أخبار عاجلة

لماذا لا يوجد لفظ مؤنث لـ”الملك” في الإنجليزية؟ الأمازيغية تكشف السر

عبد الله الحلوي

من الظواهر المحيرة في اللغة الإنجليزية أن لفظة queen “ملكة” ليست مشتقة من الإسم المذكر الدال على “الملك” أي king فمعظم الألقاب المؤنثة الدالة على مرتبة من مراتب السلطة ك mistress “سيدة”، و duchess “الدوقة”، و priestess “الكاهنة” مشتقة من نظيرها المذكر (أي master “سيد” و duke “الدوق”، و priest “الكاهن” على التوالي). لقد كانت المورفولوجيا الإنجليزية ستكون أكثر انسجاما وأيسر في التعلُّم لو أن الإسم الدال على “الملكة” كان هو “kingess” بإضافة اللاحقة ess الدالة على التأنيث.

سأبين أن السر في غياب هذا الإنسجام المورفولوجي لا يمكن فهمه إلا في إطار تطور هذه اللفظة من أصلها في لغة إيغود (الصورة الأقدم للأمازيغية) حتى اليوم. بهذا المعنى فإن الأمازيغية هي “الشفرة السرية” ــ الطبقة اللغوية الدنيا التي تخترق لغات العالم.

تاريخ كلمة queen

ينبغي أولا أن نذكر بأن الأصل الجرماني للفظ queen هو kwēniz والذي لم يكن يعني “ملكة” بل “امرأة” أو “زوجة”. واشتُقّ هذا اللفظ الجرماني الأصلي بدوره من الجذر الهندو أوروپي gʷen يعني أيضا “امرأة”. يوجد جذر يقابل هذه اللكلمة لفظا ومعنى في اللغات الألتية (عائلة لغوية منتشرة في آسيا الوسطى وسيبيريا) أي جذر kune ويعني “امرأة”، وجذر في لغات الإسكيمو والآلوت (لغات السكان الأصليين لألسكا وكندا ومناطق أخرى قريبة منهما)، أي جذر aʁna ينطق “أغنا” ويعني أيضا “امرأة”. (راجع معجم “اللغات النوستراتي”)
أما انتشار هذا اللفظ بمعنى “امرأة” في اللغات الهندو أوروپية فالدليل عليه قائم لا شك فيه. فنقول في اللغة الهندية القديمة gnā́ بمعنى “الأنثى الإلهية”، وفي الأرمينية kēn بمعنى “امرأة”، وفي اليونانية القديمة günǟ́ بنفس المعنى (معجم پوكورني، المادة 717).

ومما يدل على أن للكلمة التي ندرسها هنا جذورا تاريخية مشتركة عميقة في تاريخ اللغات الإنسانية أنه يوجد ما يقابلها في لغات متفرقة جغرافيا، كما في لغات البانطو الإفريقية (حيث يوجد الجذر kéntù “امرأة”)، واللغات الصينية القوقازية (حيث يوجد الجذر qwä̆nV́ بنفس المعنى)، واللغات الأمريكية الأصلية (حيث يوجد الجذر kuna)، واللغات السامية حيث تعني “زوجة الإبن” و”الجارية” و”الرفيقة” (العربية: كَنّة، الكلدانية: كينّاتو، الآرامية السريانية: كنات [بصائت مشموم بعد الكاف]).

التاريخ الأمازيغي لكلمة queen

لكن بمجرد أن تتجه نحو المناطق التي كان يُستعمل فيها لسان إيغود، ستكتشف بأن معنى “الزوجة” أو ما يقترب منه موجود بالفعل باللفظ الذي نجده في العائلات اللغوية التي ذكرتها، تضيف إليه لغة إيغود معنى طبيعيا ( = معنى مبنيا على ملاحظة ظاهرة طبيعية) غير مؤسساتي ( = ليس مبنيا على افتراض وجود علاقة مؤسساتية اجتماعية كالزواج أو العبودية أو غيرهما) وهو لفظ “التوأم”. ففي التشادية الغربية نجد الجذر kin بمعنى “الضرة” و”الأخت”، وفي التشادية الوسطى نجد kunu بمعنى “الضرة”. كما يستعمل ما يقارب هذا اللفظ (kiyan) في الكوشية الوسطى بمعنى “الزواج”.

أما في اللغة الأمازيغية فهناك أمر مثير للإنتباه وهو أن للمادة كنو ⴽⵏⵡ (وهي المادة 368 في معجم الجذور) دلالة مؤسساتية (تدور حول معنى “الزواج”)، ودلالة طبيعية (معنى “التوأم”) تنفرد بها عن بقية اللغات. ففعل إكنو ⴻⴽⵏⵓ عند التوارڭ مثلا يعني “أن يكون توأما” و”أن تكون ضرة”، وفعل سكنو ⵙⴽⵏⵓ يعني “أن يكون لدى المرء ولدان توأمان” و”أن تكون عنده زوجة ثانية”. فنقول إيكين ⵉⴽⵉⵏ “التوأم” جمعها إكينن ⵉⴽⵉⵏⴻⵏ في ورغلة، و أشنيو ⴰⵛⵏⵉⵡ جمعها أشنيون ⴰⵛⵏⵉⵡⵏ في مزاب. ونقول: إكني ⵉⴽⵏⵉ بمعنى “صار توأما” أو “صارت ضرة”، و إيكني ⵉⴽⵏⵉ، إيشني ⵉⵛⵏⵉ ، أكنيو ⴰⴽⵏⵉⵡ ، إيكن ⵉⴽⵏ ، جمعها إكنيون ⵉⴽⵏⵉⵡⵏ و إيشنيون ⵉⵛⵏⵉⵡⵏ وإكنوين ⵉⴽⵏⵉⵡⵏ كلها بمعنى التوأم، أما تاكنا ⵜⴰⴽⵏⴰ وتاشنا ⵜⴰⵛⵏⴰ فهي “الضرة” (أمازيغية الأطلس المتوسط). وفي تاقبايليت إيكنيو ⵉⴽⵏⵉⵡ تعني “صار توأما أو ضرة” و سّيكنو ⵙⵙⵉⴽⵏⴻⵡ (بمشموم بعد النون) تعني “اتخذ زوجة ثانية”. وفي الأمازيغية الشاوية نقول تاكنا ⵜⴰⴽⵏⴰ جمعها تاكنيون ⵜⴰⴽⵏⵉⵡⵏ ل”الضرة” و”الزوجة السابقة”، ونقول إكن ⵉⴽⵏ جمعها إكنان ⵉⴽⵏⴰⵏ

جماع الكلام إذن أن أقدم معنى للفظ الذي منه queen هو كنو ⴽⵏⵡ التي كانت تعني تعني “التوأم” تنفرد به الأمازيغية، اشتُقّ معنى الزوجة الثانية (فكأنّما هي توأم للأولى) تشترك فيه الأمازيغية مع اللغات القريبة منها جغرافيا كالتشادية، اشتق منها معنى “الزوجة” و “زوجة الملك” كما في العديد من اللغات الهندو أوروپية وغيرها، اشتُقّ منها معنى “الملكة” كما في الإنجليزية. لذلك فإن للفظ queen تاريخ مستقل عن تاريخ king وهذا سرّ عدم تجانسهما المرفولوجي.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *