مأسسة الأمازيغية بين الإلزامات الدستورية والتدابير الحكومية

الباحث، الحسين أيت باحسين

بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الخامسة والخمسون سنة (55 سنة) لتأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، تناول الباحث في الثقافة االأمازيغية الحسين أيت باحسين، خلال ندوة فكرية حول موضوع: “الأمازيغية من المطلب إلى سبل تفعيل الطابع الرسمي: أية استراتيجية وأية تدابير؟” نظمتها (لامريك AMREC)، الجمعة الماضي بالرباط، موضوع “مأسسة الأمازيغية بين الإلزامات الدستورية والتدابير الحكومية”.

فيما يلي نص المداخلة:

بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الخامسة والخمسون سنة (55 سنة) لتأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (المعروفة عموما ب(“لامريك” AMREC) واستحضارا لعنوان هذه المداخلة سأتناول العناصر التالية:

– الأمازيغية في مرحلة المطالب،

– الأمازيغية في مرحلة اعتراف الدولة بالأمازيغية،

– الأمازيغية في مرحلة التشريع لرسمية الأمازيغية،

– الأمازيغية والتدابير الحكومية،

– مأسسة النهوض بالأمازيغية بين المنجزات المتحققة والتحديات الآنية والمستقبلية.

1- الأمازيغية في مرحلة المطالب:

من باب ثقافة الاعتراف علينا:

أولا: أن نترحم على أرواح من غادرونا بعد أن قدموا تضحيات كبيرة في سبيل تثمين اللغة والثقافة الأمازيغيتين في زمن عرفتا كثيرا من التبخيس حتى من ذوي القربى؛

ثانيا: أن نذكر ببعض التنظيمات الثقافية الفاعلة التي ساهمت؛ بأسلوب حضاري؛ في تحقيق بعض المنجزات المتعلقة بالنهوض بالأمازيغية؛ ضمن السلم الاجتماعي والأمن الثقافي؛ قبل خطاب أجدير، ومن بينها :
– الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (جمعية وطنية)،
– الانطلاقة الثقافية بالناظور،
– جمعية إلماس الثقافية بالناظور،
– الجمعية الثقافية لسوس، الدار البيضاء،
الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية – تاماينوت فيما بعد (جمعية وطنية)،
– جمعية أغريس الثقافية بكلميمة،
– جمعية الجامعة الصيفية بأكادير.

وستلتحق بها جمعيات أخرى عديدة بعد إحداث جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، وصدور ميثاق أكادير، والخطاب الملكي ل 20 غشت 1994، وإحداث المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الأمازيغية، واعتقالات كلميمة، والبيان الأمازيغي، والدعوة إلى تاوادا، وصدور ميثاق التربية والتكون، وعدم الاستجابة لمطلب دسترة الأمازيغية، من طرف الحركة الأمازيغية، بمناسبة مراجعة الدستور في أفق تنصيب حكومة التناوب (1996).

2- الأمازيغية في مرحلة اعتراف الدولة بالأمازيغية:

يعتبر الخطاب الملكي ل 20 غشت 1994 بداية اعتراف الدولة المغربية بالأمازيغية؛
لكن خطاب العرش ليوم الإثنين 30 يوليوز 2001 وخطاب أجدير ليوم 17 اكتوبر 2001 سيضعان أسس مغرب الهوية المتعددة بمختلف مكوناتها وروافدها وسيمكن الدولة المغربية من بلورة سياسة متبصرة للنهوض بالثقافة الأمازيغة وترسيخها؛

إن القرارات، التي كانت لصالح الأمازيغية، قد اتخذت قبل الاعتراف الدستوري؛ ومنها إنجازات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ 2001، وتجربة تدريس الأمازيغية في المدرسة العمومية منذ 2003، وبداية فتح شعب الدراسات الأمازيغية في الجامعة المغربية منذ 2006، ثم إحداث القناة الأمازيغية منذ 2010. وبذلك نلاحظ أن المؤسسة الملكية قد بادرت بالاستجابة لمطالب الحركة الأمازيغية، وكان ما كان، لصالح الأمازيغية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة؛ وذلك بالرغم من مختلف أساليب الاتصال والتواصل مع باقي المؤسسات المعنية الأخرى (المؤسسة التشريعية بغرفتيها والمؤسسة التنفيذية) ومع الهيئات الحزبية والحقوقية ومختلف الجمعيات الثقافية للمجتمع المدني؛ وإصدار جمعيات الحركة الأمازيغية لمذكرات وبيانات، وعقد لقاءات وأيام دراسية مع مختلف المؤسسات العمومية (البرلمان بغرفتيه، ومع الأحزاب السياسية ومؤسسات حكومية مختلفة).

3- الأمازيغية في مرحلة التشريع لرسمية الأمازيغية:

مع ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ نشهد مجموعة من النصوص التشريعية ومن المبادرات التي تعمل على تجسيد هذه الإرادة الملكية السامية وعلى تنزيل أحكام الدستور (دستور 2011).

تتمثل هذه الإرادة الملكية في الخطابات والمبادرات الملكية ذات الصلة بترسيم ومأسسة الأمازيغية، ومن بينها:

– خطاب 20 غشت 1994؛

– خطاب العرش ل 30 يوليوز 2001؛

– خطاب أجدير ل 17 أكتوبر 2001؛

– إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛

– المصادقة على أبجية “تيفيناغ” كحرف لكتابة وقراءة الأمازيغية؛

– خطاب 9 مارس 2011 الذي “يستند على سبعة مرتكزات أساسية: أولها: التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة”؛

– خطابات افتتاحيات الدورات البرلمانية ذات الصلة بترسيم ومأسسة الأمازيغية بعد أن أقرّ الناخبون دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية، إلى جانب العربية، في يوليوز 2011 ؛

– وضع الطابع الشريف على الظهيرين الشريفيين المتعلقين بالقانونين التنظيميين:
رقم: 16-26 ورقم: 16-04.

4- الأمازيغية والتدابير الحكومية:

هذه التدابير، من المفروض، أنها ينبغي أن تستند إلى المرجعيات التشريعية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية التي من بينها:

– الخطابات والمبادرات الملكية ذات الصلة بترسيم ومأسسة الأمازيغية المشار إليها أعلاه؛
– المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب وأقرها الدستور المغربي (دستور 2011)؛
– دستور المملكة المغربية (دستور 2011)؛

– القانون التنظيمي رقم: 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية؛

– مشروع أولي للمخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تنفيذا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم: 16-26؛

– القانون التنظيمي رقم: 16-04 المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛
– البرنامج الحكومي 2021-2026 المقدم من طرف السيد رئيس الحكومة في جلسة مشتركة لمجلس النواب والمستشارين يوم الإثنين 11 أكتوبر 2021؛-

– منشور وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة رقم 1/2022، حول إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية.

وإذا كان العقد الأول من الألفية الثالثة قد تحققت فيه مجموعة من المنجزات لصالح الأمازيغية، بالرغم من أنها لم ترسم بعد في الدستور؛ فإن العقد الثاني من الألفية الثالثة قد عرف ترددا كبيرا في اقتراح “مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية” و”مشروع القانون التنظيمي الخاص بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”.

وهما مشروعي قانون مرتبطان، حيث لم يتم التصويت عليهما إلا في أواخر سنة 2019، حيث بدأ سريان مفعول القانون التنظيمي الأول بتاريخ نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 26/9/2019، في حين أن القانون التنظيمي الثاني لم ينشر بالجريدة الرسمية إلا بتاريخ لاحق أي 2/4/2020؛ كما لم يعلن عن تأسيس اللجنة الحكومية لتتبع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية إلا بداية 2021.

وهذا يعني أن أهم القرارات لصالح الأمازيغية اتخذت قبل الاعتراف الدستوري سنة 2011، ولم يتم تجويدها بعد الاعتراف.

5- مأسسة النهوض بالأمازيغية بين المنجزات المتحققة والتحديات الآنية والمستقبلية:

في هذا المستوى لا نملك إلا مجموعة من التساؤلات حول ما سيؤول إليه الهدر الزمني الذي يعرفه تنزيل وتفعيل ومأسسة الأمازيغية بعد دسترتها وصدور القوانين التنظيمية المتعلقة بها في الجريدة الرسمية؛ كما لا نملك إلا مجموعة من التساؤلات التي تتبادر إلى الذهن أمام التحديات الآنية والمستقبلية المطروحة أمام تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وأمام الوضع الذي سيؤول إليه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضمن إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟

وتفاعلا مع ما تستدعيه الاستشرافات سيتم الاقتصار على مساءلة المفاهيم المعتمدة في الوعود الانتخابية، والتصريح الحكومي، وكيفية تدبير تفعيل القوانين التنظيمية ذات الصلة بتفعيل المقتضيات الدستورية الخاصة بالأمازيغية والتي عرفت تباطؤا وتلكؤا وترددا طالت ولايتي حكومتين(2011 إلى 2021) كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه؛ ومفهوم “مأسسة النهوض بالأمازيغية” الذي لا يعني، وفق الوثيقة الدستورية، سوى “جعل اللغة الأمازيغية لغة المؤسسات”.

على سبيل الخاتمة:

سنكتفي بطرح التساؤلات التالية على سبيل الاستشراف:

– هل من دلالة خاصة في جعل الأمازيغية آخر التزامات الحكومة الحالية العشرة؟
– هل إتمام تفعيل ترسيم الأمازيغية عبارة عن تكلفة مالية وسياسية، أم أنه بمثابة تفعيل العدالة المجالية والثقافية؟

– إلى أي مدى ستتوافق الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة الحالية على الوعود الانتخابية التي وعد بها حزب التجمع الوطني للأحرار أثناء الحملة الانتخابية؟

– ما هو الوضع الذي سيؤول إليه “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” في “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية “؛ علما أن المؤسسات الأخرى، التي ستشكل معه هيكلة المجلس المذكور، ليست لها بعد هوية قانونية وإدارية؛ وما هي تجربتها في تدبير ملف الأمازيغية؟

– ما هي تمفصلات مبالغ الصندوق الخاص الذي استحدث لصالح الأمازيغية، ضمن استحضارنا لمستلزمات تفعيل القوانين التنظيمية ذات الصلة، وارتباطا بالقوانين المالية المرتبطة بميزانيات الدولة السنوية؟

الحسين أيت باحسين

عن مجلس حكماء الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *