر. المتاهة التشريعية لما بعد دستور 2011 أهدرت حوالي 10 سنوات، فلا ضير ان انتظرنا سنة إضافية لتحيين القوانين المنظمة للحالة المدنية. خاصة ان لا شيء يستعجلنا لإصدار قانون لا دستوري بمبررات في ظاهرها تقنية وباطنها عنصرية وتمييز ممأسسين في عقليات مدبيري سياساتنا العمومية والترابية.
وهنا تحضرني مبادرة قامت بها الشبكة الامازيغية من اجل المواطنة والتي قامات بإصدار دليل خاصة بادماج الامازيغية في الجماعات الترابية ويتضمن ترجمة للعديد من الوثائق الرسمية ومنها الخاصة بالحالة المدنية منذ 2014، والذي تم توزيعه على نطاق واسع وارساله للمديرية العامة للجماعات الترابية منذئذ.