الغنيمة هي نمط إنتاج اقتصادي كان سائدا في شبه جزيرة العرب، لذلك لا يمكن ان تفهم عقلية الانسان العربي خارج عنصرين أساسيين وهما الحرب والغنيمة، بمعنى ان الثروة والغنى لا يمكن ان يحصل آن ذاك خارج هذه المعادلة، ومن هنا تحركت شعوب هذه المناطق لغزو شعوب آخرى مختلفة عنهم ثقافيا، وفي نمط الإنتاج. اذا اخدنا على سبيل المثال غزو مصر، كان بسبب وجود اراضي صالحة للزراعة ، وعندما غزاها العرب قاموا بتطبيق نمطهم في الإنتاج وهي الغنيمة المقنعة، والتي تتجلى في الاعشار، والعمل مقابل الخمس او السدس، لأن الذي ينتصر دونا هو من يفرض شروط الهدنة وهكذا دواليك. في شمال افريقيا وقع نفس الشئ عندما اصطدم نمط انتاج زراعي امازيغي والذي يسمى تيويزي مع نمط الإنتاج المبني على الغنيمة ، الامازيغ كما هم معروفون في التاريخ شعب يثقن الزراعة والتجارة ، هذه المسألة ستتغير بوصول الأفواج الاولى لعساكر شبه الجزيرة العربية ، والذين لا يتقنون لا التجارة ولا الزراعة، لأنهم في الأصل قبائل مقاتلة تعيش على الغنيمة والنهب والسلب حسب ابن خلدون، هذا المعطى حتم على الامازيغ الدخول معهم في حروب دامت زهاء مئة عام، انتهت بأسلمة أجزاء بسيطة من مجالات شمال إفريقيا ، ونزر قليل من سكانها، ولكن تأثير المواجهة والاحتكاك بين الطرفين ادى الى حصول انقلاب في انماط الإنتاج الاقتصادي السائدة في المنطقة، وفي هذا الصدد نفهم العطب الذي اصاب نمط انتاج تيويزي، وانحصاره في الجبال والصحاري البعيدة ، بينما المدن بدأت رويدا، رويدا في تغيير انماط انتاجها، وباتت تتعرب شيئا فشيئا. منذ ذلك الوقت اصبح المغرب الأمازيغي/الجبلي/الصحراوي ونمط انتاجه محاصرا غير مرئي، وهنا انتبه بعض الباحثين الغربيين الى مسألة مهمة جدا في تاريخ أسلمة المجال الشمال افريقي، واقروا ان كل مجموعة امازيغية اعتنقت الإسلام الا وتبنت نمط انتاج الغنيمة، هذا التبني هو الذي جعل الناس لا يفرقون بين العناصر الثقافية المكونة للجيوش المتحركة وجعلهم يسقطون في خلط سافر واسقاطات متعسفة على ثقافة شعوب الصحراء، والتي هي في العمق ثقافة وحضارة امازيغية صرفة، فمثلا عندما اسلمت قبائل صنهاجة، “ومنها أگدال “كدالة”،وامسوفن “مسوفة”، وإلمتان، لمتونة، تبنت بشكل مباشر أسلوب الغنيمة، وذلك عندما تحركت صوب الشمال وسلكت طريق الذهب الذي اوصلها الى سجلماسة التي كانت عملتها آن ذاك تضرب من الذهب الخالص وفيها حمامات ومرافق صحية وتجارية وبيوتات خاصة باستقبال التجار والصناع والحرفيين، والهدف من وراء ذلك التحرك اخضاع شعوبها، للسيطرة، وحينها كانت أغمات، مزدهرة وتعرف رواجا تجاريا حقيقيا، بفعل سياسة دولة امغارن الناجحة في تدبير شؤون التجارة والزراعة، ما جعل جيوش المرابطين تتحرك صوبها اولا، ولم تتحرك صوب فزاز، ومدن الشرق التي كانت تعاني في تلك الفترة من نقص مهول في كل شيئ. هذا كله ان صنهاجة كانت حديثة العهد بالاسلام السني الذي جاءهم من سوس عندما انتقل عبد الله ابن ياسين الى الصحراء الكبرى تلبية لتوصية ابي عمران الفاسي لشيخه آنذاك سيدي وگاگ،، هذه الخلاصة ستتضح اكثر في تجربة الموحدين ، وفي العهد “المريني بشكل أوضح، عندما انتدبت قبائل “الأعراب لحكم اجزاء مترامية الاطراف من شمال افريقيا باسمهم، وكانوا يمارسون تجارة الرق بنوعيه الابيض والاسود مع البرتغاليين في حصن اسفى ومزگان، وذلك وفق نمط انتاج اقتصادي واضح المعالم ومحدد وهو الغنيمة، دائما، وفي هذا الصدد لا يفوتنا ان نذكر بتحرك ما تبقى من القبائل الهلالية صوب الصحراء الكبرى وبقية القصة معروفة الى حدود السبعينات، والثمانينات. بزوغ الالفية اعاد الى الأذهان قصة الرمال المتحركة، والتي يتحرك كل شيئ في الصحراء عند تحركها أقول يتحرك كل شي، بما فيها المواقف السياسية، ومنها تغيير البندقية بالقلم. تغيير يذكرنا بحادتة تجريد الأمازيغي من السلاح عقب الهزيمة في حرب شرسة، وحينها ادعنت قبائل الزوايا وهي قبائل امازيغية صنهاجية لشروط المنتصر وهم دوي حسان وتخالفهم من قبائل بامبارا وموطنها جنوب منطقة أزواض الحالية على وضع السيف ورفع القلم بدلا منه.
الحسين بوالزيت صحفي وباحث في التاريخ
اقرأ أيضا
الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية
أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …