لما كان البابا فرانسيس في الرباط المغربي

عادل الزبيري

وصلت إلى ساحة مسجد حسان، بعد استكمال الإجراءات الأمنية، كان المطر في اليوم، ما قبل الأخير من شهر مارس، رقيقا ومدارارا، وكان السبت في أيام الله.

ففي الصباح الباكر، ارتديت بدلة خفيفة، لأن الجو بدا لي صباحا باكرا ربيعيا، ولكنني سرعان ما تنازلت عن الفكرة، وتراجعت خطوة إلى الوراء، اخترت من دولاب ملابسي بدلة شتائية، وبحثت عن معطف ساخن، ويمكنه تحمل تقلبات المطر.

كنت أترقب يوما تاريخيا آخر، لأن الصحافي أول مؤرخ، لا زلت بعد 15 عاما من الصحافة، طفلا متحمسا، لكل حدث يمكنني الحضور فيه، لا زلت مبتدأ يطارد خبرا.

ووقفت إلى جانب صحافيين آخرين، من جنسيات الأرض، على منصة ارتفعت قليلا، في قلب ساحة، تتسعد ليلتقي فيها رمزان دينيان؛ العاهل المغربي محمد السادس والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان؛ إنه التاريخ يعود لكتابة صفحة مغربية أخرى.

في يوم كان من أجل الله، نزل مطر خير، من شهر مارس، وتبللت مع آخرين طيلة 3 ساعات، فرحت مثل أيام الصبا، لما كنا نغادر المدرسة الابتدائية في حي بنديبان، في مدينة طنجة، في شمال المغرب، كنا نفرح بمطر يأتي فجأة، فنتبلل ونلعب في كل بركة، ونصر على العودة للدار بعد حمام مطر من خير.

بدأ البث المباشر، لوصول البابا فرانسيس، إلى مطار مدينة سلا بقرب العاصمة الرباط، وفي الاستقبال وبجلباب مغربي تقليدي؛ العاهل المغربي محمد السادس.

وتحرك الموكب الرسمي للاستقبال في اتجاه الرباط، مرورا بأكبر شارع في مدينة سلا، العاهل المغربي محمد السادس، تحت أمطار الله، واقفا يحيي الواقفين من المغاربة، الذين اصطفوا على جنبات الطريق.

في خطابين من أجل الممكن من التقارب الديني، بين المسلمين والمسيحيين، ألقى العاهل المغربي محمد السادس، خطابا باستعمال اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، داعيا للتصدي لخطاب الكراهية، ومعلنا عن أسباب إيمانه بخيار التربية أولا في المغرب.

واصلت السماء إرسال مطرها، إنها مباركة من الرب، للقاء على كلمته، من أتباع الرسولين محمد وعيسى، في حدث لا يمكن لحاضره إلا أن يعترف أن المغرب أرض اللقاء بين أصوات الخير من أجل السلام الممكن بين البشر.

أكمل العاهل المغربي محمد السادس خطابه، فجاء دور البابا فرانسيس للتحدث، أمام حضور من التآخي البشري، بين المسلمين والمسيحيين، في ساحة أشهر مسجد حسان، الأشهر في العاصمة المغربية الرباط.

وهذا مسجد حسان، الذي يعود بناءه إلى زمن الإمبراطورية الموحدية، أي قبل قرابة 5 قرون خلت، ولبيت الله هذا شقيقين، واحد في مدينة مراكش، واسمه الكتبية، وثاني الشقيقين، واسمه الخيرالدا في إسبانيا.

وكلم البابا فرانسيس الجمع في ساحة مسجد حسان، عن فرحه بالقدوم إلى أرض المغرب، وما نسي قضيته الأولى؛ الدفاع عن المهاجرين عبر العالم، في زمن ترتفع فيه أصوات السياسيين عبر العالم لبناء الجدران، ورفع السياجات الحديدية.

ارتفعت الشمس دافئة، لتكسو بلونها الذهبي صومعة مسجد حسان، تحسست أطراف جسدي، كان المطر تسلل إلى دواخلي، غسل روحي من جديد، في لحظة من أجل تكون كلمة الرب دائما هي العليا.

فبكل شجاعة، يخطو المغرب من أجل التاريخ، يمد يده من أجل السلام، يستقطب أنظار العالم، مدافعا عن التسامح بين أبناء الرب الواحد.

ويعود المغرب من جديد، إلى لعب دوره كاملا، كرائد في العالم الإسلامي، بتوقيع العاهل المغربي محمد السادس، مع ضيفه الكبير البابا فرنسيس، في القصر الملكي في العاصمة المغربية الرباط، على وثيقة إعلان القدس الشريف، مطالبين بحماية المدينة المباركة، لكل المتعبدين؛ من المسلمين ومن المسيحيين ومن اليهود.

ففي الغرب الإسلامي، عاش المغرب مستقلا عن الشرق، في قراره السياسي والديني، ومواصلا وصاله الروحي مع أرض الرسالات السماوية، من مكة إلى القدس المشرف.

وفي ختام يوم، جاء من أجل كتابة التاريخ فقط؛ جلس العاهل المغربي محمد السادس والبابا فرانسيس، في مؤسسة دينية مغربية، فريدة من نوعها في إفريقيا، للتكوين الديني الإسلامي، بطرق حديثة جدا، للأئمة والمرشدات والمرشدين؛ للمغاربة ولغير المغاربة، من الأوربيين والأفارقة.

واستمع الحضور، بعد أن ارتفع أذان صلاة عصر يوم السبت، إلى خطاب ذكي لأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، نساجا وراويا لقصة إمارة المؤمنين في المغرب، كمؤسسة دينية مغربية عتيقة، قائمة على التعاقد بين الملك وبين المواطنين.

وصعد التوفيق في خطابه، في حضرة الملك المغربي محمد السادس، وضيفه الكبير المقام، البابا فرانسيس، إلى بدايات التواصل بين المغرب الأقصى الإسلامي وبين البابوية في الفاتيكان.

وعم صمت في المكان، ظننت أن الحفل انتهى، لكنني سمعت صوتا يقدم تراتيلا بلغة عربية فصيحة، ارتفعت ستائر المسرح، فبدت فرقة موسيقية مكتملة القوام، لتنطلق ترانيم باسم رب السماء، جمعت الإسلام والمسيحية واليهودية.

فلعمري لا يمكن لهذه الأرض المغربية إلا أن تباركها السماء، لأن أهلها موحدون مسلمون منذ قرون، حفاظون لكتاب رب الجلالة، فلا تنتهي صلاة مغرب من كل يوم، إلا واستل القراء من قلوبهم، صورا من القرآن لتذاكر جماعي، في عرف مغربي جميل.

ولاحقا، ارتفعت درجة حرارة جسدي، وأصابتني الحمى، واحمر أنفي، ودمعت عيناي، فتيقنت أن الروح استمع مولاها لشكواها، فكان لزاما أن يمرض الجسد طالبا طرد الخطايا بعيدا.

ففي ختام شهر مارس من العام 2019؛ خاطب المغرب العالم أجمع؛ بأنه أرض تسامح بين الديانات، وبأنه أرض الله، من أجل اللقاء بين الأقطاب الكبيرة؛ التي تلهج باسم الله ربا، يرتفع اسم جلالته عاليا.

اقرأ أيضا

اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي

بمناسبة تخليد ذكرى عيد الاستقلال المجيد،وفي اطار برنامجها السنوي ،الجمعية المغربية للجيت سكي بأكادير المنضوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *