ولماذا السؤال المتفرع: مساءلة الحكامة التشريعية والحكامة الأمنية خلال هذا الزمن الإستثنائي؟
إن الهدف من اختيار المحور الأخير واعتباره متفرعا عن السؤال الأول هو الدفع بالنقاش الى مساءلة الحكامة التشريعية من خلال سؤال شرعية قانون تدبير الطوارئ، وطرح فرضية أنه غير دستوري وبالتالي يحتاج إلى فحص شرعيته من قبل القاضي الجنحي فيما يخص العقوبات الزجرية التي تضمنها في مادته الرابعة، باعتبار أن التشريع في مجال الحقوق والحريات والمنظومة القانونية الجنائية من اختصاص مجال القانون ( البرلمان ) وليس المجال التنظيمي ( السلطة التنفيذية ) وهذا يحفزنا إلى طرح إشكالية ما يسمى بالعقلنة البرلمانية المأخوذة عن التجربة الفرنسية ( الجمهورية الخامسة ) والتي تهدف إلى تقييد العمل التشريعي للبرلمان، وفسح المجال لهيمنة الحكومة في مجال التشريع، وبالتالي ممارسة التفويض الضمني دون حاجة ألى سلوك مسطرة استصدار قانون الإذن الفقرة الاخيرة من الفصل 70 من الدستور .
وحتى بالنسبة للذين يعتبرون ان عملية تشريع قانون الطوارئ الصحية سليمة وشرعية استنادا إلى الفصل81 من الدستور فإنه رغم إنعقاد الدورة التشريعية لم يعرض القانون على المصادقة وفق ما يقتضيه نفس الفصل “”يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية””.
إن الهدف هو إثارة هذا الغبن التشريعي، في الوقت الذي اعترف فيه دستور 2011 للبرلمان بصفة السلطة التشريعية بعد أن مجرد مؤسسة تشريعية تصوت على القوانين وتصادق عليها، كغرفة للتسجيل، فقد حدد الدستور الجديد مجال القانون المحفوظ للبرلمان في 30 مجال، بعد أن كان الملك محتكرا للتشريع بواسطة الظهائر. والمهم من معالجة هذا السؤال هو بلوغ الهدف الخاص هو إثارة إشكالية تنصل البرلمان من ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية إلى حد التراخي بتمكين الحكومة استصدار ترخيص ضمني طبقا للفصل 81 والإستغناء عن مسطرة التفويض التشريعي شذوذا عن الفصل 71 الذي يخول التشريع في 30 مجال (بينها التشريع الجنائي) كاختصاص أصيل، وترك ما عداه للسلطة التنظيمية، إذن يكون الهدف الخاص هو مساءلة الحكامة التشريعية من خلال بلورة توصية بتأهيل الأمن القانوني والحكامة البرلمانية، بناء على المعطيات المستجدة التي جاء بها سياق وتداعيات الوقع الحقوقي والسياسي والإجتماعي لحركة عشرين فبراير 2011، والتي توجت مسارات ونضالات المغاربة طيلة عقود من الزمن الإجتماعي.
بصرف النظر عن التراكمات الناتجة عن التعاقدات والتسويات التاريخية، أهمها توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة والتي وافقت عليها المؤسسة الملكية وقررت في خطاب تاسع مارس دسترتها ضمن دستور 2011، وفعلا تم تخصيص الباب الثاني منه لصك الحقوق والحريات، ناهيك عن تجريم كل الفظاعات الجسيمة المنتهكة لحقوق الإنسان، من الاختفاء القسري الى التعذيب عبر الإبادة والاعتقال التعسفي …
وكانت من أهم التوصيات وأقواها التوصية المتعلقة بالحكامة الأمنية. ومن بين المقتضيات الدستورية لضمان التفعيل الجيد والجدي هو تخويل الجهاز القضائي السلطة والإستقلالية، بتشكيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ليمارس الرقابة ويحصن الأمن القضائي والتطبيق السليم والنزيه للقانون، وكذا التأسيس للمجلس الأعلى للأمن لتكريس الحكامة الأمنية واستشراف السياسات العمومية في مجال الأمن، وطبعا تأهيل صلاحيات البرلمان كسلطة تشريعية، ليبقى السؤال: لما تسير الحكومة عكس تيار الإصلاح الدستوري والمؤسساتي الذي جاء به السياق أعلاه، رغم أن الهندسة الدستورية كرست موقعا امتيازيا للمؤسسة التشريعية وخولتها امكانية الإرتقاء واقعيا وحقيقة إلى سلطة تشريعية، فمن خلال الإطلاع وقراءة دستور 2011 يتبين بانه ركز في فصله الأول على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية. ووصف الملكية بالبرلمانية يعد مبدئيا بمثابة رد الإعتبار للقيمة الدستورية للديمقراطية التمثيلية باعتبارها مبدء من المبادئ الجامعة التي تجسد سيادة الأمة التي تمارسها بواسطة ممثليها، وفق ما ينص عليه الفصل الثاني من الدستور، والذي يحيل ضمنيا على الفصل السابع الذي يخول واجب وحق المساهمة في تأطير المواطنات والمواطنين بناء على دور الأحزاب السياسية، مع تخويل المعارضة ادوار وصلاحيات في الرقابة والتشريع، طبقا للفصل العاشر، لم تكن لها فيما سبق، وهو مستحق لها كأقلية، بناء على الدستور مما يضمن التعددية البرلمانية، و يعزز منظومة التنوع داخل الشأن البرلماني. ناهيك عن صلاحية البرلمان، طبقا للفصل 55، في إحالة الاتفاقيات الدولية المخالفة للدستور على المحكمة الدستورية، حيث لا تتم المصادقة إلا إذا عدل الدستور. وقد تكرست سلطة البرلمان بتخصيص الباب الرابع له كموقع إمتيازي خاصة وأن الفصل 60 نص على أن البرلمانيين يستمدون نيابتهم من الأمة، فهم لايتابعون بمناسبة إبداء آرائهم إلا في حالات لها علاقة بالثوابت حسب ما ينص عليه الفصل 64؛ كما ان البرلمان صار طبقا للفصل 67 من الدستور، يمارس رقابته التشريعية والسياسية عبر إمكانية تشكيل لجان لتقصي الحقائق التي تعد تقارير تعرض على الجلسة العامة من أجل المناقشة مع الإحالة على القضاء عند الاقتضاء؛ ناهيك عن الحق في وضع نظام داخلي لتوضيح وتحديد الوظائف البرلمانية والتي تركز على التصويت على القانون ومراقبة عمل الحكومة وتقويم السياسات العمومية طبقا للفصل 70، إضافة إلى مقتضيات دستورية أخرى تخول اقتراح القوانين والتي أجاز الدستور مدارستها مرة كل شهر خاصة مقترحات المعارضة طبقا للفصل 82.
وكذا القوانين التنظيمية الفصل 86 ، وتنصب الحكومة بناء على ثقة مجلس النواب الفصلى88، وإلزامية حضور رئيس الحكومة مرة في كل شهر للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الفصل100؛ وكذلك تمكين البرلمان من مطالبة رئيس الحكومة بالحصيلة وتخصيص جلسة سنوية للسياسات العمومية الفصل101. وتخويل البرلمان حق الإستماع لمسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية الفصل 102 من الدستور. ثم انتخاب البرلمان ستة أعضاء يضافون إلى تشكيلة المحكمة الدستورية الفصل 129، بالإضافة الى تنسيق و ضرورة تفعيل العلاقة مع المجلس الأعلى للحسابات في مجال مراقبة المالية العامة والمساءلة والاستشارة، ثم الاهتمام بمناقشة التقرير السنوي الذي يقدمه رئيسه أمام البرلمان الفصل 148. وتنسيق العمل الاستشاري مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفصل 152.
ومن أهم المقتضيات تمكين مجلس النواب من حق اتخاذ المبادرة قصد المراجعة الدستورية. خاصة وأن الدستور أجاز للملك مراجعة بعض مقتضيات الدستور، شريطة موافقة ثلثي اعضاء المجلس.
فكيف يمكن تأهيل الفعل الحزبي لكي يسترد ادواره الدستورية في مجال التشريع والمشاركة في صناعة القرار السياسي والأمني، والحال أن الفاعل الحزبي ولا حتى الحكومي يعتبر أن الشأن الأمني مجال محفوظ للملك؟ وهل يعقل التأسيس للملكية البرلمانية كنظام حكم دون تمثل والدفاع عن الملكية البرلمانية كمقتضيات وصلاحيات وهندسة يوفرها الدستور المغربي مبدئيا ودون تأهيل ورد الإعتبار للديموقراطية التمثيلية ؟
رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي، و المركز المغربي للديموقراطية والأمن *