لماذا تبنت الحركة الثقافية الأمازيغية العلمانية والنسبية والعقلانية ومبدأ النقد والتصحيح؟

بقلم: سليمان بنعيسى*

في أي سياق أتت هذه المبادئ ؟

أولا : لماذا العلمانية ؟

كما لا يخفى على الجميع تعريفها الكلاسيكي و هو فصل السياسة عن الدين…

ومن اجل فهم منطقي و معمق في مدلولها المافيهيمي ، لا بد من معرفة الحيثيات التاريخية لبروزها كمفهوم و كممارسة .

لنتفق أولا إن العلمانية إنتاج أوروبي لذلك لا بد من النظر في الظروف التي أدت الى بروزها . إن الظرفية التاريخية التي عاش فيها الإنسان الأوروبي من الاضطهاد الكنسي و الوصاية التي مارستها عليه جعلته يفكر في نظام يضمن له حقه في حرية الاعتقاد أو عدمه ، بمعنى إبقاء الجهاز الديني المتمثل في الكنيسة في الإطار الذي وجدت لأجله ، و عدم التدخل في الامور الدينية التي تخص كل فرد في علاقته مع الإله، و بالتالي عدم ممارسة أي وصاية دينية كيفما كانت سواء في الاعتقاد أو الممارسة .

ومن الملاحظ تقريبا نفس الوصاية يمارسها النظام المخزني في المغرب الذي بنى مشروعيته على أساس ديني .

مما سيجعل مجموعة من التنظيمات السياسية ذات مرجعية إسلامية تمارس نوعا من الوصاية على الإنسان المغربي ، ومن بين هذه التنظيمات جماعة العدل والإحسان في شخص طلبة العدل و الإحسان الذين كانت لهم محاولة في تغيير اسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى الاتحاد الإسلامي لطلبة المغرب ، بداية التسعينات من أجل أسلمت الجامعة ، التي تعرف بطبيعة الحال وجود المتدينين المسيح و كذلك اليهود و اللامتدينين أيضا …
وهذه الممارسات تزامنت مع ظهور الحركة الثقافية الامازيغية في الجامعات المغربية ، الشيء الذي سيؤدي بمناضليها تبني العلمانية كإجابة علمية لواقع الجامعة المغربية التي يتواجد فيها كما قلت سابقا مختلف المتدينين … إيمانا منهم أن الاعتقاد حرية شخصية مقدسة لا يحق لأي كان أن يتدخل فيها . و إيمانا منهم أيضا أن الجامعة فضاء للعلم و المعرفة و ليست فضاء للدعوة أو التبشير ، فلذلك أماكن مخصصة لعين الهدف .

ثانيا : لماذا النسبية ؟

إن مؤرخ العلوم بصفة عامة ، و مؤرخ النظريات العلمية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية … خاصة ، لا يؤرخ للنظرية كإنتاج معرفي أتى عن طريق الصدفة ، بل لا بد له من النظر في كل الحيثيات و الشروط الواقعية التي أدت بالمنظر إلى استخلاص نظريته. بمعنى أن التنظير لا ينفصل عن الشروط الموضوعية للواقع المعايش. لذلك نجد تعاقب النظريات عبر التاريخ ، فعلى سبيل المثال نظرية مركزية الكون التي ظل الناس لوقت طويل يعتقد بنظرية بطليموس أي أن الأرض هي مركز الكون و أن الشمس هي التي تدور حولها . و عكس هذا ما سيثبته كوبرنيك بنظريته مركزية الشمس و الأرض التي تدور حولها . و إذا كان الأول وصل إلى نظريته (مركزية الأرض) استنادا إلى بعض النصوص الدينية ، فذلك لأن في تلك الفترة كان الدين يمثل الحقيقة و اليقين المطلق . و إذا كان الثاني كذلك وصل إلى نظريته عن طريق العلم فذلك أن تلك الفترة أيضا كانت تشهد فترة إنتقالية من الإيمان المطلق إلى النظر العقلي .

إذن لا حقيقة مطلقة مادام أنها لا تنفصل عن الواقع كإيديولوجية قوية تفرض نفسها .

تبنت الحركة الثقافية الامازيغية مبدأ النسبية إيمانا من مناضليها أنه لا توجد نظرية كيفما كانت تشكل نوعا من الإجابة العلمية لأي زمكان، و خاصة بعد تبنى بعض المكونات اليسارية داخل الجامعات المغربية للنظرية أو الفكر الماركسي ، ظنا منهم أنها الإجابة العلمية للواقع المغربي ، متناسين الشروط التي أدت بماركس إلى استخلاص نظريته ، و التي لم تفرز بعد شروط مماثلة لتلك في المجتمع المغربي.

لذلك ارتأى مناضلي الحركة لتبني مبدأ النسبية إيمانا منهم أن لا شيء مطلق مادام هناك سيرورة تاريخية تفرز باستمرار شروط موضوعية جديدة تستدعي بحثا معمقا .

ثالثا : لماذا العقلانية ؟

إن الباحث في مجال الفلسفة، و بداية التفكير الفلسفي لا بد له من ألاطلاع على الأسباب و التداعيات التي أدت إلى نمو هذا التفكير كأداة لتجاوز التفكير الأسطوري الذي ساد في اليونان لفترة طويلة و الذي يحلل الظواهر الطبيعية انطلاقا من الأسطورة، ليحل محلها تفكير يعتبر فيه العقل كأسمى معطى في الإنسان وجب استخدامه من أجل تحليل كل الظواهر الطبيعية ، ومن أبرز العقلانيين في اليونان سقراط ، أفلاطون ، أرسطو …

وكذلك برز هذا المفهوم كممارسة وكمنهج للبحث العلمي في مختلف العصور، ومن بين أهم روادها، على سبيل المثال لا الحصر. نجد رونيه ديكارت الذي أثبت وجوده عن طريق العقل كأداة فاعلة في البحث، من خلال الكوجيطو المعروف “أنا أشك ، أنا أفكر ، إذن أنا موجود” . و كذلك المعتزلة في الفكر الإسلامي الذين اتخذوا العقل أساس تفكيرهم في تأويل النصوص الدينية .

