عادة عندما يتقدم أي فاعل سياسي أو حزبي أو أي مسؤول في أي هيأة ذات الاهتمام والإشتغال في المجال او الفضاء العمومي، تسترسل الأسئلة تباعا حول الدوافع أو الذرائع المفترضة والحقيقية؛ غير أنه بالنسبة للمتتبع المنتج أو المحلل الجيد لا ينساق مع عملية النبش أو افتعال سيناريوهات لتبرير التصرف أو لتبخيس الواقعة او المبادرة، بل إنه يفكر في التداعيات ومدى وقعها الاحتمالي على المركز القانوني للمستقيل أو طالب الإعفاء من المهمة أو المنصب، وآثارها على علاقاته ومسؤولياتها الوظيفية او المرفقية او التعاقدية بصفة عامة، مع المحيط أو الوسط أو الإدارة والسلطة العمومية او المدنية وغيرها.
وبالنسبة لاستقالة المصطفى الرميد، فمهما تعددت الأسباب المباشرة وتماهت الدوافع المتراكمة، لا يمكن تجاهل الفراغ الذي سيتركه، كحلقة ضرورية وأساسية، داخل حزبه والمجلس الحكومي وعلى صعيد الحياة السياسية والفضاء العمومي، فهو الحكيم بعد الراحل عبد الله باها ، بالنسبة لحزبه ، والمستشار القانوني بالنسبة للحزب والتنظيمات ذات الصلة، لكن في نفس الوقت هو صاحب نفوذ وتأثير والحاسم أحيانا في القضايا ” المصيرية أو المبدئية والتنظيمية ” داخل القيادة، ناهيك عن شبكة العلاقات التي نسجها داخل جسم منظومة العدالة والمجتمع السياسي والمدني والأكاديمي والدعوي.
لذلك، ورغم شراسته وطبعه الحاد والانفعالي، تراهن عليه الدولة وتعتمد عليه، سواء كوسيط مؤهل، في نظر العقل الأمني ، وكمنفذ جيد لقرارات وإملاءات ” عقل ” الدولة العميقة ، فهو أكثر إئتمانا من أي عضو آخر ، بشهادة وتوصية من الزعيم المؤسس عبد الكريم الخطيب .
من هنا وبالنظر لهذه الاعتبارات، وما خفي كان أعظم ، فإن طلب الإعفاء الذي جاء في صيغة استقالة مرفوعة إلى رئيس الحكومة، هي رسالة متوافق في غالب الظن على الإذن بتوجيهها إلى الرأي العام ، ويرجح أن يتم قبولها ، بعلة الوضع الصحي لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع البرلمان، في ظل سياق تهيمن عليه أجواء الاستحقاقات وما يرافقها أو يسبقها من تحضير لتصفية البيئة الحقوقية وإطلاق مبادرات تشريعية مرتبطة بانفراج سياسي بمقاربة حقوقية وتنموية اجتماعية ، ترد الاعتبار لمطلب دولة الجهات وإقرار العدالة المجالية وجبر الضرر الترابي .
وهي محطة لن تكون إلا بريادة الملك بامتياز ؛ فيبدو أن هناك توصية من مهندسي العقل الأمني بانهاء العملية السياسية والأمنية التي رافقت ولاية فقيه المصباحيين ، بنعومة ورفق واحترام تام لأخلاقيات الصراع السياسي وقواعد اللعبة المتعارف عليها تقليدانيا، وفي ذلك قد تكمن الأسباب الخفية لما يجري .
فالدولة لا تحتاج فقط إلى إتباث قوتها وتأكيد هيبتها بل تروم إحيانا إلى إبراز مؤشرات التميز مقارنة بين كل مرحلة وأخرى، وعلى الخصوص بين عهد سنوات الرصاص وما بعده ، وقد تحضر بعض المحللين امكانية أن تكييف الوقائع والأوضاع مع السياقات لا يفضي سوى لتأكيد حقيقة ان الدولة والنظام السياسي مستمران والأشخاص عابرون، وأن العمليات وقتية والتسويات مؤقتة في صيغة تناوبات توافقية غير مسموح لها بالتنافس على احتلال للمشهد للعام أو أن تستغرق ” الحضور المهيمن ” للمؤسسة الملكية.