فالعقلانية إذن منهج في التفكير حضر في كل المحطات التاريخية للإنسان أثناء بحثه عن الحقيقة ، واليقين … تبنت الحركة الثقافية الأمازيغية هذا المبدأ لمجموعة من الاعتبارات أهمها الظرفية التاريخية لبروزها داخل الجامعات المغربية ، حيث كانت التيارات اليسارية تحلل البنية الاجتماعية انطلاقا من نظريات جاهزة ، أي أنها لم تبذل أي مجهود عقلي من أجل تحليل البنية الاجتماعية تحليلا عقليا يراعي الشروط الموضوعية لهذا الواقع .

وجاء تبني هذا المبدأ من طرف الحركة كإجابة موضوعية في تحليل الواقع و فهمه ، من خلال استحضار سؤال الواقع كبنية يشكل فيه العقل فاعلا متميزا ، والرهان الوحيد على فهم و تفسير هذا الواقع .

رابعا : لماذا النقد ، والتصحيح وفي أي سياق أتى هذين المبدأين؟

لا يمكن لأي كان أن يحكم عن تاريخ الحركة الطلابية في شخص منظمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ، بأنه تاريخ أسود ، أو أنها تجربة فاشلة . نظرا لما قدمه مناضلي هذه المنظمة من تضحيات جسام من أجل تحصين المطالب سواء كانت مادية أو معنوية .

لن أسرد الأحداث التاريخية لهذه المنظمة ، بقدر ما سأقف عند بعض الملابسات لمؤتمرات هذه المنظمة و كذا بعض المقررات التي تستدعي الكثير من الفحص و التمحيص . أولها غياب تام لتحديد مجالي لمفهوم الوطن ، لذلك دائما ما نجد تبني القضايا الشرقانية كقضايا وطنية ، على حساب القضايا الوطنية الحقيقية ، فمثلا أثناء إنتفاضة الريف سنة 1958/1959 قام أوطم بعقد مؤتمراته ، في حين نجده علق عنها سنة 1967 و التي تزامنت مع إنهزام الجيوش العربية مع إسرائيل.

الشيء الذي سيؤدي بمناضلي هذه المنظمة بقيادة يسارية إلى اعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية ، ودعمها عسكريا و سياسيا و ربط نضال الشعب المغربي بنضال الشعب الفلسطيني في إطار الثورة العربية .

إن إعادة النظر في هذه المواقف ستفترض جدلا أن هذه المنظمة ليست منظمة نقابية هدفها الأول و الأخير هو الدفاع عن المصالح المادية و المعنوية للطلبة، و ستفترض أيضا أن هذه المنظمة نظام سياسي أو حزب ثوري .

فكيف يعقل أن تدعم القضية الفلسطينية عسكريا و أنت تناضل من داخل إطار هو في الأصل نقابة تدافع فقط عن المصالح المادية و المعنوية للطلبة داخل الفضاء الجامعي . أو بالأحرى كيف يمكن لطالب يعاني الويلات من الإقصاء و التهميش أن يدعم القضية الفلسطينية عسكريا … و من الملاحظ أيضا تغييب تام للعنصر الأمازيغي الذي يشكل البنية التاريخية و البنية الاجتماعية الهوياتية الحاضرة لشمال إفريقيا .

لكل هذه الاعتبارات ستكون لمناضلي الحركة الثقافية الامازيغية نظرة نقدية تستوجب عليهم تصحيحها و إزالة الضبابية العروبية عنها . لذلك ارتبط مفهوم النقد عندهم بالتصحيح. و ذلك بتبني هموم الشعب الامازيغي على طول الخريطة المجالية لشمال إفريقيا بشكل عام ، و قضايا الشعب الامازيغي المغربي ، و هنا أقصد كل من يقطن في هذه البقعة الجغرافية.

ومن خلال المطالبة بكتابة التاريخ الذي كتب بدماء الشهداء الذين دافعوا عن القضية الامازيغية كقضية شمولية، و الذين حملوا بوادق تثور من أجل مقاومة الاستعمار سواء العروبي أو الأوربي الاسباني و الفرنسي .. بأقلام موضوعية و نزيهة و كذا تصحيح مفهوم الوطن الذي لا ينفصل عن الواقع و قضاياه الحقيقية، و بالتالي تصحيح مفهوم الوطنية الذي طالما ظل حبيس الوطن الوهمي.

* مناضل الحركة الثقافية الأمازيغية موقع ثيطاوين

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

تعليق واحد

  1. القول بالعلمانية لا يستقيم مع مبدأ النسبية، فالخطاب الفلسفي الغربي اليوم يطرح ما بعد العلمانية كخطاب جديد يتجاوز مطبات التصور العلماني، خصوصا في العلاقة بين الديني والدنيوي، انظر ادغار موران في مقال ثقب العلمانية الأسود، هكذا فالعلمانية ليست مسلمة نهائية، يمكن تجاوزها في إطار القول بالنسبية، ومن هنا لابد من تجديد تصور الحركة الامازيغية من الداخل، فكريا وعمليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *